الإستبصار (موقع يهتم بشؤون المستبصرين)،وهذه جملة من أقوال وآراء وفتاوى علماء المسلمين يصرّحون فيها بعدم جواز تكفير وتضليل المسلمين وأهل القبلة: قال ابن تيميّة: ولا يجوز تكفير المسلم بذنب فعله، ولا بخطأ أخطأ فيه، كالمسائل التي تنازع فيها أهل القبلة، فإنّ الله تعالى قال…
وهذه جملة من أقوال وآراء وفتاوى علماء المسلمين يصرّحون فيها بعدم جواز تكفير وتضليل المسلمين وأهل القبلة:
قال ابن تيميّة: ولا يجوز تكفير المسلم بذنب فعله، ولا بخطأ أخطأ فيه، كالمسائل التي تنازع فيها أهل القبلة، فإنّ الله تعالى قال: (آمن الرسول بما أُنزل إليه من ربّه والمؤمنون كلّ آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرّق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربّنا وإليك المصير) (1) ، وقد ثبت في الصحيح أنّ الله تعالى أجاب هذا الدعاء وغفر للمؤمنين.
والخوارج المارقون الذين أمر النبيّ (صلى الله عليه وسلم) بقتالهم قاتلهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أحد الخلفاء الراشدين، واتّفق على قتالهم أئمّة الدين من الصحابة والتابعين من بعدهم، ولم يكفّرهم علي بن أبي طالب وسعد ابن أبي وقاص وغيرهما من الصحابة، بل جعلوهم مسلمين مع قتالهم، ولم يقاتلهم علي حتّى سفكوا الدم الحرام وأغاروا على أموال المسلمين، فقاتلهم لدفع ظلمهم وبغيهم لا لأنّهم كفّار، ولهذا لم يسبِ حريمهم ولم يغنم أموالهم.
وإذا كان هؤلاء الذين ثبت ضلالهم بالنصّ والإجماع لم يُكَفّروا مع أمر الله ورسوله (صلى الله عليه وسلم) بقتالهم، فكيف بالطوائف المختلفين الذين اشتبه عليهم الحقّ في مسائل غلط فيها من هو أعلم منهم؟
فلا يحلّ لإحدى هذه الطوائف أن تكفّر الأخرى ولا تستحلّ دمها ومالها، وإن كانت فيها بدعة محقّقة، فكيف إذا كانت المكفّرة لها مبتدعة أيضاً؟ وقد تكون بدعة هؤلاء أغلظ، والغالب أنّهم جميعاً جهّال بحقائق ما يختلفون فيه.
والأصل أنّ دماء المسلمين وأموالهم أو أعراضهم محرّمة من بعضهم على بعض لا تحلّ إلاّ بإذن الله ورسوله.
قال النبيّ (صلى الله عليه وسلم) لمّا خطبهم في حجّة الوداع: ” إنّ دماءكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا “.
وقال (صلى الله عليه وسلم) : ” كلّ المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه “.
وقال (صلى الله عليه وسلم) : ” من صلّى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فهو المسلم له ذمّة الله ورسوله…. “.
وقال: ” إذا قال المسلم لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما “.
هذه الأحاديث كلّها في الصحاح(2) .
ثمّ قال: فالواجب على المسلم إذا صار في مدينة من مدائن المسلمين أن يصلّي معهم الجمعة والجماعة ويوالي المؤمنين ولا يعاديهم، وإن رأى بعضهم ضالاّ أو غاوياً وأمكن أن يهديه ويرشده فعل ذلك، وإلاّ فلا يكلّف الله نفساً إلاّ وسعها(3) . انتهى كلام ابن تيميّة.
وقال ابن حزم الظاهري: وذهبت طائفة إلى أنّه لا يُكفّر ولا يُفسّق مسلم بقول قاله في اعتقاد أو فُتياً، وأنّ كلّ من اجتهد في شيء من ذلك فدان بما رأى أنّه الحقّ فإنّه مأجور على كلّ حال، إن أصاب الحقّ فأجران وإن أخطأ فأجر واحد.
