الإستبصار (موقع يهتم بشؤون المستبصرين ) ،
حياة القلب
أَحْيِ قَلْبَكَ بِالْمَوْعِظَةِ، وَأَمِتْهُ بِالزَّهَادَةِ، وَقَوِّهِ بِالْيَقِينِ، وَنَوِّرْهُ بِالْحِكْمَةِ، وَذَلِّلْهُ بِذِكْرِ الْمَوْتِ، وَقَرِّرْهُ بِالْفَنَاءِ، وَبَصِّرْهُ فَجَائِعَ الدُّنْيَا، وَحَذِّرْهُ صَوْلَةَ الدَّهْرِ وَفُحْشَ تَقَلُّبِ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ، وَاعْرِضْ عَلَيْهِ أَخْبَارَ الْمَاضِينَ، وَذَكِّرْهُ بِمَا أَصَابَ مَنْ كَانَ قَبْلَكَ مِنَ الْأَوَّلِينَ، وَسِرْ فِي دِيَارِهِمْ وَآثَارِهِمْ، فَانْظُر فيْمَا فَعَلُوا عَمَّا انْتَقَلُوا، وَأَيْنَ حَلُّوا وَنَزَلُوا! فَإِنَّكَ تَجِدُهُمْ قَدِ انْتَقَلُوا عَنِ الْأََحِبَّةِ، وَحَلُّوا دِيَار َالْغُرْبَةِ، وَكَأَنَّكَ عَنْ قَلِيلٍ قَدْ صِرْتَ كَأَحَدِهِمْ.
تمهيد
لقد اهتمّ الإسلام بقلب الإنسان اهتماماً بالغاً، حتى نزلت الكثير من آيات القرآن الكريم لتشرح أهمية القلب ودوره.
فالقلب هو المعيار المميز بين الإنسان الصالح وغيره، يقول تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ﴾(البقرة:204).
وببركة هذا القلب يستطيع الإنسان أن يميّز بين الحق والباطل ﴿هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِِ﴾(آل عمران:7).
وأما من أصاب قلبه المرض فإنه سيسلب التوفيق، وسيزداد مرضاً وبعداً عن الله تعالى حتى يصل إلى العذاب الأليم ﴿فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَِ﴾(البقرة:10).
وكذلك من قسا قلبه، فتسلب عنه كل بركة ﴿ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاء وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَِ﴾(البقرة:74).
وبالنتيجة فإنه سيخسر آخرته وسيستحق الغضب الإلهي والعذاب الأليم، ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ * خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌِ﴾(البقرة:6-7).
وأما صاحب القلب الحي فإنه كالأرض الصالحة الزكية التي تثمر فيها أشجار السعادة وتحيى بربيع دائم ﴿وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كَافِرُونَِ﴾(التوبة:124-125).
فالقلب إذاً له الكلمة الفصل في مصير سلوك الإنسان في الدنيا ومصيره في الآخرة، وقد علمنا الله تعالى في كتابه الكريم أن ندعو بثبات هذه القلوب على الحق ﴿رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُِ﴾(آل عمران:8)، من هنا كيف نستطيع أن نبعد هذا القلب عن مهالكه، ونؤمّن له ما يحميه ويقوي دوره الصحيح في حياتنا؟ يكون ذلك من خلال منع أسباب الظلمات، وبعث النور في القلب من جديد، وتقويته في مواجهة الفتن والتحديات.
الأمر الأول: أسباب الظلمات ورفعها:
هناك العديد من الأمور التي تتسبب بالظلمات في القلب، أشار إليها أمير المؤمنين عليه السلام في وصيته هذه، أو أشارت إليها الآيات القرآنية، لا بد من التعرف عليها لرفعها، والوقوف بوجهها، لما تشكله من خطر على هذا القلب، ومن هذه الأمور:
1- حب الدنيا
﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًاِ﴾(الكهف:28).
إن التعلق بالدنيا وحبها يفسد القلب، ويجعله ساحة سهلة أمام زمر الشيطان، من هنا لا بد للإنسان المؤمن من أن يقطع هذا التعلق بالدنيا الذي يجعلها هدفاً وغاية بدل الآخرة، وهذا ما أشار إليه أمير المؤمنين عليه السلام بقوله “وأمته بالزهادة” فلإماتة هذا الافتتان بالدنيا طريق هو عبارة عن الزهد، والزهد يحصل من خلال المعرفة، أي الإدراك والإيمان بأن هذه الدنيا ليست هي الهدف والغاية، بل هي منقطعة وليست سوى طريق للآخرة، وقد ورد في الرواية عن الإمام علي عليه السلام : “أَعرَفُ الناس بالزهادة من عرف نقص الدنيا“1.
