الإستبصار (موقع يهتم بشؤون المستبصرين ) ،
مقدّمة
إنّ لثورة الإمام الحسين عليه السلام أهدافاً كثيرةً وعميقةً، جميعها حري بالبحث والتنقيب والتدقيق، ونحن نُريد أن نُسلّط الضوء على أحد أهم أهداف تلك الثورة المباركة، والذي كان شعاراً لها، وهو: الإصلاح، وهذا ما صرَّح به الإمام الحسين عليه السلام في وصيّته لأخيه محمد بن الحنفية: «إِنَّما خَرَجْتُ لِطَلَبِ الإصلاح في أُمَّةِ جَدّي»، وهو إصلاح لا يقتصر على جنبة معيّنة، بل هو شامل لجميع الانحرافات الفكرية والعقدية والسلوكية. ونحن لا نُريد الخوض في جميع أبعاد الإصلاح الحسيني، وإنّما هدفنا ـ من هذه المقالة ـ معرفة أصل الإصلاح ومدى ارتباطه بالعدالة المهدوية المنتظرة، وذلك من خلال الوقوف والتأمّل في وصيته عليه السلام قبل خروجه من المدينة متوجّهاً إلى مكّة.
نص الوصيّة
دعا الإمام الحسين عليه السلام ـ قُبيل خروجه من المدينة إلى مكة ـ بدواة وبياض، وكتب هذه الوصيّة لأخيه محمّد بن الحنفية:
«بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحيمِ، هذا ما أَوْصى بِهِ الحُسَيْنُ بْنُ عَليِّ بْنِ أَبي طالِب إِلى أَخيهِ مُحَمَّد المَعْرُوفِ بِابْنِ الحَنَفيَّةِ: أَنَّ الحُسَيْنَ يَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إلّا الله وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، جاءَ بِالحَقِّ مِنْ عِنْدِ الحَقِّ، وَأَنَّ الجَنَّةَ وَالنّارَ حَقٌّ، وَأَنَّ السّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فيها، وَأَنَّ الله يَبْعَثُ مَنْ فِي القُبُورِ، وَأَنّي لَمْ أَخْرُجْ أشِراً وَلا بَطِراً، وَلا مُفْسِداً وَلا ظالِماً، وَإِنَّما خَرَجْتُ لِطَلَبِ الإصلاح في أُمَّةِ جَدّي، أُريدُ أَنْ آمُرَ بِالمَعْرُوفِ وَأَنْهى عَنِ المُنْكَرِ، وَأَسيرَ بِسيرَةِ جَدّي وَأبي عَليِّ بْنِ أَبي طالِب عليهما السلام، فَمَنْ قَبِلَني بِقَبُولِ الحَقِّ فَالله أَوْلى بِالحَقِّ، وَمَنْ رَدَّ عَلَيَّ هذا أَصْبِرُ حَتّى يَقْضِيَ الله بَيْني وَبَيْنَ القَومِ بِالحَقِّ، وَهُوَ خَيْرُ الحاكِمينَ، وَهذِهِ وَصِيَّتي يا أَخي إِلَيْكَ، وَما تَوْفيقي إلّا بِالله عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنيبُ».
مصادر الوصيّة
إنّ أقدم الكتب التي نقلت هذه الوصية، هي عبارة عن:
1ـ كتاب الفتوح للعلّامة المؤرّخ أبي محمّد أحمد بن أعثم أكتم الكوفي الشافعي المتوفّى في حدود سنة 314ﻫ/926م[1]، وقد قيل فيه: إنّه شيعي، أو متأثر بمذهب أهل البيت عليهم السلام؛ ولذا عدَّه بعض أهل الحديث ضعيفاً! وقال صاحب مجالس المؤمنين: إنّه من ثقات المتقدّمين أرباب السير[2].
2ـ كتاب مقتل الحسين عليه السلام للحافظ أبي المؤيَّد الموفَّق محمد بن أحمد المكّي الخوارزمي المتوفّى سنة 568ﻫ[3].
وقد نقل عن الخوارزمي علماء الخاصّة والعامّة، وأكثروا من تخريج أحاديثه في كتبهم، فمن الخاصة: العلاّمة الحلي، والسيد ابن طاووس، وابن شهر آشوب، والإربلي، وغيرهم. ومن العامّة: السيوطي في البُلْغة، والگنجي الشافعي في كفاية الطالب، واليماني الصَّنعاني في الرَّوض الباسم، والزرَندي الحنفي في نَظْم دُرَر السمطين، وابن الصبّاغ المالكي في الفصول المهمّة، وابن حجر الهيتمي في الصواعق المحرقة، والسّمهودي في جواهر العِقدين، وغيرهم. ونُقِل له عن القِفْطي والصّفَدي مديحاً وإعجاباً به[4].
يُعدّ الخوارزميّ مؤرِّخاً وراوياً في الوقت نفسه، وقد امتاز بعدم تعصّبه ضدّ التشيّع[5].
نعم، ربّما عُدَّ من المتساهلين في أسانيده، إلّا أنّ التحقيق أثبت خلاف ذلك؛ لأنّه ـ ومِن أجل إكمال سَير الحوادث والوقائع ـ روى كثيراً من المراسيل، ولكن مع ذلك فهي مراسيل يعضدها الاعتبار نوعاً ما[6].
وهذا لا يعني جواز الأخذ بكلّ ما رواه الخوارزمي، بل لا بدّ من النظر في القرائن التي تساعد على صحّة ما روى.
3ـ كتاب مناقب آل أبي طالب للشيخ محمّد بن علي بن شهر آشوب المتوفّى 588ﻫ/1192م[7]، وهو غنيّ عن التعريف عند مدرسة أهل البيت عليهم السلام، ولا يُطعَن فيه أو يُخدش في فضله.
كذلك نقل العديد من أساطين العلماء هذه الوصية[8].
اعتبار الوصية
هناك مجموعة من الشواهد تدلّ على صحّة الوصية، منها:
1ـ قد نقلها علماء الفريقين على اختلاف توجّهاتهم الفكرية والفقهية.
2ـ موافقتها لعمومات المذهب الإمامي وأهداف كربلاء.
3ـ إنّ مَن ذكرها من أعلام الطائفة لم يناقش في سندها. إلى غير ذلك من الشواهد التي تُثبِت اعتبار هذه الوصية.
وعلى كلّ حال، فقد اكتفينا بهذا المقدار؛ لما فيه الكفاية للحصول على الاطمئنان بصدور هذه الوصية عن الإمام عليه السلام.
إشكال على صحّة صدور الوصية
ربما يقال: إنّ محمد بن الحنفية لم يخرج مع الإمام الحسين عليه السلام؛ وهذا يعني أنّه لم يكن معه على وفاق، وإذا كان كذلك فمن المستبعد جدّاً أن يوصي الإمام الحسين عليه السلام إليه.
جواب الإشكال
لكي يتّضح الجواب عن هذا الإشكال، وبيان ما دار بين محمّد بن الحنفية وبين الإمام الحسين عليه السلام حين كتابة هذه الوصية، لا بدّ من الوقوف قليلاً للتعرّف على سيرة محمّد بن الحنفية بشكل مختصر:
المشهور عند الإمامية أنّ محمّد بن الحنفية كان أحد رجال الدهر في العلم والزهد والعبادة والشجاعة وهو من أفضل وُلْد الإمام علي عليه السلام بعد الحسن والحسين عليهما السلام، وكان الولد المطيع لأمر والده وفي خدمته.
