كفُّ الأذى عن الله ورسوله | قاعدة البیانات الاستبصار

آخر الأخبار

خانه » المعارف الإسلامیة » الأخلاق » كفُّ الأذى عن الله ورسوله

كفُّ الأذى عن الله ورسوله

الإستبصار (موقع يهتم بشؤون المستبصرين ) ،
يقول سبحانه وتعالى في محكم آياته وفصل خطابه: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ الله وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا1.
ممّا لا ريب فيه أنّ الله تعالى غنيٌّ عن الخلق، غير محتاج إليهم في شيء من أعمالهم وعباداتهم، وكذلك لا تضرّه المعصية ومخالفة أوامره, يقول أمير المؤمنين عليه السلام: “أمّا بعد، فإنّ الله سبحانه وتعالى خلق الخلق حين خلقهم غنيّاً عن طاعتهم، آمناً من معصيتهم، لأنّه لا تضرّه معصية من عصاه، ولا تنفعه طاعة من أطاعه2.

فما المراد من قول الله تعالى يؤذون اللّه؟
يقول العلّامة الطباطبائيّ مجيباً عن هذا السؤال: “من المعلوم أنّ الله سبحانه منزّه من أن يناله الأذى وكلّ ما فيه وصمة النقص والهوان، فذكره مع الرسول وتشريكه في إيذائه تشريف للرسول، وإشارة إلى أنّ من قصد رسوله بسوء فقد قصده أيضاً بالسوء، إذ ليس للرسول بما أنّه رسول إلّا ربّه، فمن قصده فقد قصد ربَّه. وقد أوعدهم باللّعن في الدنيا والآخرة، واللّعن هو الإبعاد من الرحمة، والرحمة الخاصة بالمؤمنين هي الهداية إلى الإعتقاد الحقّ وحقيقة الإيمان3.

فالمراد إذاً أنّ من يتوجّه بالأذيّة إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ويقصدها فكأنّما يتوجّه لله تعالى بالأذيّة, فما هي الأمور التي تؤذي الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم؟

هذا ما سنتعرّض إليه بذكر بعض النماذج منها، سائلين الله تعالى أن ينزّهنا عن هذا العمل، الذي لا شكّ أنّ عاقبته الغضب الإلهيّ المحتّم، كما بيّنت الآية الشريفة.

1- التكذيب برسالته صلى الله عليه وآله وسلم
وليس المراد هنا التكذيب بمعنى الكفر الصريح، كأن يقول الإنسان إنّ الرسول ليس نبيّاً والعياذ بالله، فمن الواضح أنّ التصديق بالنبوّة من أسس الإسلام، إلّا أنّ المقصود عدم التكذيب بالعمل، وهذا ما قد يقع فيه الإنسان من حيث لا يلتفت، كإنكار بعض الفرائض، والتشكيك في الأحكام الإلهيّة التي أتى بها صلى الله عليه وآله وسلم، كما حدث يوم الغدير، حينما بلّغ الناس بولاية أمير المؤمنين عليه السلام.

ينقل لنا التاريخ هذه القصّة: “إنّه لمّا بلَّغ رسول صلى الله عليه وآله وسلم بغدير خمّ ما بلّغ، وشاع ذلك في البلاد، أتى الحارث بن النعمان الفهريّ، وفي رواية أبي عبيد جابر بن النضر بن الحارث بن كلدة العيدريّ فقال: يا محمّد أمرتنا عن الله بشهادة أن لا إله إلّا الله وأنَّ محمّداً رسول الله، وبالصلاة والصوم والحجّ والزكاة فقبلنا منك، ثمّ لم ترض بذلك حتّى رفعت بضبع ابن عمّك ففضّلته علينا وقلت من كنت مولاه فعليّ مولاه، فهذا شيء منك أم من الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: والذي لا إله إلّا هو إنّ هذا من الله، فوّلى الحارث يريد راحلته وهو يقول: اللهم إن كان ما يقول محمّد حقّاً فأمطر علينا حجارة من السماء، أو آتنا بعذاب أليم، فما وصل إليها حتّى رماه الله بحجر، فسقط على هامته وخرج من دبره وقتله، فأنزل الله تعالى: ﴿سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ45.

فهذا نوع من أنواع التكذيب الذي نقله التاريخ، ونوع آخر هو في إنكار أحكام الشريعة التي ينقلها إلينا العلماء العظام عن أبواب مدينة علمه عنه صلى الله عليه وآله وسلم, كمن يستحل الخمر مكذّباً بما جاء به الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من تحريمها وهذا لا يقل شأناً عن الكفر بالرسالة, وهو من موجبات إقامة الحدّ، لأنّه بمستوى الإرتداد عن الدين, يقول الإمام الخمينيّ قدس سره: “من شرب الخمر مستحلّاً لشربها أصلاً وهو مسلمٌ استتيب، فإن تاب أقيم عليه الحدّ، وإن لم يتب ورجع إنكاره إلى تكذيب النبيّ صلّى الله عليه وآله قتل، من غير فرق بين كونه ملّيّاً أو فطريّاً”6.