وهناك رواية عن الإمام الصادق عليه السلام يشرح فيها معالم الزهد: “الزهد مفتاح باب الآخرة، والبراءة من النار، وهو تركك كل شيء يشغلك عن الله، من غير تأسف على فوتها، ولا اعجاب في تركها، ولا انتظار فرج منها، ولا طلب محمدة عليها، ولا عوض منها، بل ترى فوتها راحة وكونها آفة، وتكون أبداً هارباً من الآفة، معتصماً بالراحة“2.
2- ارتكاب المعاصي
سلوك الإنسان يؤثر في القلب أيضاً، فإن كان سلوكاً سيئاً يخالف حكم الله تعالى وإرشادات الإسلام، فإنه سيملأ القلب ظلاماً وحجباً، وهذا ما تؤكده العديد من الآيات القرآنية، كالآيات التالية: ﴿كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾(المطففين:14).
﴿أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأَرْضَ مِن بَعْدِ أَهْلِهَا أَن لَّوْ نَشَاء أَصَبْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَِ﴾(الأعراف:100).
﴿فأعقبهم فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُواْ اللّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَِ﴾(التوبة:77).
3- ترك الجهاد في سبيل الله
﴿وَإِذَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَجَاهِدُواْ مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُوْلُواْ الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُواْ ذَرْنَا نَكُن مَّعَ الْقَاعِدِينَ * رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَِ﴾(التوبة:86-87).
إن التخلف عن الجهاد في سبيل الله والقعود عن نصرة دينه وترك مواجهة الظالمين، له تبعات خطيرة جداً في الدنيا والآخرة، وما يهمنا الإشارة إليه الآن أثره في القلب، حيث تصرح هذه الآية الكريمة، أن هؤلاء القاعدين المتخلفين عن الجهاد طُبع على قلوبهم. ومن الطبيعي أن الذي يعيد الحياة للقلب، المشاركة في الجهاد،لذلك نجد الإنسان المجاهد أكثر نوراً، وألين قلباً، وأقرب إلى الله تعالى.
4- التخلي عن الفرص الإلهية
إن الله تعالى يوفق الإنسان خلال حياته للكثير من الفرص التي لو استغلها لجعلته أقرب إلى ساحة رضا الله تعالى، وترك الفرص بالإضافة إلى كونه خسارة لفرصة قد لا تعود، هو أيضاً سبب من أسباب موت القلوب وظلامها. يقول تعالى ﴿ِتِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَآئِهَا وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللّهُ عَلَىَ قُلُوبِ الْكَافِرِينَ﴾(الأعراف:101).
ثانياً: بعث النور في القلب من جديد
للقلب حياة وموت، فكم من إنسان حي ببدنه يعيش في هذه الأرض ولكنه ميت القلب، لا يشعر بالآخرة ولا يرى أمامه سوى هذه الدنيا. وأما لو كان القلب حياً فإن سائر أعضاء هذا الجسد سوف تنبض بالحياة لأنه هو الموجه لها وهي مطيعة له ولذا ورد في رواية عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: “القلب ملك وله جنود، فإذا صلح الملك صلحت جنوده، وإذا فسد الملك فسدت جنوده“3.
إن كل مكان تركته زمر الشيطان، علينا أن نسلط جنود الرحمان عليه من جديد، وكل مكان أزلنا أسباب الظلام عنه، يجب أن نفتح أبوابه أمام شعاع النور.
وبعد أن عرضنا شيئاً من أسباب الظلام وموت القلوب لمنعها، نستعرض أموراً تساعد على بعث النور في القلب وإحياءه من جديد.
1ـ ذكر الله
هذا الذكر الذي يتجلى ألفاظاً على اللسان هو أيضاً بحقيقته يقين في القلوب، هذا اليقين الذي يقوي القلب ويبعث فيه النور “قوه باليقين” ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾(الأنفال:2).
