الإستبصار (موقع يهتم بشؤون المستبصرين ) ، كما نعلم،إنّ حقيقة التّوبة هو الرّجوع إلى ساحة الباري تعالى، والإقلاع عن العِصيان, في ما لو كان ناشئاً من النّدم على ما سبق من الأعمال السّيئة، ولازم النّدم هو العلم بأنّ الذنب يحيل بين المذنب والمحبوب الحقيقي، ويترتب عليه العزم والتّصميم على عَدم العودة، وعلى التّحرك لجبران ما فات، ومحو آثار الذنوب السّابقة من باطن وجوده وخارجه، ويتحرّك كذلك في دائرة إعادة الحقوق الباقية في ذمّته، وأكّد القرآن الكريم، في كثير من الآيات على هذا المعنى، وجعل التّوبة مقارنةً للإصلاح:
1- الآية (160) من سورة البقرة، وبعد الإشارة إلى ذنب كتمان الآيات الإلهيّة والعقاب الذي يترتب على ذلك قالت: ﴿إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾.
2- الآية (89) من سورة آل عمران، وبعد إشارتها لمسألة الإرتداد وعقابها، يقول تعالى: ﴿إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.
3- الآية (146) من سورة النساء، وبعد إشارتها للمنافقين، وعاقبة أمرهم السّيئة، تذكر: ﴿إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاُعْتَصَمُوا بِاللهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ للهِِ﴾.
4- وفي الآية (5) من سورة النّور، وبعد ذكرها للعقوبة الشّديدة المترتبّة على القَذَف، في الدنيا والآخرة، ذكرت: ﴿إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.
5- وبالتالي نرى عنصر التّوبة، بمثابة قانون كلّي يستوعب في نطاقه جميع الذّنوب، فقال تعالى في الآية (119) من سورة النحل: ﴿ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَة ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.
6- ورد شبيه لهذا المعنى، في الآية (82) من سورة طه: ﴿وَإِنّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اُهْتَدَى﴾.
وأشارت الآية الكريمة هنا، بالإضافة إلى رُكني التّوبة الأساسييّن، وهما: العودة إلى الله، والعمل الصالح، وجُبران الماضي، ذكرت مسألة الإيمان والهداية.
والحقيقة أنّ الذنوب تقلل نور الإيمان في قلب الإنسان، وتحرفه عن الطّريق، وعليه فإنّه بالتّوبة يجدّد إيمانه وهدايته، في نطاق إصلاح الباطن.
7- وورد في سورة الأنعام، الآية (54)، معنى مشابه أيضاً: ﴿أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهَالَة ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.
وممّا ذكر من الآيات الآنفة، تتضح لنا مسألة التّوبة بصورة كاملة, فالتّوبة الحقيقيّةُ ليست بلفظ الإستغفار وحده، والنّدم على ما مضى، والإقلاع عنه في المستقبل، بل تتعدّى إلى دائرة الإنفتاح على العمل، لإصلاح كلّ التّقصيرات والمفاسد الّتي صدرت منه في السّالف، ومحو آثارها من نفسه وروحه ومن المجتمع، لتحصيل الطّهارة الكاملة في واقع الإنسان والحياة، وطبعاً بالقدر الممكن.
فهذه هي التّوبة الحقيقيّة، وليس الإستغفار وحده!.
والجدير بالذّكر أنّ كلمة “الإصلاح”، ورد ذكرها دائماً بعد ذكر التّوبة، كالآيات الآنفة الذّكر، ومعناها واسعٌ يشمل كلّ ما فات، من قصور وتقصيرِ يُبعد الإنسان عن خطّ الإيمان، ومنها:
1- التّائب يجب أن يُؤدّي جميع الحقوق لُمستحقيها، فإنّ كانوا أحياء فَبِها، وإلاّ فلورثتهم.
2- إذا كان قد تعامل مع الآخرين، من موقع الإهانة والغيبة، وغيرها من الاُمور السلبية في دائرة السلوك، فيجب عليه طلب الحلية منهَ ورَدّ إعتباره مادام الآخر يعيش في هذه الدنيا، وإن كان قد وافاه الأجل، فعليه أن يتحرّك على مستوى إرسال الثّواب لروحه، كي ترضى.
