الإستبصار (موقع يهتم بشؤون المستبصرين ) ، قال أبو زيد عمر بن شبّه النميري البصري (المتوفّى سنة ۲۶۲ هـ ) في كتابه تأريخ المدينة المنوّرة : حدّثنا سويد بن سعيد ، والحسن بن عثمان ، قالا : حدّثنا الوليد بن محمد ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة : أن فاطمة عليها السلام بنت رسول الله صلى الله عليه وآله أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله صلى الله عليه وآله ممّا أفاء الله على رسول الله صلى الله عليه وآله ، وفاطمة عليها السلام حينئذٍ تطلب صدقة النبيّ صلى الله عليه وآله بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر .
فقال أبو بكر : إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله قال : لا نورث ، ما تركناه صدقة (۱) إنما يأكل آل محمد في هذا المال ، وإني لا أغير شيئاً من صدقة رسول الله صلى الله عليه وآله عن حالها التي كانت عليها في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله ولاَعملنّ فيها بما عمل رسول الله صلى الله عليه وآله ، فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة عليها السلام منها شيئاً .
فوجدت فاطمة عليها السلام على أبي بكر في ذلك ، فهجرته ، فلم تكلّمه حتى توفيت ، وعاشت بعد رسول الله صلى الله عليه وآله ستّة أشهر ، فلمّا توفيت دفنها زوجها علي عليه السلام ليلاً ، ولم يؤذن بها أبا بكر ، وصلّى عليها عليّ عليه السلام. (۲) وفي رواية ، إنّها عليها السلام قالت له : يا أبا بكر أترثك بناتك ، ولا ترث رسول الله صلى الله عليه وآله بناتُه ؟
فقال لها : هو ذاك .
وفي اُخرى ، إنّها عليها السلام قالت له : من يرثك إذا مُتَّ ؟
قال : ولدي وأهلي .
قالت : فما لك ترث رسول الله صلى الله عليه وآله دوننا ؟
قال : يا بنت رسول الله ! ما ورِثتُ أباكِ داراً ولا مالاً ولا ذهباً ولا فضة .
قالت : بلى ، سهم الله الذي جعله لنا ، وصافيتنا التي بفدك .
فقال أبو بكر : سمعت النبي صلى الله عليه وآله يقول : إنّما هي طُعمة أطعمنا الله ، فإذا متُ كانت بين المسلمين .
وفي رابعة ، إنّها قالت عليها السلام : إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله أعطاني فدك .
فقال لها : هل لك على هذا بيّنة ؟
فجاءت بعليّ عليه السلام فشهد لها ، ثمّ جاءت بأمّ أيمن فقالت : أليس تشهد أنّي من أهل الجنّة ؟
قال : بلى .
قالت : فأشهد أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله أعطاها فَدك .
فقال أبو بكر : فبرجل وامرأة تستحقينها أو تستحقين بها القضية. (۳) وفي رواية خامسة ـ كما عن أبي جعفر (الباقر) عليه السلام قال : قال عليّ عليه السلام لفاطمة عليها السلام : انطلقي فاطلبي ميراثك من أبيك رسول الله صلى الله عليه وآله ، فجاءت إلى أبي بكر، فقالت : أعطني ميراثي من أبي رسول الله صلى الله عليه وآله ؟
(قال) : قال : النبي صلى الله عليه وآله لا يورث .
فقالت : ألم يرث سليمان داود ؟
فغضب وقال : النبي صلى الله عليه وآله لا يورث .
فقالت عليها السلام : ألم يقل زكريا : ( فهب لي من لدنك ولياً يرثني ويرث من آل يعقوب ) (۴) .
فقال : النبي صلى الله عليه وآله لا يورث .
فقالت عليها السلام : ألم يقل : ( يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظّ الاَنثيين ) (۵) .
فقال : النبي لا يورث . (۶) وفي رواية سليم بن قيس عن ابن عياش في حديث له … قال : ثم إن فاطمة عليها السلام بلغها أن أبا بكر قبض فدكاً فخرجت في نساء بني هاشم حتى دخلت على أبي بكر ، فقالت : يا أبا بكر تريد أن تأخذ مني أرضاً جعلها لي رسول الله صلى الله عليه وآله وتصدق بها عليَّ من الوجيف الذي لم يُوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب ؟
أما كان قال رسول الله صلى الله عليه وآله : المرءُ يُحفظ في ولده ؟ وقد علمت أنه صلى الله عليه وآله لم يترك لولده شيئاً غيرها ؟ !
فلما سمع أبو بكر مقالتها والنسوة معها دعى بدواة ليكتب به لها ، فدخل عمر ، فقال : يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله لا تكتب لها حتى تقيم البينة بما تدعي ؟!
