المسح علی الرجلين، الأدلة تقتضي المسح وتدل على أن الغسل مبتدع | قاعدة البیانات الاستبصار

آخر الأخبار

خانه » المعارف الإسلامیة » الأحکام والعبادات » المسح علی الرجلين، الأدلة تقتضي المسح وتدل على أن الغسل مبتدع

المسح علی الرجلين، الأدلة تقتضي المسح وتدل على أن الغسل مبتدع

الإستبصار (موقع يهتم بشؤون المستبصرين)،
السلام عليكم
أنا على مذهب آل البيت (عليهم السلام) منذ شهرين ، مؤخرا قرأت حديث فانتابني شك و الان أنا أعيش في حيرة من أمري ،المشكل يكمن في مسح و غسل الرجلين لانه لو كان المسح هو الصحيح هناك أوساخ تبقى ما بين الاصابع!!!
ممكن توضيح الامر وخاصة كيفية المسح اذا كان المسح هو الصحيح من فضلكم و الحديث هو كالتالي:
(باب ما جاء ويل للأعقاب من النار ـ حدثنا قتيبة قال حدثنا عبد العزيز بن محمد عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: ( ويل للأعقاب من النار ) قال وفي الباب عن عبد الله بن عمرو وعائشة وجابر وعبد الله بن الحرث هو بن جزء الزبيدي ومعيقيب وخالد بن الوليد وشرحبيل بن حسنة وعمرو بن العاص ويزيد بن أبي سفيان قال أبو عيسى حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: ( ويل للأعقاب وبطون الأقدام من النار ) قال وفقه هذا الحديث أنه لا يجوز المسح على القدمين إذا لم يكن عليهما خفان أو جوربان).

الجواب:

الأخت م/فاطمة المحترمة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أختنا الفاضلة تعلمين جيداً بأنه لا اجتهاد في معرض النص ، وقد قال تعالى : (( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ )) (الحشر: 7), وقال عز من قائل: (( ومَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً )) (الأحزاب:36).
فيجب على المؤمن أن يفعل ما يؤمر به ويترك عنه وساوس شياطين الأنس والجن, ولنرى الأدلة العلمية في وجوب المسح لا الغسل لنعرف الأمر الإلهي الذي أمرنا به، ومن ثم ننفذه على أحسن صورة وأتم وجه مهما خالف الناس ذلك، لأننا نعلم جيداً كم من أمر قد غيرّ وكم من حكم قد بُدّل بعد رسول الله(ص). ونذكر هنا على سبيل المثال بعض الأدلة على التلاعب في أحكام الشريعة الغراء وما فعلوه بعد رسول الله(ص) وما غيرّوه وما بدّلوه فقط في الصلاة، ومن ثم نتكلم عن المسح والغسل:
1- روى البخاري في (1/138 من صحيحة) ومسلم (2/110): عن حفيد الصحابي سهل بن حنيف قال: سمعت أبا أمامة بن سهل يقول: صلينا مع عمر بن عبد العزيز الظهر ثم خرجنا حتى دخلنا على أنس بن مالك فوجدناه يصلي العصر فقلت يا عم ما هذه الصلاة التي صليت؟ قال العصر وهذه صلاة رسول الله(ص) التي كنا نصلي معه.
2- وروى البخاري (1/134): عن الزهري قال دخلت على أنس بن مالك بدمشق وهو يبكي فقلت له ما يبكيك؟ فقال: لا أعرف شيئاً مما أدركت إلا هذه الصلاة وهذه الصلاة قد ضيعت.
3- وروى البخاري أيضاً (1/134): عن غيلان عن أنس قال ما أعرف شيئاً مما كان على عهد النبي(ص) قيل: الصلاة!؟ قال: أليس ضيعتم ما ضيعتم فيها. وعند بعض رواة البخاري للصحيح: (أليس صنعتم ما صنعتم فيها؟!).
4- روى البخاري كذلك (1/159): عن أم الدرداء قالت: دخل عليَّ أبو الدرداء وهو مغضب فقلت ما أغضبك؟ فقال: والله ما أعرف من أمة محمد(ص) شيئاً إلا أنهم يصلون جميعاً .
فشهادة الصحابيين أنس وأبي الدرداء على ضياع الدين من بعد رسول الله(ص) أمر واضح.