3- أن يَقْضي ما فاته من العبادات: كالصّلاة والصّيام ودفع الكفارات.
4- نعلم أنّ ممارسة الخطيئة والوقوع في منحدر الذنوب، يُظلم الرّوح ويسوّد القلب، فعلى التّائب السّعي لتنوير قلبه بالطّاعة والعّبادة، لتنفتح روحه على الله تعالى، في أجواء الإيمان.
وأفضل وأكمل تفسير ورد لمعنى الإستغفار، هو ما ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام، في كلماته القصار في نهج البلاغة:
قال عليه السلام لقائل قال بحضرته: “أَسْتَغْفِرُ اللهَ” وكان الإمام أمير المؤمنين عليه السلام يعرف سوابقه وأعماله “ثَكَلَتْكَ اُمُّكَ أَتِدرِي مَا الاسْتِغْفارُ؟ الإسْتِغْفَارُ دَرَجَةُ العِلِّيينَ، وَهَوَ إسمٌ وَاقِعٌ عَلَى سِتَّةِ مَعان“.
أَوَّلُها النَّدمُ عَلى مَا مَضى.
والثَّانِي العَزْمُ عَلَى تَرْكِ العَودِ إِلَيهِ أَبَداً.
والثَّالِثُ أنْ تُؤَدِّي إِلَى الَمخْلُوقِينَ حُقُوقَهُم حَتَّى تَلقَى اللهَ أَمْلَسَ لَيسَ عَلَيكَ تَبِعَةٌ.
الرّابِعُ أنْ تَعْمِدَ إِلَى كُلِّ فَرِيضَة عَلَيكَ ضَيَّعْتَها فَتُؤَدِّيَ حَقَّها.
الخَامِسَ أَنْ تَعْمِدَ إِلَى اللَّحْمِ الَّذِي نَبَتَ عَلى السُّحْتِ فَتُذِيبَهُ بِالأحزَانِ حَتَّى تُلْصِقَ الجِلْدَ بِالعَظمِ، وَيَنْشَأَ بَينَهُما لَحْمٌ جَدِيدٌ.
والسَّادِسَ أَن تُذِيقَ الجِسْمَ أَلَمَ الطَّاعَةِ كَمَا أَذَقْتَهُ حَلاوَةَ المَعْصِيَةِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ تَقُولُ: “أَسْتَغْفِرُ اللهَ”1.
ونقل نفس هذا المعنى في رواية اُخرى، عن كميل بن زياد عن أمير المؤمنين عليه السلام، فقال: يا أمِيرَ المؤمنين العَبْدُ يُصِيبُ الذَّنْبَ فَيَسْتَغْفِرُ اللهَ مَنْهُ فَما حَِدُّ الإستِغْفَارِ؟.
فقال الإمام عليه السلام: “يا ابْنَ زِياد التَّوبَةُ”.
قلت: بَسْ.
قال عليه السلام: “لا”.
قلت: فَكَيفَ؟
قال عليه السلام: “إنَّ العَبْدَ إِذا أَصابَ ذَنْبَاً يَقُولُ أَسْتَغْفِرُ اللهَ بِالتَّحْرِيكِ“.
قلت: وَما التَّحْرِيكُ؟.
قال عليه السلام: “الشَّفَتَانِ وَاللِّسانِ يُرِيدُ أَنْ يُتْبِعَ ذَلِكَ بِالحَقِيقَةِ”.
قلت: وَما الحَقِيقَة؟.
قال عليه السلام: “تَصْدِيق فِي القَلْبِ وَإِضْمارُ أَنْ لا يَعُودَ إلَى الذَّنْبِ الَّذِي اُسْتَغْفَرَ مِنْهُ”.
فقلت: “فإذا فَعَلَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مِنَ المُسْتَغْفِرينَ”.
قال عليه السلام: “لا”.
فقال كميل رحمه الله، قلت: فَكَيفَ ذاكَ.