ولُقِّب بابن الحنفية، إمّا لأنّ أُمّه خولة الحنفية كانت من بني حنيفة، فغلبت عليه هذه النسبة، وإمّا تمييزاً له عن أخويه الحسن والحسين عليهما السلام، وإمّا لدفع شبهة فرقة الكَيْسانية[9]، فقد ادّعوا المهدوية والغيبة لابن الحنفية وأنّه هو المهديّ الموعود، سيّما وأنّ اسمه محمّد وكنيته أبو القاسم على ما سمّاه رسول الله صلى الله عليه وآله؛ ولذا كان تأكيدهم عليهم السلام ـ خصوصاً لدى الإمامين الباقر والصادق عليهما السلام الذي اقترن زمانهما بتلك الدعوى ـ على هذا اللقب من أجل دفع هذه الشبهة؛ لأنّ المهدي عليه السلام من ولد فاطمة عليها السلام، كما هو الثابت في الروايات المأثورة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام.
وبما يتعلّق بمكانته عند رسول الله صلى الله عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام، نكتفي بما رُوي في البحار: أنّ الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله قال لعلي عليه السلام: «سيُولَد لك وَلدٌ سمّه باسمي، وكنّه بكنيتي». فلمّا وُلِد لعلي ولده هذا من خولة الحنفية سمّاه باسم النبيّ صلى الله عليه وآله، وكنّاه بكنيته[10].
وقبل رحيل أمير المؤمنين عليه السلام، أوصاه وصيّة خاصّة بأخويه الحسن والحسين عليهما السلام، فقال له: «…أُوصيك بتوقير أخَوَيك؛ لعِظَم حقّهما عليك، فلا تُوثِقْ أمراً دونَهما». وفي المقابل أوصى عليه السلام ولديه الحسن والحسين عليهما السلام بأخيهما محمّد بن الحنفية، فقال لهما: «أُوصيكما به؛ فإنّه أخوكما وابن أبيكما، وقد كان أبوكما يُحبّه»[11].
وبقي ابن الحنفية على ارتباطٍ ولائي واعتقادي بإمامه أبي عبد الله الحسين عليه السلام حتى استشهاده. وكان معتقداً ـ أيضاً ـ بإمامة ابن أخيه الإمام علي بن الحسين عليه السلام[12]، فقد رُوي عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام قوله: «ما مات محمّد بن الحنفية حتى آمَنَ بعلي بن الحسين عليهما السلام»[13].
سبب عدم خروج ابن الحنفية مع الحسين عليه السلام
وأمّا سبب عدم خروج ابن الحنفية مع الإمام الحسين عليه السلام فقد ذُكرت فيه عدّة وجوه:
الأوّل: إنّ الحسين عليه السلام أمره بالبقاء في المدينة؛ لأجل ائتمانه على مصالحه عليه السلام ومصالح مَن بقي من بني هاشم، حتى لا يتجرّأ عامل المدينة ـ الوليد بن عتبة ـ على أذاهم، حياءً منه أو خوفاً من خروجه عليه. قال الحسين عليه السلام: «وأمّا أنت يا أخي فلا عليك بأن تُقيم بالمدينة فتكون لي عيناً، لا تُخفي عنّي شيئاً من أُمورهم»[14].
الثاني: أنّه أصابته عين، فخرج بيده خرّاج وعطّل يده عن المقارعة بالسيوف، فكان هذا عُذره في ترك المسير مع أخيه الحسين، وترك تكليفه في الخروج معه إلى العراق، فقد رُوي قوله لأخيه الحسين عليه السلام: «إنّي ـ والله ـ لَيَحزُنُني فراقُك، وما أقعَدَني عن المسير معك إلّا لأجل ما أجِده من المرض الشديد… فو الله ـ يا أخي ـ ما أقدر أن أقبضَ على قائم سيف، ولا كعب رمح، فوالله، لا فَرِحتُ بعدك أبداً!»، ثمّ بكى بكاءً شديداً حتّى غُشيَ عليه، فلمّا أفاق من غشيته، قال: «يا أخي، أستَودِعُك الله مِن شهيدٍ مظلوم»[15].
الثالث: أَمَرَه الإمام الحسين عليه السلام بالبقاء من أجل التغطية الإعلامية لإبراز أهداف الثورة، أو إبراز مظلوميته عليه السلام لأهل المدينة. فإنّ كتابة الوصية لمحمّد بن الحنفية تؤكّد ذلك[16].
إلى غير ذلك من الوجوه التي ذُكرت لبيان سبب عدم خروج ابن الحنفية مع الإمام الحسين عليه السلام.
والنتيجة: إنّ محمّد بن الحنفية كان له تكليفه الخاصّ في ثورة الإصلاح الحسيني، وقد كان مؤيَّداً من إمام زمانه حسب الشواهد التاريخية، مطيعاً له ومنفِّذاً لأوامره.
وبذلك يتبيَّن الجواب عن الإشكال المتقدّم وأنّه لا يصلح لتضعيف صدور الوصية.
المعنى الإجمالي للوصية
إنّ وصية الإمام الحسين عليه السلام لها أبعاد عديدة ومتنوعة:
البعد الأوّل: بيان العقيدة
وهو الإقرار بالعبودية لله والتوحيد الخالص، حيث بدأ وصيته: «إِنَّ الحُسَيْنَ يَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إلّا الله وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ»، وكأنّه عليه السلام ينعى نفسه في بادئ الأمر، ومن ثمَّ يعرِّف عقيدته للمسلمين؛ إذ إنّه عليه السلام لم يقل: أشهد، وإنّما قال: «الحُسَيْن يَشْهَدُ».
وبعد ذلك تطرّق إلى الاعتقاد الثاني، وهو الإيمان بالنبوّة وبما جاء به محمّد صلى الله عليه وآله من عند الله تعالى. ثمّ بعد ذلك ذكر اعتقاده بيوم المعاد.
البعد الثاني: بيان أهداف النهضة
بعدما عرَّف الإمام عقيدته بادر إلى بيان هدفه من هذه النهضة المباركة، وقد ابتدأ بنفي شهوة البطر والأشر أي: الفرح والسرور وجحود النعم وعدم شكرها، ثمّ نفى الظلم والمفسدة وهي شهوة الغضب، حتى لا يُفهم أنّ نهضته من أجل الحصول على الراحة الدنيوية، أو من أجل الطغيان والظلم وإثبات الوجود، وكلا الأمرين لا يطلبه مَن يؤمن بالله واليوم الآخر.
وبعد أن نفى جميع هذه الأُمور عرَّج لبيان هدفه، وهو: الإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا لا يتمّ إلّا من خلال ملازمة ومتابعة سيرة النبي صلى الله عليه وآله، والتي سار عليها أمير المؤمنين في إمارته وخلافته باعتباره امتداداً لذلك الوجود المبارك.