فقالت فاطمة عليها السلام : نعم ، أُقيم البينة .
قال : من ؟
قالت : علي وأم أيمن .
فقال عمر : ولا تقبل شهادة امرأة أعجمية لا تُفصح ، وأما علي فيجر النار إلى قرصه ؟!
فرجعت فاطمة عليها السلام وقد دخلها من الغيظ ما لا يوصف (۷) .
وفي رواية الثقفي قال : جاءت فاطمة عليها السلام إلى أبي بكر فقالت : إن أبي أعطاني فدك ، وعلي يشهد لي وأم أيمن .
قال : ما كنت لتقولين على أبيك إلاّ الحق، قد أعطيتكها، ودعى بصحيفة من أدم فكتب لها فيها .
فخرجت فلقيت عمر ، فقال : من أين جئت يا فاطمة ؟
قالت : جئت من عند أبي بكر ، أخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وآله أعطاني فدك وأن علياً وأم أيمن يشهدان لي بذلك فأعطانيها وكتب بها لي ، فأخذ عمر منها الكتاب ، ثمّ رجع إلى أبي بكر فقال : أعطيت فاطمة فدك وكتبت بها لها ؟
قال : نعم .
فقال : إن علياً يجر إلى نفسه وأم أيمن امرأة !! وبصق في الكتاب فمحاه وخرقه (۸) .
وفي رواية ابن طيفور (المتوفى سنة ۳۸۰ هـ ) قال : وحدّثني عبدالله بن أحمد العبدي عن الحسين بن علوان عن عطية العوفي انّه سمع أبا بكر يومئذٍ يقول لفاطمة عليها السلام : يا ابنة رسول الله لقد كان صلّى الله عليه وآله وسلّم بالمؤمنين رؤفاً رحيماً وعلى الكافرين عذاباً أليماً ، وإذا عزوناه كان أباك دون النساء ، وأخا ابن عمّك دون الرجال ، أثره على كل حميم ، وساعده على الاَمر العظيم ، لا يحبّكم إلاّ العظيم السعادة ، ولا يبغضكم إلاّ الردي الولادة ، وأنتم عترة الله الطيبون ، وخيرة الله المنتجبون على الاَخرة أدلتنا ، وباب الجنة لسالكنا .
وأمّا منعك ما سألت فلا ذلك لي ؟! وأمّا فدك وما جعل لك أبوك ، فإنّ منعتكِ فأنا ظالم !
وأمّا الميراث فقد تعلمين انّه صلّى الله عليه وآله قال : لا نورث ما أبقيناه صدقة ؟
قالت عليها السلام : إنّ الله يقول عن نبي من أنبيائه : ( يرثُني ويرثُ من آلِ يعقوب ) (۹) وقال : ( وورثَ سليمانُ داودَ ) (۱۰) فهذان نبيّان ؟ وقد علمت أنّ النبوّة لا تُورَّث ، وإنّما يورث ما دونها ؟!
فمالي أمنع ارث أبي ؟ أأنزل الله في الكتاب إلاّ فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله، فتدلّني عليه !
قفال : يا بنت رسول الله صلى الله عليه وآله أنت عينُ الحجّة ، ومنطق الرسالة ، لا يدَ لي بجوابك ولا أدفعك عن صوابك ! .. (۱۱)
وذكر ابن قتيبة خبر دخول الشيخين على فاطمة عليها السلام وذلك بعد تفاقم الاَمر، قال : فقال عمر لاَبي بكر : انطلق بنا إلى فاطمة عليها السلام فإنّا قد أغضبناها ، فانطلقا جميعاً ، فاستأذنا على فاطمة عليها السلام فلم تأذن لهما ، فأتيا عليّاً عليه السلام فكلّماه ، فأدخلهما عليها ، فلما قعدا عندها ، حوّلت وجهها إلى الحائط ! فسلّما عليها فلم ترد عليهما السلام.
فتكلّم أبو بكر فقال : يا حبيبة رسول الله ، والله إنَّ قرابة رسول الله أحبّ إليَّ من قرابتي ، وإنّكِ لاَحبّ إليَّ من عائشة ابنتي ، ولوددت يوم مات أبوك أني مت ، ولا أبقى بعده ، أفتراني أعرفك وأعرف فضلك وشرفك وأمنعك حقّك وميراثك من رسول الله صلى الله عليه وآله ، إلاّ أنّي سمعت أباكِ رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : لا نورث ، ما تركناه فهو صدقة .
فقالت : أرايتكما إن حدّثتكما حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وآله تعرفانه وتفعلان به؟
قالا : نعم .