فقال الإمام عليه السلام: “لاَِنَّكَ لَمْ تَبْلُغْ إِلَى الأَصْلِ بَعْدَهُ”.
فقال كميل رحمه الله: فَأَصْلُ الإِسْتِغْفارِ ما هُوَ؟.
فقال الإمام عليه السلام: “الرُّجُوعُ إِلَى التَّوبَةِ مِنَ الذَّنْبِ الَّذي إِسْتَغْفَرْتَ مِنْهُ وَهِيَ أَوَّلُ دَرَجَةِ العابِدِينَ”.
ثم قال الإمام عليه السلام: “وَ تَركُ الذَّنْبِ والإستِغفارِ اسمٌ وَاقِعٌ لِمعان سِتّ”.
ثم ذكر نفس المراحل السّتة، المذكورة في قصار الكلمات لنهج البلاغة، مع قليل من الاختلاف2.
ويمكن أن يقال: إنّ التّوبة إذا كانت كما ذكرها أمير المؤمنين عليه السلام، فلن يوجد تائب حقيقي أبداً.
ولكن يجب الّتنبّهُ إلى أنّ بعض الشروط السّتة، هي في الحقيقة من كمال التّوبة، كما في الشّرط الخامس والسّادس، أمّا الشّروط الأربعة الاُخرى، فهي من الشّروط الواجبة واللاّزمة، أو كما يقول بعض المحقّقين: إنّ القسم الأول، والثّاني من أركان التّوبة، والثّالث والرابع هما من الشروط اللاّزمة، والخامس والسّادس من شروط الكمال3.
وجاء في حديث آخر عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله، أنّه قال: “أمّا عَلامَةُ التَّائِبِ فَأَرْبَعَةٌ: النّصِيحةُ للهِ فِي عَمَلِهِ وَتَرِكُ الباطِلِ وَلُزُومِ الحَقِّ وَالحِرصُ عَلَى الخَيْرِ”4.
ويجب الإنتباه، أنّ الذّنب إذا تسبّب في إضلال الآخرين، مثل الدّعاية المضلّة، والبِدعة في الدّين، سواء كان عن طريق البيان، أو عن طريق الكتابة، فيجب عليه إرشاد الضّالين بالقدر الّذي يستطيع، وإلاّ فلن تُقبل توبته.
ومنه يتّضح صعوبة سلوك طريق التوبة، بالنّسبة إلى المحرّفين للآيات الإلهيّة، والمُبتَدِعين في دين الله تعالى، والذين يتحرّكون على مستوى إضلال الناس، وسوقهم إلى الإنحراف.
فليس من الصحيح، أن يُضلّ شخصٌ عدداً غفيراً من النّاس، في الملأ العام، أو بكتاباته ومقالاته، ثمّ يجلس في زاوية البيت، ويستغفر الله تعالى ليعفو عنه، فمثل هذه التّوبة، لن تُقبلَ أبداً.
وكذلك الذي يهتك حرمة أحد الأشخاص أمام الملأ، ثم يستحلّ منه على إنفراد، أو يتوب في خَلوته، فلن تُقبل مثل هذه التّوبة، ما لم يرد إعتبار ذلك الشخص، أمام الملأ العام.
وبناءً على هذا، فإنّنا نقرأ في الرّوايات عن أشخاص هَتكوا حُرمة الغير، واُجري عليهم الحَد، فإنّ توبتهم لن تقبل، إلاّ إذا رجعوا عن غيّهم وكلامهم.
وقد ورد في حديث مُعتبر، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال الرّاوي: سألت أبا عبدلله عليه السلام عن المحدود إذا تاب، أتقبل شهادته؟، فقال:
“إذا تابَ وَتَوبَتُهُ أَنْ يَرْجَعَ مِمّا قالَ وَيُكِذِّبَ نَفْسَهُ عِنْدَ الإِمامِ وَ عِنْدَ المُسْلِمِينَ، فإذا فَعَلَ فَإِنَّ عَلَى الإِمامِ أَنْ يَقْبَلَ شَهادَتَهُ بَعْدَ ذَلِك“5.
