اُمّ المؤمنین خدیجة (علیها السّلام) | قاعدة البیانات الاستبصار

آخر الأخبار

خانه » المعارف الإسلامیة » العقائد » اُمّ المؤمنین خدیجة (علیها السّلام)

اُمّ المؤمنین خدیجة (علیها السّلام)
عظیمة طاهرة نقیة ، سیدة ارتبط اسمها باسم أعظم العظماء وسید المرسلین والأنبیاء , أشرف الخلق وأحبّهم إلى الله تعالى محمّد (صلّى الله علیه وآله) , فکانت له شریکاً بالحب والمعاناة , خفّفت عنه الآلام والمواجع , ساندته فی تبلیغ شرائع الرحمن وإعلان رسالة التوحید , فاستحقّت أن تکون اُمّ المؤمنین الذین تفاخروا بها وبعظمتها , سیدة أعطت ما أعطت فاستحقت أن یخلّدها التاریخ ویذکر تضحیاتها , ویکتب اسمها بکلمات من ذهب برّاق ؛ لتکون طریقاً وقدوة لکلِّ المؤمنات , تلک هی اُمّ المؤمنین وزوجة سید المرسلین (صلّى الله علیه وآله) خدیجة بنت خویلد (علیها السّلام) , فهی ـ وکما تروی لنا المصادر ـ قرشیة أباً واُمّاً .
أبوها خویلد بن أسد بن عبد العزى بن قصی ، وفی قصی هذا تجتمع خدیجة مع النبی (صلّى الله علیه وآله) ، وهو من بنی لؤی بن غالب ، واُمّها فاطمة بنت زائدة بن الأصم بن رواحة , وهو من بنی لؤی بن غالب أیضاً ، وفی لؤی هذا تجتمع خدیجة مع النبی (صلّى الله علیه وآله) من جهة اُمّها .
ومن هنا نعلم أنّ خدیجة قد وُلدت من والدین کلیهما من أعرق الاُسر فی الجزیرة العربیة , وینتهی نسبها مع النبی (صلّى الله علیه وآله) إلى لؤی بن غالب بن فهر . وبالإضافة إلى شرف نسبها أنها کانت مفطورة على التدیّن وحسن السیرة وراثةً وتربیةً ، وکانت أیام الجاهلیّة تدعى : الطاهرة , وسیدة نساء قریش .
وُلدت السیدة خدیجة (سلام الله علیها) بمکّة المکرمة قبل عام الفیل الذی ولد فیه النبی (صلّى الله علیه وآله) بخمس عشرة سنة ، وقد تزوّجها رسول الله (صلّى الله علیه وآله) وعمرها أربعون سنة , وعمر رسول الله (صلّى الله علیه وآله) یومئذ خمس وعشرون سنة على الأشهر , وکان زواجه بها قبل البعثة بخمس عشرة سنة .
فحینما بُعث النبی (صلّى الله علیه وآله) بالرسالة کان عمره الشریف أربعین سنة ، وکان عمر خدیجة خمساً وخمسین سنة ، فبقیت مع النبی (صلّى الله علیه وآله) قبل بعثته خمس عشرة سنة ، وبعد البعثة عشر سنین ؛ حیث قُبضت (سلام الله علیها) فی السنة العاشرة من البعثة , فی العاشر من شهر رمضان المبارک , وعمرها یومئذ خمس وستون سنة , وعُمر النبی (صلّى الله علیه وآله) خمسون سنة , وهی أول امرأة تزوّجها رسول الله (صلّى الله علیه وآله) , ولم یتزوج علیها مدة حیاتها بالإجماع .
الخِطبة والزواج
حضر هذه المراسیم أبو طالب (علیه السّلام) , وکان أول المتکلمین ؛ إذ ألقى خطبة ذکر فیها عظمة ومنزلة النبی الکریم (صلّى الله علیه وآله) وشرفه وفضله ، ثمّ خطب خدیجة للنبی (صلّى الله علیه وآله) من والدها خویلد الذی خیّرها فی هذا الأمر ، حینها استأذنت خدیجة (سلام الله علیها) عمّها عمرو بن أسد الذی کان کبیر قومه ، فأعلنت موافقتها , وقالت بأنّ مهرها سیکون من مالها .