فقالت : نشدتكما الله ألم تسمعا رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : رضا فاطمة من رضاي ، وسخط فاطمة من سخطي ، فمن أحب فاطمة ابنتي فقد أحبّني ، ومن أرض فاطمة فقد أرضاني ، ومن أسخط فاطمة فقد أسخطني .
قالا : نعم ، سمعناه من رسول الله صلى الله عليه وآله .
قالت : فإنّي أُشهد الله وملائكته أنّكما أسخطتماني ، وما أرضيتماني ، ولئن لقيت النبي صلى الله عليه وآله لاَشكونكما إليه .
فقال أبو بكر : أنا عائذ بالله تعالى من سخطه وسخطك يا فاطمة ، ثمّ انتحب أبو بكر يبكي ، حتى كادت نفسه أن تزهق ، وهي تقول : والله ، لاَدعون الله عليك في كلّ صلاة أصليها .
ثمّ خرج باكياً فاجتمع إليه الناس ، فقال لهم : يبيت كلّ رجل منكم معانقاً حليلته ، مسروراً بأهله ، وتركتموني وما أنا فيه ، لا حاجة لي في بيعتكم ، أقيلوني بيعتي…
قال : فلم يبايع علي كرّم الله وجهه حتى ماتت فاطمة عليها السلام ، ولم تمكث بعد أبيها إلاّ خمساً وسبعين ليلة. (۱۲)
———————————————————
(۱) راجع : زاد المسير لابن الجوزي : ج ۵ ص ۲۰۹ ، صحيح البخاري : ج ۵ ص ۱۱۴ ـ ۱۱۵ ، البداية والنهاية لابن كثير : ج ۵ ص ۲۸۵ و ۲۹۰ ، اللآلىء المصنوعة للسيوطي : ج ۲ ص ۴۴۲ ، الرياض النضرة للطبري : ج ۱ ص ۱۹۰ ـ ۱۹۲ ، فتح الباري لابن حجر : ج ۱۲ ص ۶ ـ ۷ عليه السلام .
(۲) وممّن ذكر هذا الخبر أيضاً : السمهودي في وفاء الوفاء : ج ۳ ص ۹۹۵ ، السقيفة وفدك ، لاَبي بكر الجوهري : ص ۱۰۵ (وقد روى الخبر عن أبي زيد عمر بن شبّه راوي الحديث) وعنه أيضاً شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج ۱۶ ص ۲۱۷ ، كشف الغمّة للاَربلي : ج۱ ص۴۷۷٫
(۳) تاريخ المدينة المنورة لابن شبّه : ج ۱ ص ۱۹۶ ـ ۲۰۰ ، وفاء الوفاء للسمهودي : ج ۳ ص ۹۹۹ ـ ۱۰۰۱ ، السقيفة وفدك لاَبي بكر الجوهري : ص ۱۰۵ و ۱۰۷ (وقد رواه أيضاً عن أبي زيد راوي الحديث) وعنه أيضاً شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج ۱۶ ص ۲۱۹ ، فتوح البلدان للبلاذري : ص ۴۴ ـ ۴۵ .
(۴) سورة مريم : الآية ۵ .
(۵) سورة النساء : الآية ۱۱ .
(۶) كشف الغمّة في معرفة الاَئمّة : ج ۱ ص ۴۷۸ .
(۷) بحار الاَنوار : ج ۲۸ ص ۳۰۲ ـ ۳۰۳ ح ۴۸ وج ۴۳ ص ۱۹۸ ح ۲۹ .
(۸) تلخيص الشافي للطوسي : ج ۳ ص ۱۲۴ ـ ۱۲۵ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج۱۶ ص ۲۷۴ .
(۹) سورة مريم : الآية ۵ .
(۱۰) سورة النمل : الآية ۱۶ .
(۱۱) بلاغات النساء لابن طيفور : ص ۱۸ ـ ۱۹ ، أعلام النساء لكحالة : ج ۴ ص ۱۱۸ ـ ۱۱۹ .
(۱۲) الاِمامة والسياسة لابن قتيبة : ج ۱ ص ۲۰ ، أعلام النساء لكحالة : ج ۴ ص ۱۲۳ ـ ۱۲۴، وقد ذكر نتفاً ومقاطع من هذه المناظرات التي جرت بين فاطمة الزهراء عليها السلام والخليفة كلٌ من : الذهبي في تاريخ الاِسلام : ج ۳ ص ۲۳ ـ ۲۴ ، والحموي في معجم البلدان : ج ۴ ص ۲۳۹ (عند ذكره فدكاً) وكحالة في أعلام النساء : ج ۴ ص ۱۲۴ ، وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : ج ۱۶ ص ۲۱۴ ـ ۲۲۰ وص ۲۳۰ و ۲۳۲٫
عدد التعليقات 0