الإستبصار (موقع يهتم بشؤون المستبصرين ) ، الفصل الأول من كتاب أخيراً أشرقت الروح لمياء حمادة المستبصرة السورية:

لقد هداني الله تعالى وقدر لي الأخذ بمذهب الحق مذهب أهل البيت علهم السلام، مذهب حفيد رسوله الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام الذي تفرعت منه واستقت عنه جميع المذاهب الأربعة فهو أصل للمذاهب.

وقصتي مع التشيع بدأت عندما كنت طالبة في المرحلة الثانية بكلية الشريعة، وكنت أتساءل دائما: لماذا هذا الاختلاف في المذاهب؟.

وكنت عندما ينتهي درس التربية الإسلامية أتحدث مع المدرسين وأناقشهم كثيرا في مسائل عدة:

كالصلاة مثلا، فكنت أرى فروقا واضحة بين المذاهب في هذا الشأن، حتى أن الخلاف واقع بين فقهاء المذهب الواحد.

إن الشافعي يقول: إنّ لمس المرأة الأجنبية يوجب الوضوء، والحنفي يقول بخلافه، ويخالفهما مالك حيث يقول: إن اللمس إذا كان بشهوة أو عن عمد وجب الوضوء وإلا فلا.

أيضا: الشافعي يجيز نكاح البنت من الزنا ويخالفه الثلاثة.

والحنفي يقول بوجوب الوضوء من خروج الدم من البدن ولو كان قليلا. ويخالفه الثلاثة.

أيضا الحنفي يجيز الوضوء بالنبيذ واللبن المشرب بالماء، ويخالفه الثلاثة.

ويقول مالك بجواز أكل لحم الكلاب، ويخالفه الثلاثة.

والشافعي يجيز أكل لحم الضبع والجري والثعلب، وأبو حنيفة يحرم أكلها.

والقنافذ يحلها الشافعي والآخرون يحرمونها.

إلى كثير من هذا الخلاف الواقع بينهم من أول الفقه إلى آخره.

يا سبحان الله..! فهل كانت الشريعة ناقصة لم تتم حتى أتوا بما أتوا به من الخلاف الدائر بينهم، فهذا يحلل وذاك يحرم، والآخر يجيز وذاك بالعكس؟!.

وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: (حلال محمد حلال إلى يوم القيامة، وحرام محمد حرام إلى يوم القيامة).

ودرسنا عن الشافعي (رض) نفسه أنه قد ألّف مذهبه القديم ونشره بين المسلمين في العراق والحجاز واليمن والشام.

ثم ارتحل إلى مصر لأمر ما وخالط المغاربة وأخذ عنهم، فعدل عن مذهبه القديم وألّف مذهبا آخر أسماه المذهب الجديد، حتى لم يبق من المذهب الأول إلا مسائل.

أقول: فإن كان مذهبه الأول صحيحا فلماذا أتى بالثاني، وبالعكس..

وأيضا نرى أبا حنيفة يأتي بقول في أحد المسائل مثلا ويأتي (أبو يوسف) أو (محمد) أو (زفر) وهم ممن أخذوا عنه وتتلمذوا عليه يخالفونه، فمرة يكون أحدهم معه والآخران عليه، وبالعكس أي يخالفوه الثلاثة أو يوافقونه.

وهكذا مالك وأحمد – والخلاف دائر بينهم في جميع المسائل، وطبعا هذا مما أوقع في الريب والشك في أحقية اتّباع أيّ من هذه المذاهب.

ورب صدفة ولحسن الحظ وخير الطالع وأثناء دراستي في الجامعة دخلت علينا طالبة جديدة وكانت عراقية وقد تهجرت من بلادها مع ذويها إلى بلدنا طلبا للأمان.

وقد انخرطت في الدراسة بالجامعة واختارت كليتنا لأن طلابه ملتزمون مع أنه كان بإمكانها أن تختار كلية أعلى من كليتنا لأنها كانت من المتفوقين في كلية الطب في بلدها.