5- وإذا استحضرنا قول رسول الله(ص) وإخباره بما سيفعلون من بعده مع هذه الأحاديث وهو قوله(ص): (لتنقضن عرى الإسلام عروة عروة كلما انتقضت عروة تشبت الناس بالتي تليها وأولهن نقضاً الحكم وآخرهن الصلاة) والذي رواه أحمد في مسنده (5/251) عن أبي أمامة الباهلي والحاكم في مستدركه (4/92) وصححة الهيثمي في (مجمع الزوائد 7/ 281) وقال: رواه أحمد والطبراني ورجالهما رجال الصحيح وصححه الألباني أيضاً في (صحيح الجامع الصغير ح 5075).
وبعد أن تبين لنا إضاعة الصلاة في زمن الصحابة فمن باب أولى يكونون قد ضيعوا أو نقضوا الحكم ونظام الحكم والإمامة وخلافة رسول الله(ص) وتغيير ونقض كل أحكام الدين وعراه وأصوله لأن الصلاة آخرها نقضاً بنص الحديث وقد حصل لها ذلك في زمن الصحابة كما يشهد لذلك قول أنس وأبي الدرداء وهذا الكلام في كل أمور الدين وكذلك الصلاة .
والآن سنتكلم عن الوضوء وخصوص مسألتنا وهي مسح الرجلين.
1- قال تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْن )) (المائدة:6).
أ- فقد ذكر الطبري في (جامع البيان 6/175) من فسر الآية بالمسح في قراءة (أرجلكم) بالجر. قال: وقرأ آخرون من قراء الحجاز والعراق: (وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم) بخفض الأرجل. وتأويل قارئي ذلك كذلك أن الله إنما أمر عباده بمسح الأرجل في الوضوء دون غسلها، وجعلوا الأرجل عطفاً على الرأس فخفضوها لذلك.
ذكر من قال ذلك من أهل التأويل:
(وذكر بسنده إلى) عكرمة عن أبي عباس، قال: الوضوء غسلتان ومسحتان.
(وذكر بسنده أيضاً) إلى حميد قال: قال موسى بن أنس لأنس ونحن عنده: يا أبا حمزة إن الحجاج خطبنا بالأهواز ونحن معه فذكر الطهور فقال: أغسلوا وجوهكم وأيديكم وأمسحوا برؤوسكم وأرجلكم وإنه ليس شيء من ابن آدم أقرب إلى خبثه من قدمية فاغسلوا بطونهما وظهورهما وعراقيبهما فقال أنس: صدق الله وكذب الحجاج، قال الله: (( وَامسَحُوا بِرُؤُوسِكُم وَأَرجُلَكُم ))(المائدة: من الآية6) قال: وكان أنس إذا مسح قدميه بلهما.
(ثم روى بسنده أيضاً) عن عاصم الأحول عن أنس قال: نزل القرآن بالمسح والسنة الغسل.
(وروى بسنده أيضاً رواية الحجاج بلفظ آخر: عن حميد عن موسى بن أنس قال: خطب الحجاج فقال: اغسلوا وجوهكم وأيديكم وأرجلكم ظهورهما وبطونهما وعراقيبهما فإن ذلك أدنى إلى خبثكم قال أنس: صدق الله وكذب الحجاج قال الله: (( وَامسَحُوا بِرُؤُوسِكُم وَأَرجُلَكُم إِلَى الكَعبَينِ )) (المائدة:6).
وذكر بسنده أيضاً عن عكرمة قال: ليس على الرجلين غسل إنما نزل فيهما المسح.
وذكر أثراً عن الباقر(عليه السلام) بسنده ينص على المسح ويكفينا نقلهم المسح عن أئمة أهل البيت وهذا يؤكد رواياتنا عنهم (عليهم السلام).فقال: عن جابر عن أبي جعفر قال: إمسح على رأسك وقدميك.
وذكر بسنده عن الشعبي قال: نزل جبريل بالمسح قال: ثم قال الشعبي: ألا ترى أن التيمم أن يمسح ما كان غسلاً ويلغي ما كان مسحاً؟
وعن الشعبي قال: أمر بالتيمم فيما أمر به بالغسل .
وعن الشعبي أنه قال: إنما هو المسح على الرجلين ألا ترى أنه وما كان عليه الغسل جعل عليه المسح وما كان عليه المسح أُهمل.
وعن عامر (الشعبي) أنه قال: أمر أن يمسح في التيمم ما أمر أن يُغسل في الوضوء وأبطل ما أمر أن يمسح في الوضوء الرأس والرجلان.
وعن الشعبي قال: أمر أن يمسح بالصعيد في التيمم ما أمر أن يغسل بالماء، وأهمل ما أمر أن يمسح بالماء.