ثمّ قام عمّها فخطب فی الحاضرین خطبة بلیغة ختمها بقوله : زوّجناها ورضینا به . وبعد ذلک أعلنها على الملأ بکلِّ صراحة : مَن ذا الذی فی الناس مثل محمِّد ؟!
وقال خویلد فی مراسیم الخطبة : یا معشر العرب ، لم تظلّ السماء ولم تقلّ الأرض رجلاً أفضل من محمّد ، فاشهدوا أنّی أنکحته ابنتی , وأنّی لأفخر بهذا الارتباط المقدّس .
ملامح السیدة خدیجة (سلام الله علیها) فی مرآة الوحی
بعد عامین من بعثة الرسول (صلّى الله علیه وآله) التی بدأت من بیت خدیجة ، وفی طریق عودته من معراجه فی شهر ربیع الأوّل ، جاءه أمین الوحی جبریل (علیه السّلام) وقال له : حاجتی أن تقرأ على خدیجة من الله ومنّی السّلام . وعندما أبلغ الرسول الأکرم (صلّى الله علیه وآله) زوجه خدیجة (علیها السّلام) سلامَ الله تعالى , قالت : إنّ الله هو السّلام ، منه السّلام وإلیه السّلام .
فی إحدى الحملات الوحشیة لقریش انتشرت إشاعة اغتیال النبی الکریم (صلّى الله علیه وآله) ، فهامت السیّدة خدیجة (علیها السّلام) على وجهها فی الودیان والصحاری المحیطة بمکّة بحثاً عن حبیبها ، وکانت الدموع تنهمر على خدّیها ، فما کان من جبریل (علیه السّلام) إلاّ أن نزل على الرسول الأکرم (صلّى الله علیه وآله) وقال له : لقد ضجّت ملائکة السماء لبکاء خدیجة (علیها السّلام) ، ادعُها إلیک وأبلغها سلامی , وقل لها بأنّ ربّها یقرئها السّلام ویبشّرها بقصر فی الجنّة ، لا صخب فیه ولا نصب .
نظرة إلى سیرة السیّدة خدیجة (علیها السّلام)
لقد کانت هذه السیّدة الکریمة إلى جانب شریک حیاتها فی جمیع الأحداث المریرة والمسرّة ، تتقاسم معه حلوها ومرّها ، وکانت دوماً تحرص على سلامته , فتبعث غلمانها لیُطمئنوها علیه ویتفقّدوا أحواله ، وفی بعض الأحیان تفعل ذلک بنفسها ؛ فقد رافقته مراراً إلى غار حراء .
وذات مرّة صعدت إلى جبل النور , قاطعة مسالکه الوعرة , وحاملة صرّة طعام ترید إیصالها إلى النبی الکریم (صلّى الله علیه وآله) فی غار حراء ، فأنهکها التعب ، فوقعت عیناها على زوجها المشفق ، فنزل الوحی لیشکر لها جهودها المخلصة .
کان أبو لهب وزوجته اُمّ جمیل یجمعان الأشواک من الصحاری والقفار لیضعاها فی طریق الرسول الکریم (صلّى الله علیه وآله) ، وکانت السیّدة خدیجة (علیها السّلام) تبعث بغلمانها لیرفعوا تلک الأشواک عن طریقه .
لقد حاصرت قریش النبی (صلّى الله علیه وآله) وآل بیته فی شعب أبی طالب لثلاث سنوات متتالیة , فمنعت عنهم الطعام والشراب , والبیع والشراء ، وکاد القوم أن یهلکوا لولا أنّ السیّدة خدیجة (علیها السّلام) سارعت بأموالها لنجدتهم ؛ حیث کانت تهیِّئ الطعام من السوق بأضعاف قیمته , وترسله إلیهم عن طریق ابن أخیها حکیم بن حزام ؛ لیسدّوا رمقهم به .
أول سیّدة فی الإسلام
لقد کانت السیّدة خدیجة (علیها السّلام) على دین أبیها إبراهیم (علیه السّلام) , وذلک قبل أن یُبعث الرسول الکریم (صلّى الله علیه وآله) ، وکانوا یُعرفون بالحنفاء ، وقد آمنت فی الیوم الأول من بعثة المصطفى (صلّى الله علیه وآله) کما جاء فی الحدیث الشریف : (( أوّل مَن آمن بالنبی (صلّى الله علیه وآله) من الرجال علی (علیه السّلام) , ومن النساء خدیجة (علیها السّلام) )) .