وكانت هذه الفتاة واسمها (بتول) تجلس في المقعد الأخير في القاعة، ودائما تلبس العباءة السوداء والخمار يغطي رأسها حتى ذقنها، ويا له من حجاب يدل على التزامها الديني وانتصارها على تقلبات العصر وهفوات التقدم والموضة…

ولكن لما عرفنا – نحن طلاب كلية الشريعة – بأنها عراقية تيقنّا بأنها شيعيّة، وكثيرا ما كنا نتحرش بها قاصدين السخرية والاستهزاء بها لأنها – حسب اعتقادنا ومعلوماتنا الخاطئة طبعا – هي ومن يتبع هذا المذهب غير مسلمين، فهم يعبدون علي بن أبي طالب، والمعتدلون منهم فقط يعبدون الله ولكنهم لا يؤمنون برسالة محمد صلى الله عليه وآله، ويشتمون جبرائيل ويقولون بأنه خان الأمانة، فبدلا من أداء الرسالة إلى عليّ أداها إلى محمد صلى الله عليه وآله، وأنهم ينزلون أئمتهم منزلة الآلهة وأنهم يقولون بالحلول، وأنهم يسجدون للقرص الحجري من دون الله، وأنهم يأتون إلى قبر الرسول صلى الله عليه وآله ليلقوا فيه القذرات والنجاسات، وأن لهم أذنابا وأنهم كفار، وأنهم أشد على الإسلام من اليهود والنصارى، لأن هؤلاء يعبدون الله ويؤمنون برسالة موسى عليه السلام، بينما نسمع عن الشيعة أنهم يعبدون عليا ويقدّسونه، ومع كل هذا التقريع وهذه السخرية والأخت بتول لا ترد علينا وتقول في كل مرة سامحكم الله، هداكم الله، ليتكم تعلمون الحق أستغفر الله لي ولكم، وهكذا إلى أن جاء يوم من الأيام – وهو بالنسبة لي يوم التحول الكبير – جئت في هذا اليوم متأخرّة عن موعد المحاضرة فلم أجد مكانا إلا إلى جانب هذه الفتاة بتول، وكنت قبلا لا أجلس إلى جانبها أبدا، تحسّبا منها على أنها كافرة، أو أنها جاسوسة تريد أن تعرف تفاصيل مذاهبنا لتنقلها إلى فرقتها.

جلست وأنا مستاءة منها نوعا ما، ثم قلت في نفسي ما لي وما لها؟

كل واحدة منا في حالها. وبالصدفة كانت المحاضرة يومذاك عن المذهب الشيعي، وبدأت المحاضرة وكلنا مصغون إلى ما يقال عن ذلك المذهب، وبتول تندهش وتندهش من كل ما يقال عنهم وتتمتم أثناء المحاضرة بأن لعنة الله على الظالمين… سامحكم الله… أذناب بني أمية… أتباع معاوية… وهكذا إلى أن انتهت المحاضرة وبتول تكاد تنفجر من الغيظ.

فقلت لها: لماذا أنت مغتاظة ومتضايقة، أليس ما قاله الدكتور المحاضر عنكم صحيحا.

فابتسمت بتول عندها وقالت: إذا كان الأستاذ يفكر بهذا الشكل فلا لوم على الطلاب، وإذا كان تفكير الطلاب هكذا فلا لوم على عامة الناس الذين لا ثقافة لهم.

قلت: ماذا تقصدين؟

أجابت: عفوا، ولكن من أين لكم هذه الادعاءات الكاذبة.

قلت: من كتب التاريخ ومما هو مشهور عند الناس كافة.

قالت: هل عندك الوقت للمناقشة. ترددت قليلا ثم أجبت: ربما بعض الوقت. وأخذنا نتمشى إلى الكافتيريا فطلبت القهوة وجلسنا نتحدث.

قالت: لنترك الناس كافة الذين يعتمدون على الصحاح بالدرجة الأولى، ولكن أنت هل قرأت شيئا من الكتب عنا؟

قلت: نعم مثل، ظهر الإسلام، وفجر الإسلام، وضحى الإسلام لأحمد أمين وغيرها كتب كثيرة.

قالت: ومتى كان أحمد أمين حجة على الشيعة؟ أليس عليكم أن تتبينوا الأمر من مصادره الأصلية المعروفة.

قلت: وكيف لنا أن نتبين في أمر كهذا.

قالت: إن أحمد أمين نفسه زار العراق وقد التقى بأساتذة عدة في النجف وعاتبوه على كتاباته عن الشيعة فاعتذر قائلا: إني لا أعلم عنكم شيئا ولم أتصل بالشيعة من قبل وهذه أول مرة ألتقي فيها بالشيعة، فقلنا له إذن لم تكتب عنا القبيح؟

قال: هكذا ورثنا عن الناس نظرتهم إليكم.

