الإستبصار (موقع يهتم بشؤون المستبصرين ) ، الاخلاص: ضد الرياء، وهو صفاء الأعمال من شوائب الرياء، وجعلها خالصة للّه تعالى.
وهو قوام الفضائل، وملاك الطاعة، وجوهر العبادة، ومناط صحة الأعمال، وقبولها لدى المولى عز وجل.
وقد مجّدته الشريعة الاسلامية، ونوّهت عن فضله، وشوقت اليه، وباركت جهود المتحلين به في طائفة من الآيات والأخبار:
قال تعالى: ﴿فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربّه أحداً﴾(الكهف:110).
وقال سبحانه: ﴿فاعبد اللّه مخلصاً له الدين، ألا للّه الدين الخالص﴾(الزمر:2 – 3).
وقال عز وجل: ﴿وما أمروا الا ليعبدوا اللّه مخلصين له الدين﴾(البينة:5).
وقال النبي صلى اللّه عليه وآله: “من أخلص للّه أربعين يوماً، فجر اللّه ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه“1.
وقال الامام الجواد عليه السلام: “أفضل العبادة الإخلاص“2.
وعن الرضا عن آبائه عليهم السلام قال: قال امير المؤمنين عليه السلام: “الدنيا كلها جهل الا مواضع العلم، والعلم كله جهل الا ما عمل به، والعمل كله رياء الا ما كان مخلصاً، والاخلاص على خطر، حتى ينظر العبد بما يُختم له“3.
وقال النبي صلى اللّه عليه وآله: “يا أبا ذر لايفقه الرجل كل الفقه، حتى يرى الناس في جنب اللّه أمثال الأباعر، ثم يرجع الى نفسه فيكون هو أحقر حاقرٍ لها“4.
فضيلة الاخلاص
تتفاوت قيم الأعمال، بتفاوت غاياتها والبواعث المحفزة عليها، وكلما سمت الغاية، وطهرت البواعث من شوائب الغش والتدليس والنفاق، كان ذلك أزكى لها، وأدعى الى قبولها لدى المولى عز وجل.
وليس الباعث في عرف الشريعة الاسلامية الا (النيّة) المحفّزة على الأعمال، فمتى استهدفت الاخلاص للّه تعالى، وصفت من كدر الرياء نبلت وسعدت بشرف رضوان اللّه وقبوله، ومتى شابها الخداع والرياء، باءت بسخطه ورفضه.
لذلك كان الاخلاص حجراً اساسياً في كيان العقائد والشرائع، وشرطاً واقعياً لصحة الأعمال، إذ هو نظام عقدها، ورائدها نحو طاعة اللّه تعالى ورضاه.
وناهيك في فضل الاخلاص أنه يحرر المرء من اغواء الشيطان وأضاليله ﴿قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ﴾(ص:82-83).
عوائق الاخلاص
وحيث كان الاخلاص هو المنار الساطع، الذي ينير للناس مناهج الطاعة الحقة، والعبودية الصادقة، كان الشيطان ولوعاً دؤوباً على إغوائهم وتضليلهم بصنوف الأماني والآمال الخادعة: كحب السمعة والجاه، وكسب المحامد والأمجاد، وتحري الأطماع المادية التي تمسخ الضمائر وتمحق الأعمال، وتذرها قفراً يباباً من مفاهيم الجمال والكمال وحلاوة العطاء.
وقد يكون إيحاء الشيطان بالرياء هامساً خفيفاً ماكراً، فيمارس الانسان الطاعة والعبادة بدافع الاخلاص، ولو محصها وأمعن فيها وجدها مشوبةً بالرياء. وهذا من أخطر المزالق، وأشدها خفاءاً وخداعاً. ولا يتجنبها الا الأولياء الأفذاذ.
كما حُكي عن بعضهم أنه قال: “قضيت صلاة ثلاثين سنة كنت صليتها في المسجد جماعة في الصف الأول، لأني تأخرت يوماً لعذر، وصليت في الصف الثاني، فاعترتني خجلة من الناس، حيث رأوني في الصف الثاني، فعرفت أنّ نظر الناس اليّ في الصف الأول كان يسرني، وكان سبب استراحة قلبي.
نعوذ باللّه من سبات الغفلة، وُخدع الرياء والغرور. من أجل ذلك يحرص العارفون على كتمان طاعاتهم وعباداتهم، خشية من تلك الشوائب الخفية.
فقد نُقل: ان بعض العباد صام أربعين سنة لم يعلم به أحد من الأباعد والأقارب، كان يأخذ غذاءه فيتصدق به في الطريق، فيظن أهله أنه أكل في السوق، ويظن أهل السوق، أنه أكل في البيت.