وهذا قول ابن أبي ليلى وأبي حنيفة والشافعي وسفيان الثوري وداود الظاهري رضي الله عن جميعهم، وهو قول كلّ من عرفنا له قولا في هذه المسألة من الصحابة رضي الله عنهم ما نعلم منهم في ذلك خلافاً أصلا إلاّ ما ذكرنا من اختلافهم في تكفير من ترك الصلاة متعمّداً حتّى خرج وقتها أو ترك أداء الزكاة أو ترك الحجّ أو ترك صيام رمضان أو شرب الخمر(4) .
وقال ابن الهمام الحنفي: قال ابن المنذر: ولا أعلم أحداً وافق أهل الحديث على تكفيرهم (الخوارج) ، وهذا يقتضي نقل إجماع الفقهاء. وذكر في المحيط أنّ بعض الفقهاء لا يكفّر أحداً من أهل البدع.
ثمّ قال: ولا عبرة بغير الفقهاء، والمنقول عن المجتهدين ما ذكرنا، وابن المنذر أعرف بنقل مذاهب المجتهدين، وما ذكره محمّد بن الحسن من حديث كثير الحضرمي يدلّ على عدم تكفير الخوارج، وهو قول الحضرمي: دخلت مسجد الكوفة من قبل أبواب كندة، فإذا نفر خمسة يشتمون عليّاً (رض) وفيهم رجل عليه برنس يقول: أُعاهد الله لأقتلنّه، فتعلّقت به وتفرّقت أصحابه عنه، فأتيت به عليّاً (رض) ، فقلت: إنّي سمعت هذا يعاهد الله ليقتلنّك، فقال: ادن ويحك من أنت؟ فقال: أنا سوار المنقري، فقال علي (رض) : خلِّ عنه، فقلت: أُخلّي عنه وقد عاهد الله ليقتلنّك؟! قال: أفأقتله ولم يقتلني؟ قلت: فإنّه شتمك.
قال: فاشتمه إن شئت أو دعه.
ففي هذا دليل على أنّ ما لم يكن للخارجين منعة لا نقتلهم وأنّهم ليسوا كفّاراً لا بشتم علي ولا بقتله(5) .
وقال الشيخ عزّ الدين بن عبد السلام وغيره: قد رجع الشيخ أبو الحسن الأشعري قبل موته عن تكفير أحد من أهل القبلة.
وذكر الشيخ أبو طاهر القزويني في كتابه ” سراج العقول “: لا ينبغي لمتديّن أن يكفّر أحداً من الفرق الخارجة عن طريق الاستقامة ما داموا مسلمين يتديّنون بأحكام أهل الإسلام(6) .
وكان الإمام المزني ينكر على من يبادر إلى تكفير أهل الأهواء والبدع، ويقول: إنّ المسائل التي يقعون فيها لطائف تدقّ عن النظر العقلي.
وكان أبو المحاسن الروياني وغيره من علماء بغداد قاطبة يقولون: لا يكفر أحد من أهل المذاهب الإسلامية، لأنّ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: من صلّى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل من ذبيحتنا فله ما لنا وعليه ما علينا.
قال الشعراني: وقد رأيت سؤالا بخطّ الشيخ شهاب الدين الأذرعي صاحب القوت قدّمه إلى شيخ الإسلام الشيخ تقي الدين السبكي رحمه الله وصورته: ما يقول سيّدنا ومولانا شيخ الإسلام في تكفير أهل الأهواء والبدع؟
فكتب إليه: إعلم يا أخي وفّقني الله وإيّاك أنّ الإقدام على تكفير المؤمنين عسر جدّاً، وكلّ من في قلبه إيمان يستعظم القول بتكفير أهل الأهواء والبدع، مع قولهم لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله، فإنّ التكفير أمرٌ هائل عظيم الخطر، ومن كفَّرَ إنساناً فكأنّه أخبر عن ذلك الإنسان بأنّ عاقبته في الآخرة العقوبة الدائمة أبد الآبدين، وأنّه في الدنيا مباح الدم والمال لا يمكَّن من نكاح مسلمة ولا تجري عليه أحكام أهل الإسلام في حياته ولا بعد مماته، والخطأ في قتل مسلم أرجح في الإثم من ترك قتل ألف كافر… إلى أن قال: فالأدب من كلّ مؤمن أن لا يكفِّر أحداً من أهل الأهواء والبدع، لا سيّما وغالب أهل الأهواء هم عوامّ مقلّدون لبعضهم بعضاً لا يعرفون دليلا يناقض اعتقادهم.
