الإستبصار (موقع يهتم بشؤون المستبصرين )
لا ريب في أن استعمال كلمة ( عاشوراء ) ينصرف إلى يوم العاشر من شهر مُحرَّم الحرام ، وهو ذكرى شهادة الإمام الحسين ( عليه السلام ) .
وقد نصَّ اللُّغويون على أنَّ هذا الاسم اِسمٌ إسلامي ، ولم يكن يُعرف في الجاهلية ، وعليه فكيف نفسر ما جاء في الخبر :عن عائشة قالت : كان يوم عاشوراء تَصومُه قريش في الجاهلية , وكان رسول الله يصومه في الجاهلية ، فلما قدم المدينة صامه ، وأمر بصيامه , فلما فُرِض رمضان ترك يوم عاشوراء , فمن شاءَ صَامَه ، ومن شاء تركه .
وكأنها عَلَّلَتْ صومهم فيه في خبر آخر عنها : قالت : كانوا يصومون عاشوراء قبل أن يُفرَض رمضان , وكان يوماً تُستَر فيه الكعبة .
فلما فرض الله رمضان قال رسول الله : ( من شاء أن يصومه فَليصُمْه , ومن شاء أن يتركه فَلْيترُكه ) ، فكيف نوفِّق بين هذا الكلام وبين ما أقرَّهُ اللُّغَويون من أن اسم عاشوراء اِسمٌ إسلامي ، لم يُعرف في الجاهلية ؟
وإذا كانوا يصومونه لأنه كان يوماً تُستَر فيه الكعبة , فلماذا أضيف إلى وصف اللَّيلة ( عاشوراء ) ، ولم تكن الكعبة تستر في اللَّيل قطعاً ؟ أم هل وصفوا اليوم المذكَّر بصفة التأنيث ؟ فالعجب من العرب كيف غاب عنهم هذا ؟
والجاهلية هي عهد ما قبل الإسلام , فإذا كان النبي ( صلى الله عليه وآله ) يصوم يوم عاشوراء في الجاهلية ، فلماذا تركه بعد الإسلام ؟ فلو كان تركه لمخالفة المشركين فلماذا رجع إليه بعد الهجرة ؟ هذا ما روي عن عائشة ، وتلك هي التساؤلات التي تفرض نفسها بلا جواب شافٍ وكافٍ .
وجاء في مجموعة ثانية :
۱ – عن ابن عباس قال : قدم النبي فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء , فقال : ( مَا هذا ) ؟ قالوا : هذا يومٌ صَالحٌ , يوم نجى الله بني إسرائيل من عدوِّهم ، فصامه موسى ( عليه السلام ) ، فقال : ( إنا أحقُّ بموسى منكم ) ، فصامه ، وأمر بصيامه .
۲ – عن أبي موسى الأشعري قال : دخل النبي المدينة ، وإذا أناس من اليهود يعظِّمون عاشوراء ويصومونه , فقال النبي : ( نحن أحقُّ بصومه ) ، فأمر بصومه .
هذا ما روي عن ابن عباس ، وأبي موسى الأشعري , وليس فيه أن اليهود كانوا يسمونه عاشوراء ، فلعله كان صوم اليهود إذ ذاك موافقاً لليوم العاشر من المحرم ، ويتضح من الخبرين أمران هما :
الأول : أن اليهود يعظمون عاشوراء ، الثاني : تَعدُّه اليهودُ عِيداً .
فتعليق وصف العيد ، وتعظيم اليهود على يوم عاشوراء ، لا وَجْه له , وقد أشرنا إلى أن اللُّغويين اعتبروه ( اسم إسلامي ) ، ولم يكن يعرف في الجاهلية , أي : قبل الإسلام , وعليه فكيف عرف اليهود عاشوراء قبل الإسلام ؟
وقول النبي ( صلى الله عليه وآله ) : ( فَصومُوه أنتم ) , و( نحن أحقُّ بصومه ) ، هل يدل على الأمر بالصوم وجوباً ، أم استحباباً ؟ وظاهر الأمر أنه يدل على الوجوب كما قالوا .
وعليه فيخلو الخبر عن ذكر مدى هذا الأمر إلى متى كان أو يكون ؟ وكذلك تخلو منه أخبار ابن عباس ، وقد ذكرت المدى أخبار عائشة : فلما فرض الله رمضان قال رسول الله : ( من شاء أن يصومه فليصمه , ومن شاء أن يتركه فليتركه ) .