وعن إسماعيل قال: قلت لعامر: إن ناساً يقولون: إن جبريل(س) نزل بغسل الرجلين قال: نزل جبريل بالمسح.
وعن يونس قال حدثني من صحب عكرمة إلى واسط قال: فما رأيته غسل رجليه إنما يمسح عليهما حتى خرج منها.
وذكر بسنده عن قتادة قوله: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمتُم إِلَى الصَّلاةِ فَاغسِلُوا وُجُوهَكُم وَأَيدِيَكُم إِلَى المَرَافِقِ وَامسَحُوا بِرُؤُوسِكُم وَأَرجُلَكُم إِلَى الكَعبَينِ )), افترض الله غسلتين ومسحتين .
وذكر بسنده عن علقمة أنه قرأ: وأرجلكم مخفوضة اللام. وعن الأعمش مثله. وعن مجاهد أيضاً.
وعن إسماعيل بن أبي خالد قال: كان الشعبي يقرأ (وأرجلِكم) بالخفض, وعن أبي جعفر (الباقر (ع)) : أنه قرأ (وأرجلِكم) بالخفض. وعن الضحاك أنه قرأ: وأرجلكم بالكسر.
ثم قال الطبري (6/177): أحدهما مسح ببعض والآخر مسح بالجميع اختلفت قراءة القراء في قوله:(وأرجلكم) فنصبها بعضهم توجيهاً منه ذلك إلى أن الفرض فيهما الغسل وإنكاراً منه المسح عليهما مع تظاهر الأخبار عن رسول الله(ص) بعموم مسحهما بالماء، وخفضهما بعضهم توجيهاً منه ذلك إلى أن الفرض فيهما المسح…إلى أن قال: وكانت القراءتان كلتاهما حسناً صواباً فأعجب القراءتين إليَّ أن أقرأها قراءة من قرأ ذلك خفضاً لما وصفت من جمع المسح المعنيين اللذين وصفت,ولأنه بعد قوله: (( وَامسَحُوا بِرُؤُوسِكُم )) (المائدة: من الآية6) فالعطف به على الرؤوس مع قربه منه أولى من العطف به على الأيدي وقد حيل بينه وبينهما بقوله: (( وَامسَحُوا بِرُؤُوسِكُم )) (المائدة:6).
وقال النحاس في (معاني القرآن 2/273): وروي عن الشعبي أنه قال: (نزل جبريل بالمسح والغسل سنة).
وقال الجصاص في (أحكام القرآن 2/ 433): قال الله تعالى (( وَأَرجُلَكُم إِلَى الكَعبَينِ )) (المائدة:6)) قال أبو بكر: قرأ إبن عباس والحسن وعكرمة وحمزة وابن كثير: ((وأرجلكم)) بالخفض وتأولوها على المسح.
ثم قال الجصاص: وقال قوم: يجوز مسح البعض. ثم قال: وهاتان القراءتان قد نزل بهما القرآن جميعاً ونقلتهما الأمة تلقياً من رسول الله(ص) ,ولا يختلف أهل اللغة أن كل واحدة من القراءتين محتملة للمسح بعطفها على الرأس, ويحتمل أن يراد بها الغسل بعطفها على المغسول من الأعضاء وذلك لأن قوله: (وأرجلكم) بالنصب يجوز أن يكون مراده: (فأغسلوا أرجلكم) ويحتمل أن يكون معطوفاً على الرأس فيراد بها المسح وإن كانت منصوبة فيكون معطوفاً على المعنى لا على اللفظ لأن الممسوح به مفعول به كقول الشاعر:

معاوي إننا بشر فاسجح ***** فلسنا بالجبال ولا الحديدا
فنصب الحديد وهو معطوف على الجبال بالمعنى.
ويحتمل قراءة الخفض أن تكون معطوفة على الرأس فيراد به المسح، ويحتمل عطفه على الغسل ويكون مخفوظاً بالمجاورة كقوله تعالى: (( يَطُوفُ عَلَيهِم وِلدَانٌ مُخَلَّدُونَ )) (الواقعة:17), ثم قال (( وَحُورٌ عِينٌ )) (الواقعة:22) ,فخفضهن بالمجاورة وهن معطوفات في المعنى على الولدان لأنهن يطفن ولا يطاف بهن.
فثبت بما وصفنا احتمال كل واحد من القراءتين للمسح والغسل.