البعد الثالث: بيان أنّه عليه السلام واجب الطاعة
تحدّث الإمام عن أمر صعب ومهمّ جدّاً وهو الطاعة له، قال: «فَمَنْ قَبِلَني بِقَبُولِ الحَقِّ فَالله أَوْلى بِالحَقِّ»، فأراد أن يُبيِّن أنّ وجوب طاعته نابع من الحقّ، فعلى مَن صدَّق وآمن بالنبي صلى الله عليه وآله قبول ذلك.
البعد الرابع: بيان صبره وتوكّله عليه السلام
إنّ الإمام الحسين عليه السلام يعلم أنّ القوم ـ كباقي الملل السابقة ـ لا تقبل الحقّ، وبالتالي يصعب عليها قبول الطاعة له، فبيَّن بقوله: «وَمَنْ رَدَّ عَلَيَّ هذا أَصْبِرُ، حَتّى يَقْضِيَ الله بَيْني وَبَيْنَ القَومِ بِالحَقِّ، وَهُوَ خَيْرُ الحاكِمينَ». إنّ هذا الأمر يحتاج إلى صبر وبذل تضحيات كبيرة من أجل إيصال هذه الفكرة، وهذا لا يتم إلّا بالتوكّل على الله سبحانه وتعالى.
معنى الإصلاح والعدالة
معنى الإصلاح
إنّ من أهمّ الأُمور التي بيَّنتها الوصية المتقدّمة والذي هو شعار النهضة الحسينية هو الإصلاح، وهو لغة: ضدّ الإفساد، وهو من الصلاح المقابل للفساد، وكذلك هو في قبال السيئة.
جاء في القرآن الكريم: ﴿ عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا﴾[17]، ﴿وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا﴾[18]، فكلمتي الإصلاح، والإفساد من الكلمات المتقابلة التي وردت متكررة في القرآن، فهما من المصطلحات الإسلامية والاجتماعية التي يمكن معرفة إحداهما بالثانية، من قبيل: التوحيد والشرك، الإيمان والكفر، الهداية والضلال، العدل والظلم، الخير والشرّ، الطاعة والمعصية، الشكر والكفران، الاتحاد والاختلاف، الغيب والشهادة، العلم والجهل، التقوى والفسوق، الاستكبار والاستضعاف، وأمثالها.
فالإصلاح هو: التغيَّر إلى استقامة الحال على ما تدعو إليه الحكمة. فالحركات الإصلاحية هي الدعوات التي تُحرّك قطّاعات من البشر لإصلاح ما فسد في الميادين الاجتماعية المختلفة، انتقالاً بالحياة إلى درجة أرقى في سُلّم التطوّر الإنساني[19].
وأمّا اصطلاحاً: فلا يفرَّق بينه وبين مصطلح الثورة على مستوى التغيير وشموله، وإنّما الاختلاف من حيث الأُسلوب في التغيير وزمن التغيير، فالثورة تسلك سُبل العنف غالباً والسرعة في التغيير، بينما تتم التغييرات الإصلاحية بالتدريج، وكثيراً ما تكون للثورة الأولوية لتغيير الواقع، بينما تبدأ مناهج الإصلاح عادة بتغيير الإنسان، وإعادة صياغة نفسه وفق الدعوة الإصلاحية، وبعد ذلك ينهض هذا الإنسان بتغيير الواقع وإقامة النموذج الإصلاحي الجديد[20].
معنى العدالة
العدالة لغة: هي الاستقامة، أو الإنصاف والمساواة، وهي خلاف الجور والظلم[21].
وأمّا في الاصطلاح فلها أكثر من استعمال:
العدالة عند أرباب الحكمة وأهل العرفان: هي عبارة عن تعديل قوى النفس، وتقويم أفعالها بحيث لا يغلب بعضها على بعض[22].
العدل في أُصول الدين: هي الاعتقاد بأنّ الله تعالى عادل لا يفعل القبيح مثل الظلم، ولا يترك الحسن مثل اللطف[23].
العدالة في الشرع: مَلَكة راسخة باعثة على ملازمة التقوى، من فعل الواجبات، وترك المحرَّمات[24]. وهناك تعاريف أُخرى للعدالة في الشرع مذكورة في محلّها.
العدل في القرآن الكريم: استُعمِل العدل في القرآن بمعانٍ عديدة منها: الاستقامة[25]، الإنصاف[26]، الفدية[27]، الوسطية[28]، الاستواء[29]، إعطاء كلّ ذي حقّ حقّه[30]، إلى غير ذلك من المعاني.
ويمكن جمعها في معنى واحد، وهو إظهار كلمة الله في الأرض في جميع الميادين السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، والجزائية. قَالَ تعالى: ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا﴾[31]، وقال سبحانه: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾[32]، والقسط هو العدل.
الارتباط بين الإصلاح والعدالة
تبيَّن من خلال عرض معاني الإصلاح والعدالة أنّ هناك ارتباطاً وثيقاً بين المصطلحين، وأنّ العدالة لا يمكن أن تتحقّق إلّا من خلال الإصلاح بأنواعه كافّة، فإنّ إظهار الحقّ وإعلاء كلمة الله في جميع الميادين ـ سواء السياسية، أو الاجتماعية، أو الفكرية ـ لا يتحقّق إلّا إذا تحقّق الإصلاح في تلك الميادين، فهناك شبه عِلّية ومعلولية بين الإصلاح والعدالة.
الفهم المتعارف للإصلاح عبر الزمان
إنّ الإصلاح الذي قام به الأنبياء عليهم السلام منذ خلق البشر، لا يختلف مضمونه وحقيقته عبر الزمان؛ لأنّ المنشأ واحد والأهداف والغايات واحدة، فهم عليهم السلام جميعاً مرسَلون من الله سبحانه، ولكن الاختلاف في الوسائل التي ترسم وتبرز الإصلاح عبر الزمان، وذلك حسب ما تقتضيه الظروف التي يعيشها ذاك أو هذا المعصوم؛ من هنا فإنّ الأشكال التي يظهر فيها الإصلاح يمكن أن تتفاوت وتخضع لظروف معيَّنة في كل مجتمع عاشه النبي المعصوم، أو الإمام المعصوم.
فتارةً: يقوم النبي بإظهار الإصلاح المتمثل في عدم سفك الدماء من خلال محاربة الفساد، فإنّ سفك الدم يُعدُّ جريمةً كبرى منعتها السماء، ولعلّها أوّل جريمة قام بها البشر عندما قتل قابيل أخاه هابيل. وهنا يأتي دور التعاليم السماوية لتبرز فكرة الإصلاح من خلال منع سفك الدم، ومنع القتال والتقاتل، جاء في القرآن الكريم: ﴿لئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّـهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ﴾[33]، ﴿فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾[34]، ﴿مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚ وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَٰلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ﴾[35].
نعم، إنّ مبدأ الإصلاح من خلال منع القتل والتقاتل، وإن كان مبدأً نبيلاً ولكن ربما يُستغَل من قبل الظالمين أيضاً؛ لتمرير غاياتهم، كما في قصّة موسى عليه السلام ﴿فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَن يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَّهُمَا قَالَ يَا مُوسَىٰ أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ ۖ إِن تُرِيدُ إِلَّا أَن تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ ﴾[36].