وَوَرد في حديث آخر: “أَوصى اللهِ عَزّ َوَجَلَّ إِلى نَبِيٍّ مِنَ الأنبِياءِ، قُلْ لِفُلانَ وَعِزَّتِي لَو دَعَوتَنِي حَتّى تَنْقَطِعَ أَوصالُكَ، ما اُسْتَجَبْتُ لَكَ، حَتّى تَرّدَ مَنْ ماتَ إِلى ما دَعَوتَهُ إِلِيهِ فَيَرْجَعَ عَنْهُ“6.
فهذا الحديث يبيّن أهميّة مسألة الإصلاح، والسّعي لجبران الخلل من موقع التّوبة، وإلى أيّ حدٍّ يمتد في آفاق الممارسة العمليّة، وبدون ذلك ستكون التّوبة صوريّة أو مقطعيّة.
وآخر ما يمكن أن يقال في هذا المجال، أنّ من يقنع من الإستغفار بالإسم، مُقابل كثرة الذّنوب والمعاصي، ولا يسعى في تحصيل أركانه وشروطه، فكأنّه قد إستهزأ بنفسه، وبالتّوبة وبالإستغفار.
وفي ذلك يقول الإمام الباقرعليه السلام: “التّائِبُ مِنَ الذَّنِبِ كَمَنْ لا ذَنْبَ لِهُ، وَالمُقِيمُ عَلَى الذَّنْبِ وَهُوَ مُسْتَغْفِرٌ مِنْهُ كالمُستَهزِىء“7.
ـ قبول التوبة: هل هو عقلي أم نقلي؟
إتّفق علماء الأخلاق أنّ التّوبة الجامعة للشّرائط، مقبولة عند الله تعالى، ويدل على ذلك الآيات والرّوايات، ولكن يوجد نقاش حول قبول التّوبة، هل هو عَقلي أم عقلائي، أم نَقلي؟.
ويعتقد جماعة، أنّ سقوط العقاب الإلهي، هو تفضل من الباري تعالى، فبعد تحقق التّوبة من العبد، يمكن للباري تعالى أن يتوب على عبده ويغفر له، أو لا يغفر له، كما هو المُتعارف بين النّاس، عندما يقوم أحد الأشخاص بظلم الغَير، فِللمظلوم أن يغفر له، أو لا يعفو عنه.
وترى جماعةٌ اُخرى، أنّ العقاب يسقط حتماً بعد التّوبة، وعدم قبول عُذر المجرم، من الله تعالى، بعيدٌ وقبيحٌ، ولا يصدر منه تعالى.
وهنا يمكن قبول رأي ثالث، وهو أنّ قبول التّوبة أمر عقلائي، يعني أنّ العقل وإن لم يوجب قبول التّوبة والعُذر، ولكنّ بناءَ العُقلاء في العالم كلّه، مبنيٌّ على قبول عذر الخاطيء، وإقالة عثرته، إذا ما عاد عن غَيّه، وأصلح أعماله السّيئة، وجَبر ما كسره، وأرضى خصمائه بطرق مختِلفَة، فهذا الموقف هو بناء العقلاء في العالم أجمع، فلو أصرّ شخص على نفي هذا المبدأ العقلائي، ولم يقبله في سلوكه إتجّاه المُعتذر، فسيعتبر حقوداً وخارجاً عن موازين الإنسانية والأخلاق.
ولا شك أنّ الله تعالى، وهو القادر والغني عن العالمين، أَوْلى وأجدر من عباده بالعفو والمغفرة، وقبول عذر التائب، وعدم إنزال العقاب عليه.
ويمكن القول بأكثر من ذلك، وهو وجوب قبول التّوبة، لدى العقل الذي يعتمد على قاعدة: “قُبح نَقض الغَرض”.
وتوضيح ذلك: نحن نعلم أنّ الباري تعالى، غنيٌّ عن عباده وطاعة العالمين، وإن كلّفنا بشيء فهو لطفٌ منه، للسير في خطّ التّكامل و التّربية، فالصّلاة والصّيام تُربّي النّفس وتُقرّب الإنسان من الله تعالى، وكذلك سائر الواجبات، فلها قِسطٌ في عمليّة التّكامل الإنساني.