وقال القرطبي في تفسيره (6/91): قال ابن العربي: إتفقت العلماء على وجوب غسلهما وما علمت من رد ذلك سوى الطبري من فقهاء المسلمين والرافضة من غيرهم وتعلق الطبري برواية الخفض. قلت (القرطبي): قد روي عن ابن عباس أنه قال: الوضوء غسلتان ومسحتان, وروي أن الحجاج خطب بالأهواز.. فذكر الحديث فقال اغسلوا وجوهكم وأيديكم وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم فإنه ليس شيء من ابن آدم أقرب من خبثه من قدميه فاغسلوا بطونهما وظهورهما وعراقيبها فسمع أنس بن مالك فقال: صدق الله وكذب الحجاج، قال الله تعالى: (( وَامسَحُوا بِرُؤُوسِكُم وَأَرجُلَكُم )) (المائدة:6), قال: وكان إذا مسح رجليه بلـّهما وروي عن أنس أيضاً أنه قال: نزل القرآن بالمسح والسنة بالغسل, وكان عكرمة يمسح رجليه وقال: ليس في الرجلين غسل إنما نزل فيهما المسح.
وقال عامر الشعبي: نزل جبريل بالمسح ألا ترى أن التيمم يمسح فيه ما كان غسلاً ويلغي ما كان مسحاً.
وقال قتادة: افترض الله غسلتين ومسحتين .
وذهب ابن جرير الطبري إلى أن فرضهما التخيير بين الغسل والمسح وجعل القراءتين كالروايتين.
وقال ابن كثير في تفسيره (2/27): وأما القراءة الأخرى وهي قراءة من قرأ (وأرجلِكم) بالخفض فقد احتج بها الشيعة في قولهم بوجوب مسح الرجلين لأنها عندهم معطوفة على مسح الرأس وقد روي عن طائفة من السلف ما يوهم القول بالمسح…. فنقل رواية رد أنس على الحجاج وحرف فيها حيث حذف قول أنس: (صدق الله) وذكر فقط (وكذب الحجاج…) ثم قال: إسناد صحيح إليه.
ثم نقل عن أنس أيضاً قوله: نزل القرآن بالمسح والسنة بالغسل وقال : وهذا.. أيضاً إسناد صحيح.
وعن ابن عباس قال: الوضوء غسلتان ومسحتان, وكذا روي عن قتادة ذلك وقال ابن أبي حاتم (بسنده) عن ابن عباس (( وَامسَحُوا بِرُؤُوسِكُم وَأَرجُلَكُم )) (المائدة:6) قال: هو المسح ثم قال: وروي عن ابن عمر وعلقمة وأبي جعفر ـ محمد بن علي ـ (الباقر) والحسن في إحدى الروايات وجابر بن زيد ومجاهد في إحدى الروايات نحوه. وقال ابن جرير (بسنده) حدثنا أيوب قال: رأيت عكرمة يمسح على رجليه قال: وكان يقوله. وقال ابن جرير (بسنده) عن الشعبي قال: نزل جبريل بالمسح, ثم قال الشعبي: ألا ترى أن التيمم أن يمسح ما كان غسلاً ويلغي ما كان مسحاً.
عن إسماعيل قال: قلت لعامر (الشعبي): إن ناساً يقولون نزل جبريل بغسل الرجلين فقال: نزل جبريل بالمسح. ثم ردها ابن كثير ببساطة وشطبها بجرّة قلم بقوله: فهذه آثار غريبة.
فانظروا إلى موازين وقواعد قبول الروايات ومن ثم الحكم الشرعي, فشهرة مسح الصحابة والتابعين كبيرة والرد كان ببساطة شديدة! بأنها آثار غريبة!! مع اعتضاد هذه الأقوال بظاهر القرآن الكريم وبعض ما روي عن النبي (ص) وأمير المؤمنين (ع) وإليك بعضها:
فقد قال ابن قدامة الحنبلي في (المغني 1/121): مسألة: قال (وغسل الرجلين…) غسل الرجلين واجب في قول أكثر أهل العلم، وقال عبد الرحمن بن أبي ليلى: أجمع أصحاب رسول الله(ص) على غسل القدمين، وروي عن علي أنه مسح على نعليه وقدميه ثم دخل المسجد فخلع نعليه ثم صلى, وحكي عن ابن عباس أنه قال: ما اجد في كتاب الله إلا غسلتين ومسحتين وروي عن أنس بن مالك أنه ذكر له قول الحجاج: اغسلوا القدمين ظاهرهما وباطنهما وخللوا ما بين الأصابع فأنه ليس شيء من ابن آدم أقرب إلى الخبث من قدميه فقال أنس: صدق الله وكذب الحجاج, وتلا هذه الآية: (( وَامسَحُوا بِرُؤُوسِكُم وَأَرجُلَكُم إِلَى الكَعبَينِ )) , وحكي عن الشعبي أنه قال: الوضوء مغسولان وممسوحان فالممسوحان يسقطان في التيمم.