وأُخرى: يكون الإصلاح من خلال المحاججة وبيان الأدلّة والبراهين، كما في قصّة قوم سبأ؛ إذ إنّهم كانوا يعتقدون بإله آخر متصوّرين أنّه هو الذي يستحق العبادة، باعتقادهم أنّ الشمس وما لها من فائدة يجب أن تُعبَد، من دون الالتفات إلى مَن هو المعطي الحقيقي؟ ولأجل ماذا يعطي؟ وكيف يُعطي؟ فقد جاء في الذكر الحكيم على لسان الهدهد: ﴿نِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيم * وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّـهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ﴾[37]، فقام النبي سليمان عليه السلام بمحاججتهم وإقامة البراهين والأدلّة، وترك القتال، وكذلك كان جواب ملكة سبأ، حيث إنّها أرسلت الهدية وعلَّلت ذلك بطريقةٍ، فقد جاء في الذكر الحكيم: ﴿قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَٰلِكَ يَفْعَلُونَ * وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ ﴾[38].
وثالثة: يكون الإصلاح من خلال بيان الأمراض السلوكية التي تلمُّ بالمجتمع، والتي تؤدّي إلى الفساد والهلاك والهاوية، كما جاء في قصّة نبي الله شعيب عليه السلام، حيث قال: ﴿وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ﴾[39]، فكان الجواب من قومه هو: ﴿قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ * قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّـهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾[40].
ورابعة: يكون الإصلاح من خلال الحرب والقتال، وقطع دابر المشركين والمفسدين في الأرض، كما في الحروب التي قادها أنبياء الله وأولياؤه، قال تعالى: ﴿اتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّـهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ﴾[41].
وهكذا فقد ذكر لنا التاريخ دور الأنبياء في إصلاح الفساد في الأرض، فكرياً وعملياً، وفي جميع الميادين الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وغيرها، من أجل استمرار النظام الكوني الإلهي، وحفظ الوجود الإنساني.
الإصلاح الحسيني
تبيّن فيما سبق أنّ الأنبياء السابقين لكلّ منهم دوره الخاصّ في الإصلاح حسب الظروف المحيطة به، ولكن نجد أنّ الإصلاح الذي قدَّمه الإمام الحسين عليه السلام للأُمّة وللبشرية، حاز على نسبة أكبر من الاهتمام والتركيز في الفكر الديني، بل والفكر الإنساني؛ من هنا يأتي هذا السؤال: لماذا كلّ هذا الاهتمام والتركيز على ثورة الإمام الحسين عليه السلام دون غيرها من الحركات الإصلاحية؟
وللجواب عن هذا السؤال لا بدّ من عرض مميزات النهضة الحسينية الإصلاحية.
مميزات النهضة الحسينية
إنّ نهضة الإمام الحسين عليه السلام حازت على ميزات ومقوّمات جعلتها تمتاز عن جميع الحركات الإصلاحية الدينية، وذلك للظروف الشائكة التي كانت تلمُّ بالمجتمع الإسلامي والإنساني آنذاك؛ ممّا جعل الإصلاح في تلك النهضة المباركة يعزّز دور جميع الأنبياء السابقين والأئمّة اللاحقين، ويمثِّله ويحفظه، وهذا يتضح جلياً عند معرفة الظروف التي كانت سائدة، والطرق التي استخدمها العدو، فبنو أُميّة وقوى الشرِّ استغلوا جميع الأساليب التي استخدمها الأنبياء في إصلاح المجتمع لخدمة مصالحهم الدنيئة وغاياتهم الشيطانية، ممّا جعل الأُمور تلتبس على عموم الناس مكوِّنة الحيرة في نفوسهم، وعدم الوضوح، واختلاط الحقّ بالباطل؛ وبالتالي ضياع الصراط المستقيم، وبذلك يتحقق الهدف الشيطاني ﴿لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ﴾[42].
ومن الأساليب التي استخدمتها قوى الشرّ لتضليل الرأي العام:
1ـ تأكيدهم على عدم جواز القتل وسفك الدماء، وأنّه أمرٌ قبيح. وهذا في نفسه أمرٌ جيّد وأكَّدت عليه الشريعة المقدّسة، إلّا أنّهم استخدموه في عدم جواز الخروج على الحاكم، وإن كان ظالماً وجائراً.
2ـ تأكيدهم على الوحدة وعدم التفرقة، فعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: «مَن رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر، فإنّه مَن فارق الجماعة شبراً فمات فميتته جاهلية»[43]!! فهذا التأكيد ـ أيضاً ـ بصالح الحاكم الجائر.
3ـ تأكيدهم على وجوب إطاعة الحاكم، فقد رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وآله: «مَن يطع الأمير فقد أطاعني، ومَن يعصِ الأمير فقد عصاني»[44]. ورُوي عنه أيضاً، قوله صلى الله عليه وآله: «… يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي، ولا يستنّون بسنّتي، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس. قال: قلت: كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك؟ قال: تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك، فاسمع وأطع!!»[45]
وعليه؛ فقد رتَّبوا على ذلك أُموراً، منها: إعطاء المناصب والهدايا للقادة المطيعين، والوعيد والتهديد بالقتل إذا لم يلبّوا قول الحاكم.
4ـ الأخذ بظاهر حال الإنسان وحمل أفعاله على الصحّة حتى لو عمل ما عمل، فقد رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وآله: لا تكفِّروا أهل ملّتكم وإن عملوا الكبائر، وصلّوا خلف كلّ إمام، وصلّوا على كلّ ميّت، وجاهدوا مع كلّ أمير!![46].
وغيرها من الأفكار والشعارات التي استخدمها بنو أُميّة لتلميع صورتهم وتبرير أفعالهم المشينة، فاستُغلَّت هذه المبادئ الإلهية بشكل سيّء جدّاً، والتي كان يرفعها الأنبياء من أجل إعطاء وإبراز صورة جميلة لخلفاء الله في الأرض.
من هنا؛ كان خروج الإمام الحسين عليه السلام ـ بما يحمله من فكر عميق وصلابة موقف مع أُسرته العلوية ـ ليزيح الستار عن هذه المدَّعيات المزخرفة والخطيرة والحساسة جداً؛ لأنّ تلك المدَّعيات كان لها جنبتان، الأُولى: إلهية دينية حقّانية، والأُخرى: شيطانية نفسانية باطلة؛ ولأجل ذلك استلزم الإصلاح تضحيات جسيمة بما يتناسب وحجم الخراب والانحراف والتشويه الفكري والعقدي، ممّا جعل النصح القولي وما شابهه لا يفي بالغرض، بل كان لا بدّ من التصدّي بنهضة عارمة وبدم زكي طاهر يزيل كلّ تشويه وتحريف وتلويث ألمَّ بجسد الأُمّة الإسلامية، وبه يمكن الحفاظ على الشريعة المقدّسة إلى ظهور الحجّة المنتظر عجل الله تعالي فرجه الشريف.
فلو فرضنا أنّ الإمام الحسين عليه السلام لم يقم بهذه الثورة الإصلاحية، فمعناه أنّه لا يبقى من الدين باقية حتى رسمه، وهذا هو غاية الشيطان، ولكن الله يأبى إلّا أن يُتمّ نوره من خلال نوره في الأرض، وهو الحسين الشهيد عليه السلام ﴿وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ﴾[47]. وهذا مغزى ما يقال: إنّ الإسلام محمدي الحدوث، حسيني البقاء.