عندما رجع الرسول الکریم (صلّى الله علیه وآله) من غار حراء وهو ینوء بثقل الرسالة العظیمة کانت السیّدة خدیجة (علیها السّلام) فی استقباله , حیث قالت له : أیّ نور أرى فی جبینک ؟! فأجابها : (( إنّه نور النبوّة )) . ومن ثمّ شرح لها أرکان الإسلام ، فقالت له : آمنت وصدّقت , ورضیت وسلّمت .
أوّل سیّدة مُصلّیة
کانت السیّدة خدیجة أول سیّدة فی الإسلام تصلّی ؛ إذ إنّه لسنوات طویلة انحصر الإیمان بالدین الإسلامی بخدیجة والإمام علی (علیهما السّلام) ، وکان الرسول الأعظم یذهب إلى المسجد الحرام ویستقبل الکعبة , وعلی (علیه السّلام) إلى یمینه , وخدیجة خلفه ، وکان هؤلاء الثلاثة هم النواة الأولى لاُمّة الإسلام ، وکانوا یعبدون معبودهم الواحد إلى جانب کعبة التوحید .
خدیجة (علیها السّلام) أفضل اُمّهات المؤمنین
کان رسول الله (صلّى الله علیه وآله) یفضّل خدیجة على کافة أزواجه من جهات عدیدة توجب علیه ذلک التفضیل ؛ وهی کونها اُمّ أولاده ، ومنها انحصر بقاء ذرّیته , بالإضافة إلى کونها أوّل امرأة آمنت به وصدّقته وصلّت معه کما مرّ تحقیقه .
ثمّ ما کانت تقوم به من تفریج همومه وتسلیته , حتّى قال ابن إسحاق : کان رسول الله (صلّى الله علیه وآله) لا یسمع شیئاً یکرهه ؛ من ردٍّ علیه ، وتکذیب له , فیحزنه ذلک إلاّ فرّج الله عنه بخدیجة (رضی الله عنها) ؛ إذا رجع إلیها تثبته , وتخفف عنه وتصدّقه ، وتهوّن علیه أمر الناس , وما زالت على ذلک حتّى لحقت بربها .
ثَراؤها وبَذلها الأموال لنشر الدعوة الإسلامیّة
ثمّ ما بذلته من أموالها الطائلة فی سبیل نشر دعوته الحقة ، الأمر الذی أشار إلیه القرآن المجید وجعله نعمة عظمى أنعم الله بها علیه , بقوله مخاطباً له : (وَوَجَدَکَ عَائِلاً فَأَغْنَى)(الضحى/ 8). فقد ذکر الکثیر من المفسرین أنّ المراد من هذه الآیة الکریمة : أی وجدک فقیراً فأغناک بأموال خدیجة أوّلاً ، وبالغنائم الکثیرة وغیرها ثانیاً , حتّى ورد أنه إنما قام الإسلام بأموال خدیجة وسیف علی بن أبی طالب (علیهما السّلام) .
مکانتها عند الله تعالى
وما کانت هذه المنزلة السامیة لخدیجة عند رسول الله (صلّى الله علیه وآله) لمجرد عاطفة ومیلان نفسی ، بل إنما کانت باستحقاق ؛ لتفرّدها عن جمیع نساء زمانها فی اتّصافها بکلِّ فضل وفضیلة ؛ إذ من المعلوم أن النبی (صلّى الله علیه وآله) لا یحابی أحداً ، ولا یعطی المنزلة السامیة إلاّ لمن یستحقها .