وقد ذكروا بلا خلاف أن الله فرض صيام شهر رمضان بنزول القرآن الكريم به في منتصف السنة الثانية للهجرة ، أي : لم يكن بين هجرته وبين نزول القرآن بفرض رمضان غير عاشوراء واحدة .
إذن فعاشوراء الأولى قد مضت ولم تأت الثانية ليصوموا يومها , حتى نزل القرآن بفرض رمضان ، فما معنى أنهم كانوا يصومون عاشوراء قبل أن يفرض رمضان ؟ وكذلك ما عن عائشة أيضاً قالت : كان عاشوراء يصام قبل رمضان , فلما نزل رمضان ، فمن شاء صام ، ومن شاء أفطر .
وعنها قالت : كان رسول الله أمر بصيام عاشوراء , فلما فرض رمضان كان من شاء صام ومن شاء أفطر , وكأنه أمر بالصيام فقط ، ولم يصوموه .
وهناك خبر آخر عن حميد بن عبد الرحمن ، أنه سمع معاوية بن أبي سفيان على منبر يوم عاشوراء عام حج يقول : يا أهل المدينة , أين علماؤكم ؟ سمعت رسول الله يقول : هذا يوم عاشوراء , ولم يكتب الله عليكم صيامه , وأنا صائم , فمن شاء فليصم ، ومن شاء فليفطر .
فهذا يتضمن تنكُّراً لصيام قريش في الجاهلية , ولصيام اليهود كذلك , وينص من أول يوم على الندب والاستحباب دون الوجوب ، ولكن يلاحظ عليه أمران :
الأول : أنه يتضمَّن اعترافاً بِعدم علم علماء أهل المدينة بالحديث عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .
الثاني : أفكان هذا قبل الهجرة ؟ أم بعدها ؟ أم بعد فتح مكة ؟ فمتى سَمعه معاوية بن أبي سفيان ؟ .
وإذا لم يكن يوم عاشوراء يوم نجاة موسى ( عليه السلام ) وبني إسرائيل من فرعون , فلا يصح ما جاء في بعض كتب الحديث مِمَّا نُسب إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من أخبار في عاشوراء ، تتضمن أنه يوم نجاة موسى ( عليه السلام ) وبني إسرائيل من الفراعنة , فهو يوم عيد الخلاص .
وإلى جانبه ذكريات أخرى , منها أنه يوم خلق اللهُ الأرضَ والجنةَ وآدمَ ( عليه السلام ) , فهو عيد الخلق , وهو يوم نجاة نوح من الغرق , ونجاة إبراهيم من الحرق .
هذا , وقد روى الشيخ بن بابويه القمي , بسنده عن جبلة المكية قالت : سمعت ميثماً التمَّار يقول : والله لَتقتُلَنَّ هذه الأمة ابن نبيِّها في المحرم لعشر مضين منه , ولَيتَّخِذَنَّ أعداءُ الله ذلك اليوم يوم بركة , وإن ذلك لكائن قد سبق في علم الله تعالى ذكره ، أعلمُ بذلك بِعهدٍ عَهِدَهُ إليَّ مولاي أمير المؤمنين ( عليه السلام ) .
قالت جبلة : فقلت : يا ميثم , وكيف يتخذ الناس ذلك اليوم الذي يقتل فيه الحسين بن علي ( عليهما السلام ) يوم بركة ؟ فبكى ميثم , ثم قال : سيزعمون بحديث يضعونه أنه اليوم الذي تاب الله فيه على آدم ( عليه السلام ) ، وإنما تاب الله على آدم في ذي الحجة .
ويزعمون أنه اليوم الذي استوت فيه سفينة نوح ( عليه السلام ) على الجودي , وإنما استوت على الجودي يوم الثامن عشر من ذي الحجة .
ويزعمون أنه اليوم الذي فلق الله فيه البحر لبني إسرائيل , وإنما كان ذلك في شهر ربيع الأول .
ويزعمون أنه اليوم الذي قبل الله فيه توبة داود ( عليه السلام ) ، وإنما قبل الله توبته في ذي الحجة .
ويزعمون أنه اليوم الذي أخرج الله فيه يونس ( عليه السلام ) من بطن الحوت ، وإنما أخرجه الله من بطن الحوت في ذي القعدة .
ثم قال : يا جبلة , إذا نظرتِ إلى الشمس حَمراء كأنها دم عبيط ، فاعلمي أن سيدكِ الحسين ( عليه السلام ) قد قُتِل .
المصدر : http://arabic.al-shia.org
الإستبصار ( http://estebsar.ir)