مقوِّمات الإصلاح في زمن الغيبة وحدوده
يخضع الإصلاح في كلّ زمان لمقوِّمات وحدود حسب ما تقتضيه شروط المجتمع، وهذا الأمر يكون بيد المعصوم في حالة وجوده؛ لأنّه العالم بالمصالح والمفاسد على وجهها الواقعي، وأمّا غير المعصوم فلا بدّ له من الاجتهاد في معرفة التكليف الشرعي، وذلك من خلال مراجعة وتحليل أحاديث المعصومين عليهم السلام وسيرتهم؛ لأنّ قولهم وفعلهم وتقريرهم حجّة على العباد.
فعليه؛ نحاول بيان المواضع التي يتمّ من خلالها الإصلاح لمِا يريده الله سبحانه وتعالى، والتي تختلف باختلاف الفساد كمّاً وكيفاً، ومن جملتها:
1ـ الإصلاح الفكري: ويمكن أن يكون في جميع الأزمنة والأمكنة، وخصوصاً عند ضعف عقائد المسلمين، لِما رُوي عن أمير المؤمنين عليه السلام: «إنّ العالم الكاتم علمه يُبعَث أنتن أهل القيامة ريحاً، تلعنه كلّ دابةٍ من دواب الأرض الصغار»[48].
2ـ التحرك نحو الإصلاح بمقاطعة الظالم والمنحرف، وخصوصاً مَن يستغل الدين في المصالح الدنيوية، ففي الحديث النبوي: «الفقهاء أُمناء الرسل، ما لم يدخلوا في الدنيا. قيل: يا رسول الله: وما دخولهم في الدنيا؟ قال: اتّباع السلطان، فإذا فعلوا ذلك فاحذروهم على دينكم»[49].
3ـ الإصلاح من خلال استغلال الفرص المناسبة لذلك، وعدم هدرها، كما في عهد الإمامين الصادقين عليهما السلام، حيث نُشِرَت في تلك المدة أحاديث الأئمّة الأطهار عليهم السلام في وقت الصراع بين الأُمويين والعباسيين، ففي الحديث النبوي: «الأُمور مرهونة بأوقاتها»[50].
4ـ الإصلاح العملي الثورة الإصلاحية: تجب فيما لو وجِدَت أرض خصبة للتحرك، قال الإمام الباقر عليه السلام: «إذا اجتمع للإمام عدّة أهل بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر، وجب عليه القيام والتغيير»[51].
5ـ الإصلاح من خلال الدفاع عن بيضة الإسلام، كما هو المصطلح عليه عند الفقهاء، فعن أبي الحسن الرضا عليه السلام، قال: «وإن خاف على بيضة الإسلام والمسلمين قاتل، فيكون قتاله لنفسه وليس للسلطان… لأنّ في دروس الإسلام دروس دين محمد صلى الله عليه وآله»[52].
6ـ الإصلاح من خلال التقيّة وكتمان السرّ، فبهما يأمن الأولياء، ويخيب الأعداء، فعن أبي عبد الله عليه السلام، قال: «اتّقوا على دينكم فاحجبوه بالتقية، فإنّه لا إيمان لمَن لا تقية له، إنّما أنتم في الناس كالنحل في الطير، لو أنّ الطير تعلم ما في أجواف النحل ما بقي منها شيء إلّا أكلته…»[53].
وجميع ذلك يكشف عن الصعوبة في تحديد التكليف، ما لم يتوفّر عنصرا التقوى ومخالفة الهوى، ويجب أن لا نتسرّع في الحكم على العلماء العاملين بأنّهم غير مصلحين، أو أنّهم متخاذلون ومقصرون تجاه الدين والمجتمع.
وكيفما كان، فإنّ المؤمن يجد نفسه محتاجاً إلى إمام زمانه؛ من أجل الاهتداء بنور الولاية الإلهية، والشوق إلى دولة الحقّ والعدالة والإصلاح، والتخلّص من حالة الشكّ والاضطراب، فعن الإمام الصادق عليه السلام، قال: «نَفَسُ المهموم لنا المغتم لظلمنا تسبيحٌ، وهمّه لأمرنا عبادة، وكتمانه لسرّنا جهاد في سبيل الله»[54]. قال محمد بن مسلم: «قال لي محمّد بن سعيد: اكتب هذا بالذهب، فما كتبت شيئاً أحسن منه»[55].
علاقة الإصلاح الحسيني بالعدالة المهدوية
إنّ العدالة ـ والتي هي أمل الشعوب في الماضي والحاضر ـ يجب أن نفهمها فهماً عميقاً؛ حتى يمكن لنا ادّعاؤها بشكل يتناسب مع ما نحن عليه.
فمن الواضح أنّ العدالة لا تأتي إلّا بعد الإصلاح الذاتي والاجتماعي، فبقدر ما يحصل من الإصلاح تظهر العدالة في الخارج، ولولا الإصلاح الذي قام به الإمام الحسين عليه السلام في المجتمع آنذاك، لتغيّر الكثير من معالم الدين، ولما كان هناك معنى واضح للعدالة المهدوية المطلوبة، فإنّ العدالة المنتظرة هي العدالة التي تأتي في إطار الدين المقدّس، وفي غير هذا الإطار فلا يصدق عليها عدالة أساساً، والذي حفظ لنا الدين بمعالمه الحاضرة هو الإصلاح والدم الحسيني؛ من هنا فإنّ العلاقة وثيقة جداً بين الإصلاح الحسيني والعدالة المهدوية المنتظرة.
وهنا معادلة لا بدّ من التعرّف عليها والإجابة عن إشكاليتها، وهي: أنّ العدالة المهدوية تظهر بعدما يكتمل العدد المطلوب، فقد جاء عن أبي بصير قوله: سأل رجلٌ من أهل الكوفة أبا عبد الله عليه السلام: كم يخرج مع القائم عليه السلام؟ فإنّهم يقولون: إنّه يخرج معه مثل عدّة أهل بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، قال: «وما يخرج إلّا في أولي قوّة، وما تكون أولوا القوّة أقل من عشرة آلاف»[56]. فاكتمال هذا العدد مع الأوصاف المذكورة لهم في الروايات، يحتاج إلى إصلاح كبير في المجتمع حتى يمكنه أن ينتج هكذا شخصيّات قيادية، هذا من جهة. ومن جهة أُخرى: إنّ العدالة المهدوية تظهر بعد أن تُملأ الأرض فساداً[57].