ولم يُعلم من فقهاء المسلمين من يقول بالمسح على الرجلين من غير ما ذكرنا إلا ما حكي عن ابن جرير أنه قال: هو مخير بين المسح والغسل واحتج بظاهر الآية, وبما روى ابن عباس قال: توضأ النبي(ص) وأدخل يده في الإناء فمضمض واستنشق… (إلى أن قال) ثم أخذ ملء كف من ماء فرش على قدميه وهو منتعل رواه سعيد, وقال أيضاً حدثنا… أخبرني أوس بن أبي أوس الثقفي أنه رأى النبي (ص) أتى كظامة قوم بالطائف فتوضأ ومسح على قدميه,قال هشيم كان هذا في أول الإسلام.
فانظري يا أختاه وأنظر أيها المنصف! كيف أن الآية الكريمة تدل على المسح على قرائتي النصب والجر, وكيف توجد أحاديث عن رسول الله(ص) تدل على المسح وكذلك عن أمير المؤمنين(ع) وابن عباس وابن عمر وأنس والكثير من التابعين وأئمة المسلمين من أئمة البلاد الإسلامية ومراجعها, وكيف أن الحجاج هو من أمر بالغسل وأدعى أنه أنظف!
ومع ذلك كله يتمسك من يتمسك بأحاديث آحاد تأمر بغسل الأعقاب والعراقيب وما بين الأصابع وإلا كان مصيره النار مع علم الجميع بأن الطهارة في الوضوء طهارة معنوية لا حسية ومثله بديله التيمم وأن الحجاج هو من أمر بذلك دون الصحابة وأهل العلم فهل يعقل بأن الوضوء كان خافياً على الصحابة إلى هذا الحد؟! ونقول: أيضاً لو سلمنا بوجود مثل هذا الأمر عن النبي(ص) فلا يخلو أن يكون أمراً للناس بإزالة النجاسة بغسل الرجلين قبل الوضوء إن كان قد قضى حاجة أو تبول,لأن العرب لم تتوفر لديهم بيوت الخلاء في ذلك الوقت فكانوا يتبولون أو يقضون حاجاتهم في العراء وقوفاً غالباً وعلى الأرض فيتساقط بعض رشاش البول على الأرجل في أكثر الأحيان وعند أكثرهم وهذا معروف فيهم ولذلك كان متعارفاً وصفهم أي الأعراب بأنهم (بوالون على الأعقاب) وقد ورد بأنهم كانوا يعيبون على رسول الله (ص) تحفظه عند قضاء الحاجة أو عند التبول بجلوسه دون القيام ويشبهوه بالنساء بأبي هو وأمي! فحينئذٍ يجب غسل الأرجل لتنجسها ولا يجوز الاكتفاء بالمسح عليها حينئذٍ فينبغي غسلها والاعتناء بها والتفتيش عن تلك النجاسة هنا وهناك ليس أكثر ولا مانع عندنا من ذلك بل يجب عندنا ذلك أيضاً ولكنه لا علاقة له بالوضوء والمسح باق على كل حال وإنما الأمر للإرشاد على الحرص ومخافة الله وخوف عذابه من التهاون أو الاستهانة بتطهير أعضاء الوضوء وكذلك إسباغه بدقة وحرص.
ورواية البخاري ومسلم في إنكار النبي(ص) على الماسحين لأرجلهم بقوله(ص): (ويل للأعقاب من النار أسبغوا الوضوء) لو سلمنا بصحتها وصدورها فهي واضحة في إثبات المسح لا الغسل من عدة وجوه, نذكر منها:
1- من قول عبد الله بن عمر وفي نفس الرواية: (تخلف النبي(ص) في سفرة سافرناها فأدركنا(ص) وقد أرهقتنا الصلاة ونحن نتوضأ) وفي رواية: قال (رجعنا مع رسول الله(ص) من مكة إلى المدينة حتى إذا كنا بماء بالطريق تعجل قوم عند العصر فتوضأوا وهم عجال…). وهذا يدل على إستعجالهم وعدم اهتمامهم بالوضوء ولا علاقة للمسح والغسل بالحديث لحد الآن.
2- من قوله (وأعقابهم تلوح لم يمسها الماء) وفي رواية: (فجعلنا نمسح على أرجلنا). فالرواية تذكر المسح لا الغسل فمن أين أتوا بالغسل هنا؟!