وتابعت: أرأيت هذا الافتراء؟ وهكذا خذي كل ما يقال عنا على هذا المنوال فهو أكاذيب مغرضة حاقدة.

قلت: دعينا من أحمد أمين هذا وأخبريني عن حقائق عديدة تقال عنكم:

فقاطعتني قائلة: إذا كنت تريدين تمضية الوقت والكلام لمجرد الكلام فأنا آسفة والأفضل أن أذهب وأما إذا أردت الاستفادة حقا والتأكد من مظلوميتنا فلك ما تريدين ووقتي لك كله.

قلت: لا والله، معاذ الله أن أتكلم معك لمجرد الكلام ولكني أحببتك فعلا وأحسست بأنك مظلومة وعندك حجج كثيرة أردتي قولها أثناء المحاضرة ولكنك لم تجرؤي فلم يا ترى؟

قالت: الكلام مع هؤلاء الناس كعدمه، وربما جرّتنا المناقشة أن أضع من شأن مذهبي وديني من جراء مناقشتي مع جهال كهؤلاء فقد قال الإمام علي عليه السلام: ناقشت جاهلهم فغلبني وناقشت عالمهم فغلبته.

قلت: فلنبدأ، فقاطعتني وقالت: إذن صلي على محمد وآل محمد، فتعجبت وقلت في نفسي هؤلاء الذين نتهمهم نحن بالخروج عن الدين يحافظون عليه أكثر منا.

فقلت: اللهم صلى على محمد وآله وصحبه أجمعين، فتبسمت قليلا وقالت تابعي:

فقلت لها: لأي المذاهب ينتمي مذهبكم.

قالت: المذهب الجعفري.

قلت: عجبا ما هذا الاسم الجديد؟ نحن لا نعرف غير المذاهب الأربعة وما عداها فليس من الإسلام في شئ.

وابتسمت قائلة: عفوا، إن المذهب الجعفري هو محض الإسلام المحض، ألا تعرفين أن الإمام أبا حنيفة تتلمذ على يد الإمام جعفر الصادق عليه السلام؟.

وفي ذلك يقول أبو حنيفة: (لولا السنتان لهلك النعمان) فسكت ولم أرد، وقالت: إن المذاهب الأربعة أخذ بعضهم عن بعض فأحمد بن حنبل أخذ عن الشافعي والشافعي أخذ عن مالك وأخذ مالك عن أبي حنيفة وأبو حنيفة أخذ عن جعفر الصادق، وعلى هذا فكلهم تلاميذ لجعفر بن محمد، وهو أول من فتح جامعة إسلامية في مسجد جده رسول الله صلى الله عليه وآله وقد تتلمذ على يديه أكثر من أربعة آلاف محدّث وفقيه.

وسألتني مقاطعة نفسها أي الأئمة تقلدين؟ قلت الإمام أبا حنيفة!

قالت: كيف تقلدين ميتا بينك وبينه قرابة أربعة عشر قرنا، فإذا أردت أن تسأليه الآن عن مسألة مستحدثة فهل يجيبك؟

فقلت لها بسرعة البديهة: وأنت إمامك ميت فكيف تقلدينه؟

قالت: إن إمامي حي غائب، وفي غيبته نقلد أحد المجتهدين الورعين ولا يجوز عندنا تقليد الميت.

وأخبرتني عندها كيف على الإنسان أن يعرف إمام زمانه فقد قال صلى الله عليه وآله: من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية وأنا إمام زماني هو صاحب الزمان الإمام المهدي وهذا موضوع طويل يحتاج لشرح.

قلت: حسنا هذه اقتنعت بها.. لننتقل إلى الثانية: إنكم تعبدون عليا وتقدسونه أليس كذلك؟. قالت: ألم تقرأي قول الله سبحانه

وتعالى: (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل) (1).

وقوله: (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار) (2)، وقوله: (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين) (3).