ومنزلتها هذه عند النبی (صلّى الله علیه وآله) الصادق الأمین مستمدة من منزلتها الرفیعة عند الله تعالى وعظیم مقامها لدیه ، حتّى إنّ الله تعالى بعث إلیها سلاماً خاصاً على لسان النبی (صلّى الله علیه وآله) ؛ فقد روى العیاشی فی تفسیره من طرق عدیدة عن أبی جعفر الباقر (علیه السّلام) أنه قال : (( حدّث أبو سعید الخدری أنّ رسول الله (صلّى الله علیه وآله) قال : إنّ جبرئیل قال لی لیلة الإسراء حین رجعت وقلت : یا جبرئیل , هل لک من حاجة ؟ قال : حاجتی أن تقرأ على خدیجة من الله ومنّی السّلام ، وأنّها قالت حین أبلغها رسول الله (صلّى الله علیه وآله) السّلام من الله وجبرئیل : إنّ الله هو السّلام , ومنه السّلام , وإلیه یعود السّلام , وعلى جبرئیل السّلام )) .
ربّ العزة یبعث السّلام مراراً إلى خدیجة (علیها السّلام)
ویظهر من الأخبار أنّ الله بعث إلیها السّلام مراراً عدیدة لا مرة واحدة ؛ فقد روى ابن حجر العسقلانی فی (الإصابة) نقلاً عن (صحیح مسلم) من حدیث أبی زرعة أنه قال : قال رسول الله (صلّى الله علیه وآله) : (( أتانی جبرئیل فقال : یا رسول الله , هذه خدیجة أتتک ومعها إناء فیه طعام وشراب , فإذا هی أتتک فاقرأ علیها من ربها السّلام ومنی )) .
وقال ابن عبد البر فی (الاستیعاب) : وروی من وجوه أنّ النبی (صلّى الله علیه وآله) قال : (( یا خدیجة , إنّ جبرئیل یقرئک السّلام )) . ثمّ قال : وبعضهم یروی هذا الخبر أن جبرئیل قال : یا محمّد , اقرأ على خدیجة من ربها السّلام . فقال النبی (صلّى الله علیه وآله) : (( یا خدیجة , هذا جبرئیل یقرئک السّلام من ربک )) . فقالت خدیجة : الله هو السّلام ، ومنه السّلام ، وعلى جبرئیل السّلام .
بیتها فی الجنّة وصفته
ومن عظیم منزلتها عند الله تعالى أنه بشّرَها على لسان رسوله (صلّى الله علیه وآله) فیما أوحاه إلیه ببشارة خاصة ببیت لها فی الجنّة . قال ابن حجر فی (الإصابة) : وفی الصحیحین عن عائشة أن رسول الله (صلّى الله علیه وآله) بشّرَ خدیجة ببیت فی الجنة من قصب , لا صخب فیه ولا نصب .
وجاء فی تفسیر الحدیث :
القصب : ما کان مجوفاً کالأنابیب ، ومستطیلاً , مکوّناً من ذهب , ومرصّعاً بالجوهر والدر الرطب , والزبرجد الرطب ، أو یکون من الجوهر ومرصّع بأنواع الدر والزبرجد والیاقوت .
والصخب : هو شدة الصوت من الضجة , واضطراب الأصوات والتصایح .
والنصب : هو العناء والتعب .
عن النبی (صلّى الله علیه وآله) قال : (( خیر نسائها خدیجة بنت خویلد ، وخیر نسائها مریم بنت عمران )) .
وهذا الحدیث روته الصحاح والسنن ، ویقول بعض الشراح : إنّ الضمیر فی قوله (خیر نسائها) یعود إلى الأرض , أی خیر نساء الأرض . وفسّروه بأنّ کلاً من مریم وخدیجة هی خیر نساء الأرض فی زمانها وعصرها .
وفاتها (سلام الله علیها) ووصایاها 
وما زالت خدیجة (سلام الله علیها) قائمة فی شؤون رسول الله (صلّى الله علیه وآله) , باذلة له کلّ ما تقدر علیه من الخدمة ، ومشارکة له فی جهاده وجهوده فی الدعوة إلى الله تعالى وإلى دینه القویم , ومواسیة له فی کافة المحن والنوائب حتّى لحقتْ بربّها صابرة مجاهدة , ومؤازرة مواسیة .
وکانت وفاتها فی السنة العاشرة من البعثة , فی الیوم العاشر من شهر رمضان على ما نصّ علیه السیّد محسن العاملی فی کتابه (مفتاح الجنات 3 / 256) .