ثم إن الصحابة كيف يمسحون على أرجلهم إن كان حكمها الغسل عندهم واضح حالها حال غسل الوجه واليدين؟! فكيف يمسحون أرجلهم؟ ومن أمرهم بالمسح؟! وهل هذه أول مرة يمسحون بها؟ وهل كلام النبي (ص) وتعليمه لهم وإنكاره عليهم كان لأجل المسح أم لأجل ترك الأعقاب في الوضوء؟!! وهل كانوا يعلمون بوجوب غسل القدمين ورغم ذلك مسحوا؟! ولماذا اكتفوا بمسح الأقدام دون مسح الوجه واليدين إن تركوا غسل الرجلين لإستعجالهم وتسرعهم؟!
3- وقال ابن عمرو: (فنادى بأعلى صوته: (ويل للأعقاب من النار) مرتين أو ثلاثاً) وفي رواية عند مسلم تتمة (ويل للأعقاب من النار أسبغوا الوضوء)ز فالنبي(ص) لم ينكر المسح وإنما كان إنكاره على الأعقاب التي لم يمسها الماء.
فيجب أن نفهم مراد النبي(ص) من كلامه هذا معهم حينما رآهم يتوضأون على عجل ويمسحون أرجلهم وأعقابهم تلوح لم يمسها الماء!
ولننظر أولاً إلى مفردات الحديث لنفهم أمر النبي(ص) بشكل صحيح:
أ- الأعقاب:
قال ابن العربي في (أحكام القرآن 4/102): المسألة الثانية قوله تعالى ((في عقبه)).بناء ع ق ب: يخلف الشيء ويأتي بعده. فإخلاف مكان من ظاهر القدم من مكان المسح أيضاً يصح أن يوصف بأنه عقب.
ب- أسبغوا الوضوء:والإسباغ هو الشمول والإكمال والتمام, وقد قال القسطلاني في (عمدة القاري 2/9): وقول عياض: وقد أمرهم بالغسل بقوله: (أسبغوا الوضوء) غير مسلم، لأن الأمر بالإسباغ أمر بتكميل الغسل والأمر بالغسل فهم من الوعيد لأنه لا يكون إلا في ترك واجب, فلما فهم ذلك من الوعيد أكده بقوله (أسبغوا الوضوء) ولهذا ترك العاطف فوقع هذا عاماً يشمل الرجلين وغيرهما من أعضاء الوضوء لأنه لم يقل: أسبغوا الرجلين بل قال: (أسبغوا الوضوء) والوضوء هو غسل الأعضاء الثلاثة ومسح الرأس ومطلوبية الإسباغ غير مختصة بالرجلين فكما أنه مطلوب فيهما فكذلك مطلوب في غيرهما… إهـ.
ومن هذا الكلام يتبين أن أسباغ الوضوء أمر بإتمام الوضوء وفعله بصورة صحيحة دون إخلال أو نقص فيكون إسباغ الوضوء (والويل للأعقاب من النار) يفهم فهماً واحداً لنسبة التلازم بين الأعقاب وهو عام في كل متروك ومخلول به من الأعضاء المأمور حصول الوضوء لها وملازمه العام أيضاً وهو إسباغ الوضوء الذي هو معنى ملازم لوجوب عدم الإخلال بالوضوء والذي عبر عنه رسول الله(ص) ذو الأخلاق الكريمة الرفيعة العالية بالدعاء بالويل على الأماكن المتبقية بلا وضوء بسبب إخلال المكلف بتمامية الوضوء للتهاون فيه وهي معصية كبيرة توجب الويل والعقاب.
فالأعقاب هي الاماكن المتبقية والمتخلفة بلا وضوء في مكان لا يتم الوضوء إلا باستيعابها بالماء, ولذلك عبر الراوي عن حالتهم التي انتقدها رسول الله(ص) بقوله: (وأعقابهم تلوح لم يمسها الماء) أي أن هناك أماكن معقبة مخلفة متروكة دون وضوء.
فالأرجل محدودة بنص القرآن الكريم, فلا يتم الوضوء بمسحها الإّ باستيعاب المسح من أطراف الأصابع إلى أعلى ظهر القدم. وهذا متفق عليه عندنا دون خلاف ونزاع.
فلعلّ النبي(ص) رأي الصحابة يقصرون في مسح أرجلهم وهم على عجل, فرآهم يقصرون في ذلك تقصيراً فاحشاً لا يمكن السكوت عليه, لأنه من الواجبات, فيصح القول بالمسح حتى مع وجود هذا الحديث.