قلت: بلى أعرف هذه الآيات، قالت: فأين هو علي؟ فالقرآن نفسه عندنا وعندكم ويقول بأن محمدا هو رسول الله فمن أين جاء هذا الاتهام الباطل؟

قلت هذه أقنعتيني بها فماذا عن خيانة جبرئيل؟

قالت: حاشاه، هذه أقبح من الأولى، لأن محمدا كان عمره أربعين سنة عندما أرسل الله سبحانه إليه جبرئيل عليه السلام ولم يكن علي إلا صبيا صغيرا عمره ست أو سبع سنوات، فكيف يخطئ جبريل ولا يفرق بين محمد الرجل وعلي الصبي؟

فقلت: هذا منطقي جدا. كيف لم نحلل نحن بهذا المنطق؟

أضافت: إن الشيعة هي الفرقة الوحيدة من بين كل الفرق الإسلامية الأخرى التي تقول بعصمة الأنبياء والأئمة، فإذا كان أئمتنا عليهم سلام الله معصومين عن الخطأ وهم بشر مثلنا، فكيف بجبرائيل وهو ملك مقرب سماه الرب الروح الأمين؟

فاحترت وتلكأت وقلت في نفسي قبل أن نسألهم عن اختلافهم عنا في اعتقاداتهم، لنسأل أنفسنا نحن السنة لماذا تتعدد مذاهبنا وتختلف فيما بينها.

قلت: إذن كل ما يقال عنكم افتراء، قالت: سامحكم الله.

____________

(1) الفتح: 29.

(2) الأحزاب: 40.

(3) آل عمران: 144.

اعتذرت منها لضيق الوقت وودعتها طالبة منها زيارتي في القريب العاجل لأنني تلهفت كثيرا لسماع المزيد من ردود الشيعة على الأقاويل التي يدانون بها.

فشكرتني وتمنت هي بدورها لي الخير والهداية، فقلت في نفسي بعدما مشيت خطوات عدة هل سيأتي يوم وأصبح فيه شيعية؟ ثم استبعدت الفكرة وقلت لا، هكذا كان آباؤنا وأجدادنا، فهل من المعقول أن يكونوا كلهم على ضلال؟ وهل أنا الوحيدة في عائلتي سأكون على نور وبينة؟ لا، لا.. هذا مستحيل أستغفر الله وأتوب إليه.

وبعد أيام عدة جاءت بتول لعيادتي فقد كنت متوعكة قليلا ولم أذهب إلى الكلية لأيام عدة، فأهدتني طاقة من الورد ومعها مصحف، ففتحه ووجدته مثل مصحفنا تماما، فقلت لها: يقولون إن لكم مصحفا خاصا بكم..؟

قالت: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين، هؤلاء المفترون أعداء الإسلام يريدون تفريق المسلمين وتمزيقهم وضرب بعضهم ببعض، فنحن نعبد الله وحده لا شريك له، وقرآننا واحد ونبينا واحد وقبلتنا واحدة نشترك معكم في هذه الأمور، وربما نختلف عنكم أنتم السنة في بعض الأمور الفقهية وبعض الأمور العقائدية…

فقلت لها: زيديني زادك الله من علمه…

قالت: عن ماذا تريدين أن تستفسري؟

قلت: حدثيني عن أحقية علي في الخلافة كما تزعمون.. حدثيني عن التربة الحسينية (قرص الطين الذي تسجدون عليه)، عن الحسين، ولماذا يبكي الشيعة ويلطمون؟ حدثيني عن توسلكم وتبرككم بأضرحة أئمتكم، حدثيني كيف تجعلون من أبي بكر وعمر وعثمان (رضي الله عنهم وأرضاهم) أشخاصا عاديين، وأحيانا تشتمونهم وتسبون بعض أزواج النبي الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا…

أخبريني لماذا وضوؤكم غير وضوئنا.. ولماذا صلاتكم غير صلاتنا، وماذا عن الزواج المؤقت، والتقية، والرجعة، الخمس، وتأويلكم لآيات القرآن في علي وذريته آيات لا نعرفها، وماذا عن مصحف فاطمة…؟

ذكرت كل تساؤلاتي وكانت هي مبتسمة، وبدا أنها مستعدة لكل سؤال يطرح عليها وأنها واثقة من نفسها تماما.

فقالت: هل تريدين الحق؟ لقد أحببتك يا أختي لمياء وأتمنى منك أن تقبلي هديتي المقبلة، كتب عدة، إقرأيها وسوف تجدين ملاذك عن كل سؤال طرحتيه علي…

فأنا إن أجبتك عن كل سؤال لا يكفينا أيام السنة كلها ونحن نتناقش في صحة كلامي وعدمه، أما إذا قرأت عن أشخاص عدة استبصروا عرفوا طريق الحق، كانوا من أهل السنة وأصبحوا من الشيعة، لوجدت برهانا دامغا ساطعا وحجة عليك من كتبكم، ولن أطلعك على كتبنا حتى تطلبيها أنت بعد قراءتك لكتب المتشيعين.