وقال الشعراني: ومن خطّه نقلت رحمه الله وهو كلام في غاية الجودة والنفاسة: وكان الإمام أحمد بن زاهر السرخسي(7) أخصّ أصحاب الشيخ أبي الحسن الأشعري يقول: لمّا حضرت الوفاة أبا الحسن الأشعري في داري ببغداد أمر بجمع أصحابه، ثمّ قال: اشهدوا عليّ أنّني لا أُكفّرأحداً من أهل القبلة بذنب، لأنّي رأيتهم كلّهم يشيرون إلى معبود واحد والإسلام يشملهم ويعمّهم.
وقال شيخ الإسلام المخزومي: قد نصّ الإمام الشافعي على عدم تكفير أهل الأهواء في رسالته، فقال: لا أُكفّر أهل الأهواء بذنب.
وفي رواية عنه: ولا أُكفّر أحداً من أهل القبلة بذنب.
وفي رواية أُخرى عنه: ولا أُكفّر أهل التأويل المخالف للظاهر بذنب.
قال الإمام المخزومي رحمه الله: أراد الإمام الشافعي رحمه الله بأهل الأهواء أصحاب التأويل المحتمل كالمعتزلة والمرجئة، وأراد بأهل القبلة أهل التوحيد.
ثمّ قال الشعراني: فقد علمت يا أخي ممّا قرّرناه لك في هذا المبحث أنّ جميع العلماء المتديّنين أمسكوا عن القول بالتكفير لأحد من أهل القبلة بذنب ; فبهداهم اقتده(8) .
وقال ابن قدامة الحنبلي: (فصل) فأمّا أهل البدع فمن حكم بإسلامه فله الشفاعة لأنّه مسلم، فثبت له كالفاسق بالأفعال، ولأنّ عموم الأدلّة يقتضي ثبوتها لكلّ بشر فيدخل فيها(9) .
وقال سفيان الثوري: لا تحلّ عداوة موحّد وإن مال به الهوى عن الحقّ، لأنّه لا يهلك بذلك.
وقال الأوزاعي: والله لئن نُشرت لا أقول بتكفير أحد من أهل الشهادتين.
وقال سفيان بن عيينة: لئنْ تأكل السباع لحمي أحبّ إليّ من أن ألقى الله تعالى بعداوة من يدين له بالوحدانية ولمحمّد (صلى الله عليه وسلم) بالنبوّة.
وقال ناصر الدين الألباني: لا نكفّر أحداً من أهل القبلة بأيّ ذنب صدر منه(10) .
وقال المفتي زين العابدين شابغدادي الباكستاني: إنّه لا يجوز تكفير المسلم من أهل القبلة بمعنى أنّ من قبل الشهادتين وقال: (لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله) فهو مسلم، يحرم دمه وماله وعرضه على المسلمين(11) .
وقال الدكتور أحمد الكبيسي أبرز علماء أهل السنّة في العراق في خطبة أوّل صلاة جمعة أقيمت في جامع الإمام أبي حنيفة النعمان في الأعظمية بعد احتلال بغداد وفرار صدّام، وقد سمعته من بعض الفضائيات على ما يعلق في ذهني: والله من كفّر مسلماً فقد كفر.
____________
(1) سورة البقرة 2: 285.
(2) مجموعة الرسائل والمسائل ـ لابن تيمية ـ ج 5 ص 378.
(3) مجموعة الرسائل ج 5 ص 380.
(4) الفصل في الملل والنحل ج 2 ص 267.
(5) شرح فتح القدير ج 6 ص 100.
(6) اليواقيت والجواهر ج 2 ص 123.
(7) كذا، والصحيح زاهر بن أحمد السرخسي.
(8) اليواقيت ج 2 ص 125 ـ 126.
(9) المغني ـ لابن قدامة ـ ج 5 ص 552.
(10) الفتاوى ـ للألباني ـ ص 270.
(11) فتاوى العلماء في تحريم تكفير المسلمين ص 16.
المصدر : النجاح
عدد التعليقات 0