كيف نكسب الاخلاص
بواعث الاخلاص ومحفزاته عديدة تلخصها النقاط التالية:
1- استجلاء فضائل الاخلاص السالفة، وعظيم آثاره في دنيا العقيدة والايمان.
2- ان أهم بواعث الرياء وأهدافه استثارة إعجاب الناس، وكسب رضاهم، وبديهي أن رضا الناس غاية لا تدرك، وأنهم عاجزون عن إسعاد أنفسهم، فضلاً عن غيرهم، وأن المسعد الحق هو اللّه تعالى الذي بيده أزمة الأمور، وهو على كل شيء قدير، فحري بالعاقل أن يتجه اليه ويخلص الطاعة والعبادة له.
3- إن الرياء والخداع سرعان ما ينكشفان للناس، ويسفران عن واقع الانسان، مما يفضح المرائي ويعرضه للمقت والازدراء.
ثوب الرياء يشف عما تحته*** فإذا التحفتَ به فإنك عاري
فعلى المرء أن يتسم بصدق الاخلاص، وجمال الطوية، ليكون مثلاً رفيعاً للاستقامة والصلاح.
فقد جاء في الآثار السالفة: “إن رجلاً من بني اسرائيل قال: لأعبدن اللّه عبارة أذكر بها، فمكث مدةً مبالغاً في الطاعات، وجعل لا يمر بملأ من الناس الا قالوا: متصنع مراء، فأقبل على نفسه وقال: قد أتعبت نفسك، وضيعت عمرك في لا شيء، فينبغي أن تعمل للّه سبحانه، وأخلص عمله للّه، فجعل لا يمر بملأ من الناس الا قالوا ورع تقي”.
الرياء
وهو طلب الجاه والرفعة في نفوس الناس، بمراءاة أعمال الخير.
وهو من أسوأ الخصال، وأفظع الجرائم، الموجبة لعناء المرائي وخسرانه ومقته، وقد تعاضدت الآيات والأخبار على ذمّه والتحذير منه.
قال تعالى في وصف المنافقين: ﴿يراؤن الناس ولا يذكرون اللّه الا قليلاً﴾(النساء:142).
وقال تعالى: ﴿فمن كان يرجو لقاء ربه، فليعمل عملاً صالحاً، ولا يشرك بعبادة ربه أحداً﴾(الكهف:110).
وقال سبحانه: ﴿كالذي ينفق ماله رئاء الناس﴾(البقرة:264).
وقال الصادق عليه السلام: “كل رياء شرك، إنه من عمل للناس كان ثوابه على الناس، ومن عمل للّه كان ثوابه على اللّه“5.
وقال عليه السلام: “ما من عبدٍ يسرُّ خيراً، الا لم تذهب الأيام حتى يظهر اللّه له خيراً، وما من عبد يُسر شراً الا لم تذهب الأيام حتى يظهر له شراً“6.
وعنه عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: “سيأتي على الناس زمان تخبث فيه سرائرهم، وتحسن فيه علانيتهم، طمعاً في الدنيا، لا يريدون به ما عند ربهم، يكون دينهم رياءاً، لايخالطهم خوف، يعمّهم اللّه بعقاب فيدعونه دعاء الغريق فلا يستجيب لهم“7.
وعن موسى بن جعفر عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: “يؤمر برجال الى النار، فيقول اللّه جل جلاله لمالك: قل للنار لا تحرق لهم أقداماً، فقد كانوا يمشون الى المساجد، ولا تحرق لهم وجهاً، فقد كانوا يسبغون الوضوء، ولا تحرق لهم أيدياً، فقد كانوا يرفعونها بالدعاء، ولا تحرق لهم ألسناً، فقد كانوا يكثرون تلاوة القرآن. قال: فيقول لهم خازن النار: يا أشقياء ما كان حالكم؟ قالوا: كنّا نعمل لغير اللّه عز وجل فقيل لنا خذوا ثوابكم ممن عملتم له“8.
أقسام الرياء
ينقسم الرياء أقساماً تلخصها النقاط التالية:
1- الرياء بالعقيدة: باظهار الايمان وإسرار الكفر، وهذا هو النفاق وهو أشدها نكراً وخطراً على المسلمين، لخفاء كيده، وتستره بظلام النفاق.