شكرتها وتمنيت منها أن تزورني وترسل لي الكتب بأسرع وقت، فأنا شغفة ومتشوقة لقراءتها عسى ولعل أن أجد فيها شفاء لشكوكي ووساوسي الدفينة حول الاختلاف الدائر بين المذاهب الأربعة المعروفة.

 

وفعلا، لم تكذب خبرا فبعد ثلاثة أيام جائتني بكثير من الكتب وقالت لي: سآتي في الأسبوع القادم لأخذك معي لحضور عاشوراء، فترددت قليلا في قبول الدعوة، ثم قبلت وأنا حيرانة، وقلت: حسنا كما تريدين…

ثم انكببت على الكتب ليل نهار وأنا أقرؤها من الجلدة إلى الجلدة – كما يقولون – فقد استهواني تحليل كل كاتب منهم القضايا العالقة بين السنة والشيعة وفاجأني الكل بقصة لم أسمع بها من قبل، رزية يوم الخميس، إنها فضيحة فظيعة لا تصدق، ولكن عندما ذيل الكاتب الصفحة بأنها من كتب السنة: صحيح البخاري وصحيح مسلم ومسند الإمام أحمد وتاريخ الطبري وتاريخ ابن الأثير. فكيف بعد هذا الذي قرأته أكذب نفسي وأقول إنه قول جماعة لا يحبون الخلفاء الثلاثة ويكرهونهم، أليس ذلك مذكور في الصحاح؟ فخطر لي أن أبحث عن تلك الصفحات في الصحاح لأتأكد، وتمنيت أني لو لم أجدها، لكن البخاري ذكرها ومسلم ذكرها و… كلهم ذكروها وأمرونا أن نتبع أبا بكر وعمر وأخبرونا بأنهم عدول لا يذنبون.

ومن هنا، ملت إلى الشيعة أكثر فأكثر، لأن تحليلهم لكل الأمور منطقي، أكملت قراءة كل كتب التيجاني والشيخ محمد مرعي أمين الأنطاكي و… و… وكلهم سنة تشيعوا ولم أسمع بحياتي عن شيعي قد تسنن.

إن رزية الخميس وحدها كافية لأن تشيّعني، ليتك يا عزيزي القارئ تعرفها لتعرف أني على حق، إنها قصة يندى لها الجبين وهي عار على أهل السنة في كتبهم فلا نؤاخذ المستشرقين عندما يكتبون عن رسولنا ما يكتبون، فهم قد استندوا في دعاويهم على كتبنا المليئة بمثل هذه الروايات عن الرسول…

لقد قرأت الكتب واقتنعت بها، وأنا مندهشة حينا لما أقرأ، ومستاءة حينا آخر على الدهر الذي أمضيته وأنا عمياء البصيرة..

فالشيعة على حق ونحن على باطل، وهم يتمسكون باللبّ ونحن نتمسك بالقشور، هم الذين يجب أن يسموا أهل السنة، لأنهم لم يغيّروا ما جاء به محمد صلى الله عليه وآله، أما نحن فاتبعنا سنة أبي بكر وعمر ومعاوية.

أقولها وبكل صراحة إن الحق هو اتباع أهل البيت الذين أوصى النبي صلى الله عليه وآله بالتمسك بهم فقال: (إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أحدهما أعظم من الآخر، كتاب الله، حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض، فانظروا كيف تخلفونني فيهما) (1).

وقال صلى الله عليه وآله: (مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح، من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك) (2).

آه وا أسفاه على ماض كنت فيه مغمضة العينين، أمشي مع أقراني وقومي وهم على طريق الضلالة. ولكن الحمد لله الذي هداني بفضل هذه الفتاة المؤمنة الصادقة النية وليهنأ وليعتز بنفسه كل شيعي فهو الذي يتمسك بالعروة الوثقى وهو من الفرقة الناجية التي حدث عنها رسول الله صلى الله عليه وآله في حديث له.

____________

(1) سنن الترمذي: كتاب المناقب، مستدرك الحاكم: 3 / 148، صحيح مسلم: كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل علي بن أبي طالب.