2- أذيّة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في أهل بيته عليهم السلام

فأذيّة آل البيت عليهم السلام هي أذيّة للرسول بالدرجة الأولى، وهذا ما بيّنته العديد من الروايات الشريفة؛ منها ما روي عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: “من آذى عليّاً فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله يوشك أن ينتقم منه7.

كما جرى على أهل بيته عليهم السلام من بعده من أذى، إذ يصفهم إمام الزمان – روحي لتراب مقدمه الفداء – في دعاء الندبة قائلاً: “ولمّا قضى نحبه8، وقتله أشقى الآخرين يتبع أشقى الأوّلين، لم يُمتثل أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الهادين بعد الهادين، والأمّة مصرَّة على مقته، مجتمعة على قطيعة رحمه وإقصاء ولده، إلّا القليل ممّن وفى لرعاية الحقّ فيهم. فقتل من قتل، وسبي من سبي، وأقصي من أقصي، وجرى القضاء لهم بما يرجى له حسن المثوبة، إذ كانت الأرض لله يورثها من يشاء من عباده، والعاقبة للمتّقين“9.

3- أذيّته من الذنوب
يقول الله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا10.

فالرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم يرى أعمالنا حين تعرض عليه، وحينما يرى ذنوبنا يتأذّى حتماً منّا، كيف لا وهو من قال: “وأنا وعليّ أبوا هذه الأمّة، من عرفنا فقد عرف الله، ومن أنكرنا فقد أنكر الله عزّ وجلّ11.

فإذا كان الواحد منّا يتأذّى من ولده لو قام بعمل غير مناسب عند ضيف نزل عليه، فكيف بالرسول صلّى الله عليه وآله، وهو المبعوث رحمة للعالمين. أن ينشر صحائف أعمالنا. ويرى ذنوبنا بمحضر الله تعالى، ألا يسبّب له هذا حزناً وأذى؟

يقول أحد العلماء أنَّ سكّين الشمر حينما كان يمتدّ لأقدس نحر، هو أسهل على أبي عبد الله الحسين عليه السلام من رؤيته لذنب من ذنوب شيعته, نعم فهو استشهد لأجل أن ينشر الفضيلة، وبذل دمه الأذكى لينتشر الخير، ويقام دين جدّه محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، وهو الدين الذي يهذّب النفوس من جموح الحيوانيّة، ويسلكها مسلك الاعتدال في إشباعها لهواها ورغباتها.

فلنحترس كلّ الوقت كيلا نتسبّب لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وآل بيته عليهم السلام الذين يرون أعمالنا حين تعرض عليهم في الأذيّة لهم، فعن أبي عبد الله عليه السلام قال: “ما لكم تسوؤن رسول الله؟ فقال له رجل: جعلت فداك فكيف نسوؤه؟ فقال: أما تعلمون أنّ أعمالكم تعرض عليه، فإذا رأى فيها معصية ساءه ذلك ؟ فلا تسوؤا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسرّوه12.

وقد جاء في الرواية عن الإمام الباقر عليه السلام حين سئل عن قول الله تبارك وتعالى ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدا﴾, قال: “نحن أمّة الوسط ونحن شهداء الله13.

وعن الإمام الصادق عليه السلام: “إنّ الأعمال تعرض عليّ في كلّ خميس، فإذا كان الهلال أكملت، فإذا كان النصف من شعبان عرضت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلى عليّ عليه السلام، ثمّ ينسخ في الذكر الحكيم14.

وعن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال: “الأعمال تعرض كلّ خميس على رسول الله، وعلى أمير المؤمنين صلوات الله عليهما15.

* كف الأذى. تأليف مركز نون للتأليف والترجمة. نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية. ط: الأولى شباط 2010م- 1431هـ. ص: 15-21.

1- الأحزاب: 57.
2- نهج البلاغة – خطب الإمام علي عليه السلام – ج 2 ص 160 – خطبة المتّقين.
3- تفسير الميزان – السيد الطباطبائي – ج 16 ص 338.
4- المعارج: 1.
5- مناقب آل أبي طالب – ابن شهر آشوب – ج 2 ص 240.
6- تحرير الوسيلة – السيد الخميني – ج 2 ص 481.
7- بحار الأنوار – العلامة المجلسي – ج 5 ص 69.
8- أي أمير المؤمنين عليه السلام.
9- إقبال الأعمال – السيد ابن طاووس – ج 1 ص 508.
10- البقرة: 143.
11- بحار الأنوار – العلامة المجلسي – ج 16 ص 364.
12- م. س البحار، ج22 ص 349.
13- بصائر الدرجات- محمد بن الحسن الصفار ص 83.
14- بحار الأنوار – العلامة المجلسي ج 32 ص 343.
15-م. ن. – ص 344.

 

المصدر : شبكة المعارف الإسلامية

الإستبصار (http://estebsar.ir)

 



تعليقات المستخدم

عدد التعليقات 0

ارسال تعليق



محتويات المادة المذكورة أعلاه