ويشهد لصحة القول بالمسح : مارووه من الأحاديث عنه (ص) من قوله في الوضوء وما يكفيه من الماء للوضوء, فعن ابن عباس قال : قال رجل كم يكفيني للوضوء؟ قال : مد, قال: للغسل ؟ قال: صاع, فقال الرجل : لا يكفيني, قال : لا أم لك, قد كفى من هو خير منك. أخرجه الهيثمي في (مجمع الزوائد1/218), وقال : رواه أحمد والبزار والطبراني في الكبير ورجاله ثقات.
فلينظر المتصف وليحكم! هل يكفي للوضوء لا لمد وفي رواية ( كوز الحب ) يعني ( مقدار قدح ) مع غسل الرجلين؟!!
وحينئذٍ ينتهي التعارض ويسقط ويتبين الحق وخصوصاً لو علمنا بأن الآية الكريمة لا يصح حملها على الغسل في النصب وفي الجر لأن النصب يجب أن يحمل على العطف على محل (برؤوسكم) لأنه مفعول في الواقع ولا يمكن أن يعطف على أيديكم لوجود عامل جديد بعد أنتهاء تلك الجملة الأولى, فهي جملتان في الواقع لا يجوز أن يعطف على عامل في الجملة الأولى مع وجود عامل معطوف عليه في الجملة الثانية, وقد أكد ذلك بعض علماء السنة كالرازي حينما شرح آية الوضوء وفسرها ولكنه اكتفى بقوله (أولى) ثم أوجبه!
فقد قال الرازي في تفسيره (11/16): إن العاملين إذا اجتمعا على معمول واحد كان اعمال الأقرب أولى, فوجب أن يكون عامل النصب في قوله (وَأَرْجُلَكُمْ) هو قوله (وَامْسَحُوا) فثبت أن قراءة (وَأَرْجُلَكُمْ) بنصب اللام توجب المسح أيضاً… إهـ.
وقال أبو حيان الأندلسي ـ وهو من أئمة النحو والعربية ـ في تفسيره (البحر المحيط 3/452): وفيه الفصل بين المتعاطفين بجملة ليست باعتراض بل هي منشئة حكماً… وقال الاستاذ أبو الحسن بن عصفور وقد ذكر الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه: وأقبح ما يكون ذلك بالجمل، فدل قوله هذا على أنه ينزه كتاب الله عن هذا التخريج، وهذا تخريج من يرى أن فرض الرجلين هو الغسل.
وقال ابن حزم الظاهري المتعصب المتشدد المكفر للشيعة في (المحلى2/56): مسألة: وأما قولنا في الرجلين فان القرآن نزل بالمسح قال الله تعالى: (( وَامسَحُوا بِرُؤُوسِكُم وَأَرجُلَكُم إِلَى الكَعبَينِ )), وسواء قرئ بخفض اللام أو بفتحها هي على كل حال عطف على الرؤوس إما على اللفظ وإما على الموضع لا يجوز غير ذلك لأنه لا يجوز أن يحال بين المعطوف والمعطوف عليه بقضية مبتدأة وهكذا جاء عن ابن عباس: نزل القرآن بالمسح ـ يعني في الرجلين في الوضوء ـ .
وقد قال بالمسح على الرجلين جماعة من السلف منهم علي بن أبي طالب وابن عباس والحسن وعكرمة والشعبي وجماعة غيرهم وهو قول الطبري رويت في ذلك آثار منها:ـ (بسنده) عن رفاعه بن رافع أنه سمع رسول الله(ص) يقول: (لا يجوز صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله عز وجل ثم يغسل وجهه ويديه إلى المرفقين ويمسح رأسه ورجليه إلى الكعبين)
وعن إسحاق بن راهويه (بسنده) عن علي (كنت أرى باطن القدمين أحق بالمسح حتى رأيت رسول الله(ص) يمسح ظاهرهما)…. إ هـ . انتهى كلام ابن حزم.
وقال الآلوسي في تفسيره (6/75): واعترض أيضاً من وجوه،
الأول والثاني والثالث:ما ذكره الإمام (الرازي) من عد الجر بالجوار لحناً وأنه إنما يصار إليه عند أمن الألتباس ولا أمن فيما نحن فيه، وكونه إنما يكون بدون حرف عطف
والرابع: أن في العطف على المغسولات سواء كان المعطوف منصوب اللفظ أو مجروره لفصل بين المعطوف والمعطوف عليه بجملة أجنبية ليست اعتراضية وهو غير جائز عند النحاة على أن الكلام حينئذٍ من قبيل (ضربت زيداَ وأكرمت خالداً وبكراً) بجعل بكر عطفاً على زيد، أو إرادة أنه مضروب لا مكرم، وهو مستهجن جداً تنفر عنه الطباع ولا تقبله الأسماع فكيف يجنح إليه أو يحمل كلام الله تعالى عليه؟!