فنقرأ عن الحج: ﴿لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُم﴾(الحج:28).
ونقرأ في الآيات الاُخرى، أنّ الصّلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر8، والصّوم سبب للتّقوى9، والزّكاة لتطهير الأفراد والمجتمع من الرذائل الأخلاقيّة والإنحرافات10.
وإعتبرت الرّوايات الإيمان، سبباً للطهارة من الشّرك، و الصّلاة لِدرء الكِبْر عن الإنسان، والحجّ سبباً لوحدة المسلمين، والجهاد لِعزّة المسلمين11….وعليه فإنّ كلّ التّكاليف الإلهيّة، هي من أسباب سعادة الإنسان، وتكامله في خط الإيمان والحقّ والتّكامل، هذا هو الهدف الأصلي للإنسان، في دائرة الوصول لمرتبة القرب الإلهي، والعبودية الحقّة، قال الباري تعالى: ﴿وَما خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنْسَ إلاَّ لِيَعْبُدُونِ﴾(الذاريات:56).
ولا شك فإنّ وجوب التّوبة، وقبولها من قبل الباري تعالى، يشكّل إحدى حلقات التّكامل المعنوي للإنسان، لأنّ الإنسان من طبيعته الخطأ، فإذا أوصد الباب دونه، فلن يتكامل أبداً.
وإذا ما اُحيط الإنسان علماً بالتّوبة، وأنّ الباري فتح الباب أمامه بشرط إصلاح ما مضى، فمثل هذا الإنسان يكون أقرب للسّعادة والتّكامل، ويبتعد عن الإنحراف والخطأ في مسيرة الحياة.
والنّتيجة: إنّ عدم قبول التّوبة يؤدي إلى نقض الغرض، لأنّ الهدف من التّكاليف والطّاعة، هو تربية وتكامل الإنسان، وعدم قبولها لا ينسجم مع هذا الغرض، ومن البعيد عقلاً على الحكيم، أن ينقض غرضه.
وعلى كلّ حال، فإنّ التّوبة وقبولها لها علاقةٌ وثيقةٌ بالتّكامل الإنساني، وبدونها سينتفي الدّافع والقصد للتّكامل، وسيكون الإنسان في غاية اليأس من النّجاة، مما يشجعه على الّتمادي في إرتكاب المعاصي ومُمارسة الجريمة، ولذلك فإنّ كلّ المربّين، سواء كانوا إلهيين أم ماديّين، يؤكّدون على مسألة التّوبة، ويجعلون الطّريق مفتوحاً دائماً أمام الخاطئين، كَي يُحرّكوا فيهم روح الإنابة، ودافع الإصلاح والحركة نحو الكمال المُطلق.
وعليه فإنّ التوبة بشرائطها، لم تحكم بها الآيات والرّوايات فقط، بل هي ثابتة بحكم العقل وسيرة العُقلاء، وهذا أمرٌ لا يمكن تجاهله البتّة.
* الأخلاق في القرآن (الجزء الأول)، أصول المسائل الأخلاقية، آية الله العظمى الشيخ ناصر مكارم الشيرازي, المؤسسة الإسلامية, الطبعة الثانية/1426ه, قم.
1. نهج البلاغة، الكلمات القصار، الكلمة 417.
2. بحار الأنوار، ج6، ص27.
3. كتاب “گفتار معنوي”، للمرحوم الشهيد مطهري، ص139.
4. تُحف العقول، ص32.
5. وسائل الشيعة، ج18، ص283، ج1 باب 37، من أبواب الشّهادات.
6. بحار الأنوار، ج69، ص219.
7. اُصول الكافي، ج 2، ص 435، باب التوبة، ح 10.
8. سورة العنكبوت، الآية 45.
9. سورة البقرة، الآية 183.
10. سورة التوبة، الآية 103.
11. نهج البلاغة، الكلمات القصار، مقتبسة من جملة رقم (252).
عدد التعليقات 0