روى أخطب خوارزم الحنفی فی کتابه (مقتل الحسین 1 / 28) بسنده حدیثاً طویلاً یتضمن دخول رسول الله (صلّى الله علیه وآله) على خدیجة (سلام الله علیها) حینما حضرتها الوفاة , وما بشّرها به (صلّى الله علیه وآله) من البشائر العدیدة التی ستقدم علیها , ونحن نذکره مختصراً :
قال : دخل رسول الله (صلّى الله علیه وآله) على خدیجة بنت خویلد امرأته وهی فی حال الموت , فشکت إلیه شدّة کرب الموت , فبکى رسول الله (صلّى الله علیه وآله) ودعا لها ، ثم قال لها : (( اقدمی خیر مقدم یا خدیجة , أنت خیر اُمّهات المؤمنین , وأفضلهن , وسیدة نساء العالمین إلاّ مریم وآسیة امرأة فرعون . أسلمتُک یا خدیجة على کره منی , وقد جعل الله للمؤمنین بالکره خیراً کثیراً . الحقی یا خدیجة بأُمّک حواء فی الجنّة ، وبأُختک سارة أُمّ إسحاق التی آمنت بالله جل جلاله …
اقدمی یا خدیجة على اُختک اُمّ موسى وهارون التی ربط الله على قلبها بالصبر لتکون من المؤمنین ، وأوحى الله إلیها کما أوحى إلى الأنبیاء والمرسلین …
واقدمی على اُختک کلثم بنت عمران اُخت موسى وهارون …
واقدمی على اُختیک یا خدیجة ؛ على آسیة ومریم , لا مثیل لهما من نساء العالمین ، وقد جعلهما الله مثلاً للذین آمنوا من الرجال والنساء , یقتدی بهما کلُّ مؤمن ومؤمنة . وإنّ ربِّی زوجنیهما لیلة اُسری بی عند سدرة المنتهى , فهما ضرّاتک یا خدیجة … )) .
فضحکت خدیجة وهی ثقیلة بالموت , وقالت له : هنیئاً لک یا رسول الله , بارک الله لهما فیک , وبارک الله لک فیهما . الحمد لله الذی أقرّ عینیک بهما ، وما هما ضرّتای یا رسول الله ؛ لأنه لا غیرة بیننا , ولکنهما اُختای .
فقال النبی (صلّى الله علیه وآله) : (( هذا والله الحق المبین , وتمام الیقین , والفضل فی الدین … )) إلخ .
وروى المازندرانی الحائری فی کتابه (شجرة طوبى 2 / 22) مرسلاً , قال : ولما أشتدّ مرض خدیجة قالت : یا رسول الله , اسمع وصایای :
أوّلاً : فإنّی قاصرة فی حقّک فأعفنی یا رسول الله . قال (صلّى الله علیه وآله) : (( حاشا وکلاّ , ما رأیت منک تقصیراً ؛ فقد بلغت جهدک , وتعبت فی داری غایة التعب , ولقد بذلت أموالک وصرفت فی سبیل الله جمیع مالک )) .
ثمّ قالت یا رسول الله , الوصیة الثانیة : اُوصیک بهذه , وأشارت إلى فاطمة (علیها السّلام) , فإنها غریبة من بعدی , فلا یؤذیها أحد من نساء قریش .
وأمّا الوصیة الثالثة : فإنی أقولها لابنتی فاطمة , وهی تقول لک ؛ فإنی مستحیة منک یا رسول الله .
فقام النبی (صلّى الله علیه وآله) وخرج من الحجرة ، فدعت فاطمة وقالت لها : یا حبیبتی وقرة عینی , قولی لأبیک : إنّ اُمّی تقول : أنا خائفة من القبر , اُرید منک رداءک الذی تلبسه حین نزول الوحی علیک تکفننی فیه . فقالت ذلک لأبیها , فسلّم النبی (صلّى الله علیه وآله) الرداء إلى فاطمة , وجاءت به إلى اُمّها فاسترت به سروراً عظیماً .