2- الرياء بالعبادة مع صحة العقيدة. وذلك بممارسة العبادات أمام ملأ الناس، مراءاة لهم، ونبذها في الخلوة والسر، كالتظاهر بالصلاة، والصيام، وإطالة الركوع والسجود والتأنّي بالقراءة والأذكار وارتياد المساجد، وشهود الجماعة، ونحوه من صور الرياء، في صميم العبادة أو مكملاتها، وهنا يغدو المرائي أشد إثماً من تارك العبادة، لاستخفافه باللّه عز وجل، وتلبيسه على الناس.
3- الرياء بالأفعال: كالتظاهر بالخشوع، وتطويل اللحية، ووسم الجبهة بأثر السجود، وارتداء الملابس الخشنة ونحوه من مظاهر الزهد والتقشف الزائفة.
4- الرياء بالأقوال، كالتشدق بالحكمة، والمراءاة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتذكير بالثواب والعقاب مداجاة وخداعاً.
دواعي الرياء
للرياء أسباب ودواع نجملها فيما يلي:
1- حب الجاه، وهو من أهم أسباب المراءاة ودواعيه.
2- خوف النقد، وهو دافع على المراءاة بالعبادة، وأعمال الخير، خشية من قوارص الذم والنقد.
3- الطمع، وهو من محفزات الرياء وأهدافه التي يستهدفها الطامعون، إشباعاً لأطماعهم.
4- التستر: وهو باعث على تظاهر المجرمين بمظاهر الصلاح المزيفة، إخفاءاً لجرائمهم، وتستراً عن الأعين.
ولا ريب أن تلك الدواعي هي من مكائد الشيطان، وأشراكه الخطيرة التي يأسر بها الناس، أعاذنا اللّه منها جميعاً.
حقائق
ولا بد من استعراض بعض الحقائق والكشف عنها إتماماً للبحث:
1- إختلفت أقوال المحققين، في أفضلية اخفاء الطاعة أو اعلانها.
ومجمل القول في ذلك، إن الأعمال بالنيات، وأن لكل امرئ ما نوى، فما صفا من الرياء فسواء إعلانه أو إخفاؤه، وما شابه الرياء فسيان إظهاره أو إسراره.
وقد يرجح الإسرار أحياناً للذين لا يطيقون مدافعة الرياء لشدة بواعثه في الإعلان. كما يرجح إعلان الطاعة، إن خلصت من شوائب الرياء، وقصد به غرض صحيح كالترغيب في الخير والحث على الاقتداء.
2- ومن استهدف الاخلاص في طاعته وعبادته، ثم اطلع الناس عليها، وُسرّ باطلاعهم واغتبط، فلا يقدح ذلك في اخلاصه، إن كان سروره نابعاً عن استشعاره بلطف اللّه تعالى، واظهار محاسنه والستر على مساوئه تكرماً منه عز وجل.
وقد سئل الامام الباقر عليه السلام عن الرجل يعمل الشيء من الخير فيراه انسان فيسره ذلك، فقال “لا بأس، ما من أحد إلا وهو يحب أن يظهر اللّه له في الناس الخير، اذا لم يكن صنع ذلك لذلك“9.
3- وحيث كان الشيطان مجداً في إغواء الناس، وصدّهم عن مشاريع الخير والطاعة، بصنوف الكيد والاغواء، لزم الحذر والتوقي منه، فهو يُسوّل للناس ترك الطاعة ونبذ العبادة، فإن عجز عن ذلك أغراهم بالرياء، وحببه اليهم، فان أخفق في هذا وذاك، ألقى في خلدهم أنهم مراؤون وأعمالهم مشوبة بالرياء، ليسوّل لهم نبذها وإهمالها.
فيجب والحالة هذه طرده، وعدم الاكتراث بخدعه ووساوسه، إذ المخلص لا تضره هذه الخواطر والأوهام.
فعن الصادق عن أبيه عليهما السلام: إن النبي قال: “اذا أتى الشيطان أحدكم وهو في صلاته فقال: انك مرائي، فليطل صلاته ما بدا له، ما لم يفته وقت فريضة، واذا كان على شيء من أمر الآخرة فليتمكث ما بدا له، واذا كان علي شيء من أمر الدنيا فليسترح…”10.
مساوئ الرياء
الرياء من السجايا الذميمة، والخلال المقيتة، الدالّة على ضعة النفس، وسقم الضمير، وغباء الوعي، إذ هو الوسيلة الخادعة المدجلة التي يتخذها المتلونون والمنحرفون ذريعة لأهدافهم ومآربهم دونما خجل واستحياء من هوانها ومناقضتها لصميم الدين والكرامة والاباء.