(2) مستدرك الحاكم 3 / 151 وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.

الصواعق المحرقة: 2 / 445، تاريخ الخلفاء: 573.

 

 

انتهيت من قراءة الكتب وقد تشيعت تماما وطويت صفحة الأيام الماضية، وقررت أن أبدأ من يومي هذا حياة جديدة.

وفي اليوم الذي وعدتني به صديقتي بتول جزاها الله خيرا عني كل خير، أتت إليّ وقد بدا عليها الحزن قليلا، فقلت: لم يا صديقتي هذا الحزن؟ قالت: إنه يوم عاشوراء وقد قال الإمام الصادق عليه السلام: أنه علينا أن لا نبتسم في هذا اليوم ففيه قتل الحسين عليه السلام وكانت هذه مصيبة على الأمة الإسلامية كلها.

فقلت: لعن الله أعداء الإسلام، وعجل فرجك أيها الإمام المنتظر لتملأ هذه الدنيا قسطا وعدلا بعدما ملئت ظلما وجورا.

فاستغربت صديقتي وقالت: أتهزئين، قلت: حاشى وكلا، وقبّلتها بين عينيها وقلت أشكرك – أشكرك يا بتول على هذه الهدية، فلقد أنقذتيني من ظلام وجهل كنت أعيشه ونقلتيني إلى النور والعلم والنبوة والعقائد الصحيحة إلى أحضان أئمة الهدى أحفاد رسول الله صلى الله عليه وآله، فهل من مزيد من هذه الكتب.

فقالت: إذا كنت قد اكتفيت وصار عندك يقين تام فسأعطيك بعض من كتبنا من المؤلفين الشيعة.

فقلت: أتمنى هذا، ودعينا الآن نذهب لحضور عاشوراء، فذهبت ورأيت الناس في بكاء وعويل وكأن الحسين عليه السلام قد استشهد لتوّه، فبكيت معهم وعشت لحظاتهم المباركة الحزينة وأحسست بانجلاء الكروب عن نفسي وتنفست الصعداء واعتبرت هذا اليوم أول يوم من مسيرة تشيعي واعتبرت هذا البكاء حزنا على الأيام الماضية وعلى

 

الإسلام وعلى المآخذ التي كنت أشنها ورفاقي على صديقتي الشيعية وكل من اتبع هذا المذهب والذين أصبحوا أحبائي من بعد تشيعي وإخوتي في الدين بارك الله فيهم.

لقيت في البداية بعض المعارضة من أهلي – سامحهم الله – ولكن بصبري وتفوقي عليهم وحفظي لكل المسائل التي ربما أتعرض إليها خلال مناقشاتي ومجادلتي مع كل من يسمع بأني قد تشيعت، تفوقت وتفوقت واستطعت أن أشيع اثنتين من أخواتي وذلك بعد اطلاعي على كل كتب الشيعة تقريبا فقد وجدت في عقائدهم وأدعيتهم كنزاً لا يفنى.

وهكذا كانت مسيرة حياتي مع التشيع بدأتها بشكّ بيني وبين نفسي عن اختلاف المذاهب وأنهيتها بإعلان التشيع والتمسك بالمذهب الحق مذهب أهل البيت عليهم السلام.

فسلام عليكم يوم ولدتم ويوم استشهدتم ويوم تبعثون، وخاسر خاسر من لا يعرفكم ولا يعرف قدركم.

وأنا متأسفة جدا، وأعتذر إليكم عني وعن المسلمين الذين كانوا يجهلون صلتكم بالنبي وحديثه عنكم وعن حبكم ومودتكم الواجبة علينا وعن بعض من آذاكم وحمل الآخرين على القول فيكم، وفيمن تمسك بكم أقاويل وأكاذيب مغرضة، لعنهم الله وأحرقهم بناره.

وأنت عزيزي القارئ إذا أردت الاستبصار أكثر عليك بقراءة كتب التيجاني والأنطاكي وخليفات… الخ وكل من تشيع لأنها حجة علينا يوم الحساب…

وستجد فيها جوابا لكل مسائلي التي لم أورد لك أجوبتها كي

تتشجع وتبحث بنفسك على طريق النور والحق…

وبعدها إذا بقيت على حالك ولم تغير رأيك في موروثك فعلى الدنيا السلام، وإلا فأنت إنسان راق قد اتبعت قوله تعالى:

(فبشّر عباد * الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب) (1).