فكيف نجمع بين هذين القولين؟
والإجابة عن هذا السؤال تتضح من خلال بيان عدّة أُمور:
الأمر الأوّل: ذكرنا فيما سبق أنّ إصلاح الفكر والعقائد، يبدأ من إصلاح النفس، ومن ثمَّ إصلاح ما حولنا، ثمّ إصلاح المجتمع بالكامل، وهو أمرٌ وجداني واضح البيان، ومع ذلك هنالك روايات كثيرة ترشد إلى ذلك، منها:
ما رُوي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: «مَن نَصَبَ نفسه للناس إماماً فليبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره، وليكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بلسانه، ومعلِّم نفسه ومؤدِّبها أحقّ بالإجلال من معلِّم الناس ومؤدِّبهم»[58]. وعنه عليه السلام: «كيف يُصلِح غيره مَن لا يُصلِح نفسه»[59]. وكذلك قوله: «ومَن أصَلَحَ سريرته أصَلَحَ الله علانيّته، ومَن أصَلَحَ فيما بينه وبين الله عز وجل أصَلَحَ الله تبارك وتعالى فيما بينه وبين النّاس»[60].
الأمر الثاني: إنّ غيبة الإمام عجل الله تعالي فرجه الشريف لها تأثير في إصلاح النفوس، وهذا الأمر يجب أن نفهمه بشكل لا يؤدّي إلى جعل زمن الغيبة أفضل من زمن الحضور، وذلك من خلال وجهين:
الوجه الأوّل: من الطبيعي أنّ الإنسان عندما يُريد أن يُصلِح نفسه عليه أن يكسب العلم، وهذا يحتاج نوعاً ما إلى الراحة النفسية والجسدية والخلوة، وبعيداً عن المشاكل والمحن والحروب، مع أنّ زمان الحضور هو زمان العمل والتطبيق وإصلاح الآخرين، فعن معمر بن خلّاد، قال: ذُكر القائم عند أبي الحسن الرضا عليه السلام، فقال: «أنتم اليوم أرخى بالاً منكم يومئذٍ»، قالوا: وكيف؟ قال: «لو قد خرج قائمنا عجل الله تعالى فرجه الشريف لم يكن إلّا العلق[61]، والعرق[62]، والنوم على السروج، وما لباس القائم عجل الله تعالي فرجه الشريف إلّا الغليظ، وما طعامه إلّا الجشب»[63].
وعن عمرو بن شمر، قال: «كنتُ عند أبي عبد الله عليه السلام في بيته، والبيت غاصّ بأهله، فأقبل الناس يسألونه، فلا يُسأل عن شيءٍ إلّا أجاب فيه، فبكيت من ناحية البيت، فقال: ما يُبكيك يا عمرو؟. فقلت: جُعِلت فداك، وكيف لا أبكي وهل في هذه الأُمّة مثلك، والباب مغلق عليك، والستر لمرخى عليك. فقال: لا تبكِ يا عمرو، نأكل أكثر الطيب، ونلبس اللين، ولو كان الذي تقول لم يكن إلّا أكل الجشب، ولبس الخشن، مثل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، وإلّا فمعالجة الأغلال في النار»[64].
والمستفاد من هاتين الروايتين: أنّ هنالك أُموراً وتكاليف يصعب تحمّلها في حالة ظهور الإمام عجل الله تعالي فرجه الشريف، وهذا يرشدنا إلى وجوب الاستعداد لهذا اليوم، ولا يكون ذلك إلّا من خلال الاستعداد النفسي وهو لا يكون في أغلب الأحيان إلّا بعد العلم، والعلم لا يكون إلّا بعد الهدوء وراحة البال.
الوجه الثاني: إنّ غياب الإمام عجل الله تعالي فرجه الشريف يُعتبَر نوعاً من أنواع العقوبة الإلهية للبشرية؛ وذلك بسبب عدم تمسّكها بالإمامة الإلهية، أو بالأحرى: إنّ تمسكّها لم يكن بالشكل المطلوب، فيكون غيابه عجل الله تعالي فرجه الشريف أكثر تأثيراً للتفاعل معه والرجوع إلى طاعته، فعن محمد بن النعمان، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: «أقرب ما يكون العبد إلى الله عز وجل ـ وأرضى ما يكون عنه ـ إذا افتقدوا حجّة الله فلم يظهر لهم، وحُجِب عنهم فلم يعلموا بمكانه، وهم في ذلك يعلمون أنّه لم تبطل حجج الله ولا بيّناته، فعندها فليتوقّعوا الفرج صباحاً ومساءً…»[65].
الأمر الثالث: فهْم وإدراك أنّ العدالة الربّانية يصعب تحمّلها؛ فلذا تحتاج إلى قوّة صبر عبر الزمان من أجل استيعابها وفهمها، وأن لا يقتصر الفهم على ظاهر الأُمور، بل لا بدّ من التأمّل في ذلك، فالإمام الحجّة يأتي بالأحكام الواقعية والباطنية، ويحكم بما تقتضيه المصلحة الواقعية بحسب علمه اللدُنّي، وهذا أمرٌ من الصعب أن تتحمّله النفوس ما لم تتربَّ وتنصلح بالشكل الصحيح، بل ربّما يعترض عليه البعض من باب أنّه ظلمٌ حسب فهمهم ـ كما في قصّة موسى عليه السلام مع الخضر عليه السلام، ففي تلك القصّة ـ على ما جاء في كتاب الاختصاص ـ: قال له موسى عليه السلام: «ولِمَ لا أصبر»؟ فقال له العالم ـ أي الخضرـ: «وكيف تصبر على ما لم تُحط به خُبراً»؟! فقال موسى عليه السلام…: «ستجدني إن شاء الله صابراً ولا أعصي لك أمراً»[66].
وبيان ذلك: إنّ العلم لا يأتي إلّا بالصبر والتسليم، كما جاء في هذه القصّة، ولو صبر موسى لأراه العالم سبعين أُعجوبة. وفي رواية: «رحم الله موسى عَجّل على العالم، أما إنّه لو صبر لرأى منه من العجائب ما لم يرَ»[67].
وعن أبي عبد الله عليه السلام، قال: «يا أبا عبيدة، إذا قام قائم آل محمد عليه السلام، حكم بحكم داوُد وسليمان عليهما السلام، لا يسأل بيّنة»[68].
فمن الواضح أنّ تقديم مثل هذه الروايات هو من أجل إفهام المجتمع معنى إقامة العدالة الواقعية حتى يستوعبها المجتمع قبل ظهور القائم عجل الله تعالي فرجه الشريف؛ ﴿… لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّـهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾[69]. وهذه هي الفائدة من ذكرها قبل ظهوره عجل الله تعالي فرجه الشريف.
الأمر الرابع: حصول اليأس من تطبيق العدالة في المجتمع الإنساني، فعن أبي عبد الله عليه السلام أنّه قال: «ما يكون هذا الأمر حتى لا يبقى صنفٌ من الناس إلّا وقد وُلّوا على الناس، حتى لا يقول قائل: إنّا لو ولّينا لعدلنا، ثمّ يقوم القائم بالحقّ والعدل»[70].
الأمر الخامس: إمكان فهم وإدراك معنى العدالة الواقعي، والمطلوب لعموم الناس، والتي يجب أن تتحقّق في الأرض، ومع ذلك فإنّ هذا بمفرده لا يشكِّل ضماناً لتطبيق العدالة ما لم تكن هناك سيطرة على الهوى والشهوات؛ لأنّه مع اتّباع الهوى يقع الخلاف والتناحر والصراع، فعن أمير المؤمنين علي عليه السلام، قال: «إنّي أخاف عليكم اثنين: اتّباع الهوى، وطول الأمل، فأمّا اتّباع الهوى فإنّه يردّ عن الحقّ، وأمّا طول الأمل فيُنسي الآخرة»[71].