وحسب المرائي ذمّاً أنه اقترف جرمين عظيمين:
تحدّى اللّه عز وجل، واستخف بجلاله، بايثار عباده عليه في الزلفى والتقرب، ومخادعة الناس والتلبس عليهم بالنفاق والرياء.
ومثل المرائي في صفاقته وغبائه، كمن وقف أزاء ملك عظيم مظهراً له الولاء والاخلاص، وهو رغم موقفه ذلك يخاتل الملك بمغازلة جواريه أو استهواء غلمانه.
أليس هذا حرياً بعقاب الملك ونكاله الفادحين على تلصصه واستهتاره.
ولا ريب أنّ المرائي أشدّ جرماً وجناية من ذلك، لاستخفافه باللّه عز وجل، ومخادعة عبيده. والمرائي بعد هذا حليف الهم والعناء، يستهوي قلوب الناس، ويتملق رضاهم، ورضاهم غاية لا تنال، فيعود بعد طول المعاناة خائباً، شقياً، سليب الكرامة والدين.
ومن الثابت أنّ سوء السريرة سرعان ما ينعكس على المرء، ويكشف واقعه، ويبوء بالفضيحة والخسران.
ومهما تكن عند امرئ من خليقة *** وإن خالها تخفى على الناس تُعلم
وقد أعرب النبي صلى اللّه عليه وآله عن ذلك قائلاً: “من أسرّ سريرة ردّأه اللّه رداءها، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر“11.
علاج الرياء
وبعد أن عرفنا طرفاً من مساوئ الرياء، يجدر بنا أن نعرض أهم النصائح الأخلاقية في علاجه وملافاته، وقد شرحت في بحث الاخلاص طرفاً من مساوئ الرياء ومحاسن الاخلاص فراجعه هناك.
علاج الرياء العملي
وذلك برعاية النصائح المجملة التالية:
1- محاكمة الشيطان، وإحباط مكائده ونزعاته المرائية، بأسلوب منطقي يقنع النفس، ويرضي الوجدان.
2- زجر الشيطان وطرد هواجسه في المراءاة، طرداً حاسماً، والاعتماد على ما انطوى عليه المؤمن من حبّ الاخلاص، ومقت الرياء.
3- تجنب مجالات الرياء ومظاهره، وذلك باخفاء الطاعات والعبادات وسترها عن ملأ الناس، ريثما يثق الانسان بنفسه، ويحرز فيها الاخلاص.
ومن طرائف الرياء والمرائين ما قيل:
إن أعرابياً دخل المسجد، فرأى رجلاً يصلي بخشوع وخضوع، فأعجبه ذلك، فقال له: نعم ما تصلي.
قال: وأنا صائم، فإن صلاة الصائم، تضعف صلاة المفطر.
فقال له الأعرابي: تفضل واحفظ ناقتي هذه، فإن لي حاجة حتى أقضيها.
فخرج لحاجته، فركب المصلي ناقته وخرج، فلما قضى الأعرابي حاجته، رجع ولم يجد الرجل ولا الناقة، وطلبه فلم يقدر عليه، فخرج وهو يقول:
صلى فأعجبني وصام فرامني*** منح القلوص عن المصلي الصائم
وصلى أعرابيّ فخفف صلاته، فقام اليه علي عليه السلام بالدرة وقال: أعدها، فلما فرغ قال: أهذه خير أم الأولى؟ قال: بل الأولى قال: ولِمَ قال: لأن الأولى للّه وهذه للّدرة.
* أخلاق أهل البيت عليهم السلام، السيد محمد مهدي الصدر، دار الكتاب الإسلامي، ص:88
1- البحار م 15 ص 87 عن عدة الداعي لابن فهد.
2- المصدر السابق.
3- البحار م 15 ص 85 عن الأمالي والتوحيد للصدوق.
4- الوافي ج 14 ص 54 في وصية النبي (ص) لأبي ذر.
5- الوافي ج 3 ص 137 عن الكافي.
6- الوافي الجزء الثالث ص 147 عن الكافي.
7- الوافي الجزء الثالث ص 147 عن الكافي، ودعاء الغريق: أي كدعاء المشرف على الغرق، فان الاخلاص والانقطاع فيه الى اللّه عز وجل أكثر من سائر الأدعية.
8- البحار م 15 بحث الرياء ص 53 عن علل الشرائع وثواب الاعمال.
9- الوافي ج 3 ص 148 عن الكافي.
10- البحار م 15 ص 53 عن قرب الاسناد.
11- الوافي ج 3 ص 147 من خبر عن الكافي.
المصدر : شبكة المعارف الإسلامية
الإستبصار (http://estebsar.ir)
عدد التعليقات 0