فلمّا توفیت خدیجة أخذ رسول الله (صلّى الله علیه وآله) فی تجهیزها وغسلها , وحنّطها , فلمّا أراد أن یکفّنها هبط علیه الأمین جبرئیل (علیه السّلام) وقال : یا رسول الله , إنّ الله یقرئک السّلام , ویخصّک بالتحیة والإکرام , ویقول لک : (( إنّ کفن خدیجة من عندنا ؛ فإنها بذلت مالها فی سبیلنا )) . ودفع إلیه کفناً جاء به من الجنة ، فکفّنها رسول الله (صلّى الله علیه وآله) بردائه الشریف أوّلاً , وبما جاء به جبرئیل ثانیاً , فکان لها کفنان ؛ کفن من الله , وکفن من رسول الل ه(صلّى الله علیه وآله) .
المزار الطاهر للسیدة خدیجة (سلام الله علیها)
یقع المزار الطاهر للسیّدة خدیجة (علیها السّلام) فی بطن جبل حجون ، حیث کان على مدى أربعة عشر قرناً مزاراً یحجّ إلیه ملایین المسلمین فی موسم الحجّ والعمرة ؛ لینهلوا من فیض نوره ، وقد أفتى العدید من مراجع الشیعة باستحباب زیارة القبر . ولقرون عدیدة کانت تعلو القبر ضریح وقبّة شامخة ، حتّى جاء العام 1344 هـ فسوّی الضریح بالأرض من قِبل الزُّمَر الوهابیّة الضالة ؛ تزامنا مع الاعتداء على مراقد الأئمة الأطهار المعصومین (علیهم السّلام) فی مقبرة البقیع .
خدیجة عند الرسول (صلّى الله علیه وآله)
لقد رویت عن الرسول الأکرم (صلّى الله علیه وآله) أحادیث کثیرة فی مناقب السیّدة خدیجة (علیها السّلام) ، نسلّط الضوء على بعض منها :
1 ـ (( یا خدیجة , إنّ الله (عزّ وجلّ) لیباهی بک کرام ملائکته کلّ یوم مراراً )) .
2 ـ (( والله ما أبدلنی الله خیراً منها ؛ قد آمنت بی إذ کفر بی الناس ، وصدّقتنی إذ کذّبنی الناس ، وواستنی بمالها إذ حرمنی الناس ، ورزقنی الله أولادها وحرمنی أولاد الناس )) .
3 ـ (( خیر نساء العالمین مریم بنت عمران ، وآسیة بنت مزاحم ، وخدیجة بنت خویلد , وفاطمة بنت محمّد (صلّى الله علیه وآله) )) .
4 ـ (( خیر نساء الجنّة خدیجة بنت خویلد ، وفاطمة بنت محمّد ، ومریم بنت عمران ، وآسیة بنت مزاحم (امرأة فرعون) )) .
5 ـ (( خدیجة سبقت جمیع نساء العالمین بالإیمان بالله وبرسوله )) .
6 ـ (( أحببتها من أعماق فؤادی )) .
7 ـ (( أحبّ من یحبّ خدیجة )) .
8 ـ (( لم یرزقنی الله زوجة أفضل من خدیجة أبداً )) .
9 ـ (( لقد اصطفى الله علیّاً والحسن والحسین , وحمزة وجعفراً , وفاطمة وخدیجة على العالمین )) .
10 ـ وقال (صلّى الله علیه وآله) یخاطب عائشة : (( لا تتحدّثی عنها هکذا ، لقد کانت أوّل من آمن بی ، لقد أنجبتْ لی وحُرِمتِ )) .
ومَن أعظمُ من خدیجة (علیها السّلام) وهی من أحَبّها الله ورسوله , فکانت خیر زوجة لخیر إنسان , وأعظم اُمٍّ لأعظم وأطهر سیدة خلقها الله تعالى , ومن رحمِها الشریف المبارک استمرت دعوة التوحید ، فسلامٌ علیها یوم وُلدت , ویوم رحلتْ إلى جوار ربها راضیّة مرضیّة , ویومَ تُبعث مع الرسُل والصالحین , جعلنا الله وإیّاکم من شفعائها بحقِّ محمّد وآله الطاهرین (صلوات الله علیهم أجمعین) .
ـــــــــــــــــــــ
(*) تجدر الإشارة إلى أنّ هذا المقال قد اُخذ عن شبکة السادة المبارکة , مع مراجعة وضبط النص (موقع معهد الإمامین الحسنین) .


تعليقات المستخدم

عدد التعليقات 0

ارسال تعليق



محتويات المادة المذكورة أعلاه