فالعقل قد يكتمل من ناحية الفهم، ولكن الهوى يغلبه، فيحتاج إلى مَن يدعمه، ليرفع الصراع الداخلي بينه وبين نفسه، والاختلاف الخارجي بينه وبين غيره.
فعن أبي جعفر عليه السلام، قال: «إذا قام قائمنا وضع الله يده على رؤوس العباد، فجمع بها عقولهم، وكملت به أحلامهم»[72]. ووضع اليد كناية عن إنزال الرحمة والتقوية بإكمال النعمة.
قال العلاّمة المجلسي في مرآة العقول: «وقوله: فجمع بها عقولهم، يحتمل وجهين: أحدهما: أنّه يجعل عقولهم مجتمعة على الإقرار بالحقّ فلا يقع بينهم اختلاف ويتّفقون على التصديق. وثانيهما: أنّه يجتمع عقل كلّ واحدٍ منهم، ويكون جمعه باعتبار مطاوعة القوى النفسانية للعقل، فلا يتفرّق لتفرّقها»[73].
وقال المحقّق المازندراني في شرح أُصول الكافي: «والمراد بجمع عقولهم: رفع الانتشار والاختلاف بينهم وجمعهم على دين الحقّ، وبكمال أحلامهم، كمال عقل كلّ واحد واحد، بحيث ينقاد له القوّة الشهوية والغضبية، ويحصل فضيلة العدل في جوهر البدن»[74].
الأمر السادس: إنّ الظهور المقدّس يُعتبَر عزّة للأولياء، وذلّاً وهواناً للأعداء، ونصراً للمستضعفين في الأرض، كما في قوله سبحانه وتعالى: ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾[75].
والمستضعف هو الذي تراه أعين الناس من حالات الأولياء، فعن علي عليه السلام: «ولكنّ الله سبحانه جعل رُسله أُولي قوّة في عزائمهم، وضعفة فيما ترى الأعين من حالاتهم، مع قناعة تملأ القلوب والعيون غنى، وخصاصة تملأ الأبصار والأسماع أذى»[76]. ولا يعدّ مستضعفاً مَن عرف اختلاف الناس، فعن أمير المؤمنين عليه السلام: «مَن عرف اختلاف الناس فليس بمستضعف»[77]؛ وأغلب الناس أصبح يعرف اختلاف الناس، فهو ليس بمستضعف!
ويصف عليه السلام الأنبياء عليهم السلام بأنّهم: «كانوا أقواماً مستضعفين، قد اختبرهم الله بالمخمصة، وابتلاهم بالمجهدة، وامتحنهم بالمخاوف، ومخّضهم بالمكاره، فلا تعتبروا الرضى والسخط بالمال والولد جهلاً بمواقع الفتنة، والاختبار في موضع الغنى والاقتدار، فقد قال سبحانه وتعالى: ﴿أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ ۚ بَل لَّا يَشْعُرُونَ ﴾[78]، فإنّ الله سبحانه يختبر عباده المستكبرين في أنفسهم بأوليائه المستضعفين في أعينهم»[799].
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله ـ لمّا نظر إلى علي والحسن والحسين وهو يبكي ـ: «أنتم المستضعفون بعدي»[80]. وعن الإمام الصادق عليه السلام: «إنّ في تاسوعاء استضعفوا الحسين عليه السلام وأصحابه…»[81].
فإذا فهمنا هذه الأُمور، يتّضح الجواب عن السؤال المتقدّم: إنّ هنالك ظلماً وجوراً في آخر الزمان أشدّ من باقي الأزمنة؛ وذلك لأنّ طالب السلطة يفهم معنى الإصلاح والعدالة ولا يطبّقها، بل لا يريد تطبيقها في الخارج، بخلاف مَن لا يعرف مفهوم الإصلاح والعدالة، كما في الخوارج، حيث قال أمير المؤمنين عليه السلام: «لا تقتلوا الخوارج بعدي، فليس مَن طلب الحقّ فأخطأه كمَن طلب الباطل فأدركه»[82].
وهناك إرادة ضعيفة لمحاربة هذا الظلم والفساد، مع أنّهم يرغبون في التغيير ولا يجدونه؛ لغلبة الهوى، أو لصعوبة الطريق، أو لحبّ الراحة، إلى غير ذلك من الأُمور، مع أنّه ـ كما قلنا ـ يفهم معنى الإصلاح والعدالة المطلوبة التي يجب أن تتحقّق في الخارج، ويستطيع أن يميّز بين الظلم والعدل بخلاف الأزمنة الماضية.
وهنالك في مقابل هذين، رجال إرادتهم قويّة فكراً وعملاً، عقيدةً وعبادةً، لا يرتابون مع فقد إمامهم وحجّتهم، فقد ورد عن أبي عبد الله عليه السلام: «…أنّ أولياءه لا يرتابون، ولو علم أنّهم يرتابون ما أفقدهم حجّته طرفة عين»[83]، وهؤلاء الناس أقلّية يستطيعون أن يصارعوا الظلم النفسي والظلم الخارجي، فقد ورد في الحديث: «…إنّ أولياء الله لم يزالوا مستضعفين قليلين منذ خلق الله آدم عليه السلام»[84].
وجاء ـ في بيان أوصاف أنصار الإمام المهدي عجل الله تعالي فرجه الشريف ـ عن الإمام الصادق عليه السلام: «…رجالٌ كأنّ قلوبهم زبر الحديد، لا يشوبها شكّ في ذات الله، أشدّ من الحجر، لو حملوا على الجبال لأزالوها… يتمسحون بسرج الإمام عجل الله تعالي فرجه الشريف، يطلبون بذلك البركة، ويحفّون به، يقونه بأنفسهم في الحروب… لا ينامون الليل، لهم دوي في صلاتهم كدوي النحل، يبيتون قياماً على أطرافهم، ويصبحون على خيولهم، رهبان بالليل، ليوث بالنهار، هم أطوع له من الأُمة لسيّدها، كالمصابيح كأنّ قلوبهم القناديل، وهم من خشية الله مشفقون، يدعون بالشهادة، ويتمنّون أن يُقتَلوا في سبيل الله، شعارهم يا لثارات الحسين، إذا ساروا يسير الرعب أمامهم مسيرة شهر…»[85].
ومما تقدم نعرف جواب السؤال المتقدم
ذلك أنّ أغلب العقول ـ في آخر الزمان ـ تفهم معنى العدالة وتستوعبها بشكل دقيق، وإن كانت عاجزة عن تطبيقها، وحينئذٍ يظهر الإمام عجل الله تعالي فرجه الشريف ليبسط هذا الفهم على الأرض مع أنصاره الأقوياء؛ لوجود أرض خصبة لذلك.
إنّ تبادل المصالح السائدة في عصرنا ـ وجعل الشخص في مكان لا يناسبه لمصلحة ما، كجعل العالم في مكان غير مكانه ـ يؤدّي إلى ضياع الولي بين هؤلاء القوم، وهل يوجد ظلمٌ أشدّ من هذا؟!