وأما قراءة الخفض فلا نزاع على وجوب دلالتها على المسح ولذلك حملها أكثرهم كالشافعي وغيره على المسح على الخف, وبعضهم قال بأن العطف في الجر على الجوار ولكن يرد على من قال بان الآية تدل على المسح على الخف بأن الآية الكريمة تسمى آية الوضوء وليس هناك آية أخرى تبين وتحكي الوضوء والمسح على الخف حالة نادرة تقتضي أن يكون الشخص متوضا قبل لبسه للخف عندهم فكيف يحكي القرآن الحالة النادرة والمتفرعة عن أصل غير واضح ولا مبين سابقاً!؟
وأما الحمل على العطف على الجوار ففيه: أنه أيضاً حالة شاذة لا يمكن استعمالها إلا بشروط والكثير من علماء السنة أنكرها ورفض وقوعها في القرآن ونذكر بعض ذلك:
قال الزركشي في البرهان (1/304): والثاني: تجنب الأعاريب المحمول على اللغات الشاذة، فإن القرآن نزل بالأفصح من لغة قريش، قال الزمخشري في كشافه القديم: القرآن لا يعمل فيه إلا على ما هو فاش دائر على ألسنة فصحاء العرب، دون الشاذ النادر الذي لا يعثر عليه إلا في موضع أو موضعين.
وبهذا يتبين غلط جماعة من الفقهاء والمعربين حين جعلوا من العطف على الجوار قوله تعالى (وأرجلكم) في قراءة الجر، وإنما ذلك ضرورة فلا يحمل عليه الفصيح، ولأنه إنما يصار إليه إذا أمن اللبس، والآية محتملة، ولأنه إنما يجئ مع عدم حرف العطف، وهو ها هنا موجود… (إلى أن قال) والعطف على الجواز خروج عن الأصل.
وقال الآلوسي في تفسيره (6/ 73 ـ 74ـ 75): وحجة القائلين بالمسح قراءة الجر فإنها تقتضي كون الأرجل معطوفة على الرؤوس فكما وجب المسح فيها وجب فيها والقول إنه جر بالجوار كما في قولهم جحر ضب قرب ….. باطل من وجوه: أولها: أن الكسر على الجوار معدود في اللحن الذي قد يتحمل لأجل الضرورة في الشعر وكلام الله تعالى يجب تنزيهه عنه، وثانيها: أن الكسر إنما يصار إليه حيث حصل الأمن من الألتباس كما فيما استشهدوا به، وفي الآية الأمن من الألتباس غير حاصل، وثالثها: أن (الجر بالجوار) إنما يكون بدون حرف العطف وأما مع حرف العطف فلم تتكلم به العرب.
وهذه الشروط الثلاثة لصحة استعمال الخفض على الجوار اشترطها وقال بها الزجاج والنحاس وابن الحاجب والرازي وغيرهم.
ونقول: إن أحد شروط صحة استعمال الخفض على الجوار هو وضوح المعنى والمراد وامن اللبس فلا أدري كيف يتم ذلك ويتوفر في آية الوضوء التي كثر الكلام فيها واشتد الخلاف عليها وكما قال عند وصفها الآلوسي في تفسيره (6/ 74): ولا يخفى أن بحث الغسل والمسح مما كثر فيه الخصام وطالما زلت فيه أقدام وما ذكره الإمام (الرازي) يدل على أنه راجل في هذا الميدان وضالع لا يطيق العروج إلى شاوي ضليع تحقيق تبتهج به الخواطر والأذهان…
ونكتفي بهذا المدار وللتفصيل أكثر يراجع (كتاب القول المبين عن وجوب مسح الرجلين للكراجكي) و(كتاب المسح على الرجلين في الوضوء للميلاني). ونسأل الله تعالى لك الثبات على الحق وصلى الله على محمد وآله الأطهار.
ودمتم في رعاية الله

المصدر : النجاح

الإستبصار (http://estebsar.ir)


تعليقات المستخدم

عدد التعليقات 0

ارسال تعليق



محتويات المادة المذكورة أعلاه