فالإنسان الذي يعيش في زمن الغيبة ويُريد تعجيل ظهور الإمام عجل الله تعالي فرجه الشريف يحتاج إلى:
أوّلاً: فهم عميق لمعنى الإصلاح ومعنى العدالة الإلهية.
ثانياً: تطبيق ما فُهِمَ من معنى الإصلاح في الخارج وبقوّة وإرادة حازمة.
الكاتب: الشيخ غدير حمودي
مؤسسة وراث الأنبياء للدراسات التخصصية في النهضة الحسينية
______________________________
[1] ابن أعثم الكوفي، أحمد، الفتوح: ج5، ص21.
[2] اُنظر: الأمين، محسن، أعيان الشيعة: ج2، ص481.
[3] الخوارزمي، محمد بن أحمد، مقتل الحسين عليه السلام: ج1، ص188.
[4] اُنظر: كلمة التحقيق الشيخ مالك المحمودي لكتاب المناقب، للخوارزمي. مقدمة التحقيق الشيخ محمد السماوي لكتاب مقتل الحسين عليه السلام، للخوارزمي.
[5] مقدمة التحقيق الشيخ محمد السماوي لكتاب مقتل الحسين عليه السلام، للخوارزمي.
[6] المصدر السابق.
[7] اُنظر: ابن شهر آشوب، محمد بن علي، مناقب آل أبي طالب: ج3، ص241.
[8] اُنظر: المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج44، ص 329. البحراني، عبد الله، العوالم: ص179. الأمين، محسن، لواعج الأشجان: ص30. الأمين، محسن، أعيان الشيعة: ج1، ص588.
[9] الكَيْسانية: هم القائلون بإمامة محمّد بن الحنفية، ويزعمون أنّه اليوم حيّ، وهو المهدي، باعتبار أنه كان صاحب راية أبيه يوم البصرة دون أخويه فسمّوا الكيسانية، أو لأنّ المختار بن أبي عبيدة الثقفي كان رئيسهم، وكان يلقّب كيسان. اُنظر: النعمان، القاضي المغربي، شرح الأخبار: ج3، ص315. والفيروز آبادي، محمد بن يعقوب، القاموس المحيط: ج2، ص248.
[10] اُنظر: المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج18، ص112، ج42، ص99.
[11] المصدر السابق: ج42، ص245.
[12] الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي: ج1، ص 348.
[13] ابن بابويه، علي بن الحسين، الإمامة والتبصرة: ص60.
[14] المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج44، ص329.
[15] المازندراني، محمد مهدي، معالي السبطين: ج1، ص 229. الدربندي، فاضل، أسرار الشهادة: ص246. أبو مخنف، لوط بن يحيى، مقتل الحسين: ص61.
[16] اُنظر: المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج44، ص329.
[17] التوبة: آية102.
[18] الأعراف: آية56.
[19] اُنظر: مطهّري، مرتضى، الحركات الإسلامية: ص10.
[20] المصدر السابق.
[21] اُنظر: فتح الله، أحمد، معجم ألفاظ الفقه الجعفري: ص286.
[22] البحراني، يوسف، الحدائق الناضرة: ج10، ص13.
[23] فتح الله، أحمد، معجم ألفاظ الفقه الجعفري: ص286.
[24] المصدر السابق.
[25] ﴿ إِنَّ اللَّـهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ النحل: آية90.
[26] ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّـهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ… ﴾ المائدة: آية8.
[27] ﴿… وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَّا يُؤْخَذْ مِنْهَا…﴾ الأنعام: آية70.
[28] ﴿ وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا…﴾ البقرة: آية143.
[29] ﴿ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ﴾ الانفطار: آية7.
[30] ﴿… وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ…﴾ النساء: آية58.
[31] الأنعام: آية115.
[32] الحديد: آية25.
[33] المائدة: آية28.
[34] المائدة: آية30.
[35] المائدة: آية32.
[36] القصص: آية19.
[37] النمل: آية23ـ 24.
[38] النمل: آية34ـ 35.
[39] هود: آية85.
[40] هود: آية87 ـ 88.
[41] التوبة: آية14.
[42] سورة ص: آية107.
[43] ابن حنبل، أحمد، مسند أحمد: ج1، ص275.
[44] البخاري، محمد بن إسماعيل، صحيح البخاري: ج4، ص8.
[45] النيسابوري، مسلم، صحيح مسلم: ج6، ص20.
[46] اُنظر: ابن حجر، أحمد بن علي، الدراية في تخريج أحاديث الهداية: ج1، ص169.
[47] الصافات: آية107.
[48] الحر العاملي، محمد بن الحسن، وسائل الشيعة: ج16، ص270.
[49] الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي: ج1، ص46.
[50] المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج74، ص165.
[51] المصدر السابق: ج97، ص49.
[52] الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي: ج5، ص21.
[53] المصدر السابق: ج2، ص218.
[54] المصدر السابق، ج2، ص226.
[55] المصدر السابق.
[56] الصدوق، محمد بن علي، كمال الدين، ص654.
[57] قال رسول الله صلى الله عليه وآله: «تكون له غَيبة وحيرة حتى تضلّ الخلق عن أديانهم، فعند ذلك يُقبِل كالشهاب الثاقب فيملأها قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً». الصدوق، محمد بن علي، كمال الدين: ص287.
[58] عبده، محمد، شرح نهج البلاغة: ج4، ص16.
[59] الواسطي، علي بن محمد، عيون الحكم والمواعظ: ص383.
[60] الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي: ج8، ص307.
[61] العلق: الدم الجامد قبل أن يجفّ. اُنظر: الفراهيدي، الخليل بن أحمد، العين: ج1، ص161.
[62] العرق: ماء الجسد يجري من أُصول الشعر. المصدر السابق: ص152.
[63] النعماني، محمد بن إبراهيم، غيبة النعماني: ص296. وعنه المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج52، ص359.
[64] المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج52، ص360.
[65] المصدر السابق: ج52، ص95.
[66] المفيد، محمد بن محمد، الاختصاص: ص259.
[67] المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج13، ص301.
[68] الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي: ج1، ص397.
[69] الأنفال: آية42.
[70] النعماني، محمد بن إبراهيم، غيبة النعماني: ص282، ح53. وعنه المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج52، ص244.
[71] البرقي، أحمد بن محمد، المحاسن: ج1، ص211.
[72] الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي: ج1، ص25.
[73] المجلسي، محمد باقر، مرآة العقول: ص80.
[74] المازندراني، محمد صالح، شرح أُصول الكافي: ج1، ص302.
[75] القصص: آية5.
[76] عبده، محمد، شرح نهج البلاغة: ج2، ص145.
[77] الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي: ج2، ص405.
[78] المؤمنون: آية 55ـ 56.
[79] الصالح، صبحي، خطب نهج البلاغة: ص291.
[80] الصدوق، محمد علي، معاني الأخبار: ص79.
[81] الشاهرودي، علي النمازي، مستدرك سفينة البحار: ج6، ص466.
[82] عبده، محمد، شرح نهج البلاغة: ج1، ص108.
[83] المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج52، ص95.
[84] البرقي، أحمد بن محمد، المحاسن: ج1، ص159.
[85] المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج52، ص308.