واليقين: هو درجة شديدة من الإيمان، فقد ورد في الرواية الترتيب التالي: عن أبي جعفر عليه السلام : “إنما هو الإسلام، والإيمان فوقه بدرجة والتقوى فوق الإيمان بدرجة، واليقين فوق التقوى بدرجة، ولم يقسم بين الناس شيء أقل من اليقين“4 .
من هنا نعلم كيف يعطي اليقين قوة القلب لدى هذا الإنسان، إنه الإدراك التام لما يترتب على الأفعال من مصالح ومفاسد، ولذا فإن صاحب اليقين لا يقدم على التجاوز عن ذلك للمعرفة التامة. فمن يتيقن بأن النار محرقة لن يقدم على رمي نفسه فيها.
2- الحكمة
“ونوره بالحكمة“: قال تعالى: ﴿يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُوا الأَلْبَابِ﴾(البقرة:269).
فالحكمة أولاً هي من عند الله، وكل ما كان من عند الله فلا بد وأن يكون خيراً لأنه مصدر كل خير، وقد وصف الله عز وجل هذا الخير بأنه كثير، فإذا كان الوصف القرآني له بهذا النحو فهذا يعني أنه من الكثرة ما لا يتصوره الإنسان.
وأما ما هي الحكمة؟ فهذا ما يفسّره الإمام الصادق عليه السلام كما في الرواية: “إن الحكمة المعرفة والتفقه في الدين، فمن فقه منكم فهو حكيم“.
وفي رواية لبيان طريق نيل الحكمة، ورد في حديث المعراج: “يا أحمد ! إن العبد إذا أجاع بطنه وحفظ لسانه علمته الحكمة، وإن كان كافراً تكون حكمته حجة عليه ووبالاً، وإن كان مؤمناً تكون حكمته له نوراً وبرهاناً وشفاءً ورحمةً، فيعلم ما لم يكن يعلم ويبصر ما لم يكن يبصر، فأول ما أبصره عيوب نفسه حتى يشتغل عن عيوب غيره، وابصره دقائق العلم حتى لا يدخل عليه الشيطان“5.
3ـ الموعظة
في الوصية “أحي قلبك بالموعظة… وذلّله بذكر الموت، وقرره بالفناء. وبصره فجائع الدنيا“.
والموعظة هي التذكير بالآخرة وبالمصير الذي لا بد وأن يصل إليه كل إنسان، فإذا سمع ذلك الإنسان لجأ إلى التوبة، وبها حياة القلب، ولذا نقرأ في دعاء الإمام السجاد عليه السلام : “إلهي ألبستني الخطايا ثوب مذلتي، وجللني التباعد منك لباس مسكنتي، وأمات قلبي عظيم جنايتي، فأحيه بتوبة منك يا أملي وبغيتي“.
ثالثاً: تقوية القلب
على الإنسان أن يصنع للقلب دفاعات وحواجز تقيه وتحرسه في مواجهة تحديات الدنيا، ويكون ذلك من خلال بعض الأمور التي أشار إليها الإمام عليه السلام في وصيته:
1- التذكير
“اعرض عليه أخبار الماضين، وذكره بما أصاب من كان قبلك من الأولين، وسر في ديارهم وآثارهم“.
تتضمن هذه الكلمات بياناً لأفضل طريق يمكن أن يسلكه الإنسان في تربية النفس في حالاته كافة، فإن كان غنياً قد أنعم الله عليه، ونظر إلى من كان قبله من الأغنياء والمترفين من الأمم السالفة علم أن مصير ذلك كله إلى زوال. وإن كان فقيراً أو مبتلى علم بأن هذه الدنيا لا تدوم لأحد ولم يكن الخلود نصيب أحد فيها.
قال تعالى: ﴿قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾(آل عمران:137).
إن لله في الأمم سنناً لا تختص بهم، بل هي قوانين وسنن عامة في الحياة تجري على الحاضرين كما جرت على الماضين سواء بسواء، وهي سنن للتقدم والبقاء، وسنن للتدهور والاندحار، التقدم للمؤمنين المجاهدين المتحدين الواعين، والتدهور والاندحار للأمم المتفرقة المتشتتة الكافرة الغارقة في الذنوب والآثام.
وفي موضع آخر من نهج البلاغة يقول الإمام علي عليه السلام: “واحذروا ما نزل بالأمم قبلكم من المثلات بسوء الأفعال، وذميم الأعمال، فتذكروا في الخير والشر أحوالهم، واحذروا أن تكونوا أمثالهم فإذا تفكرتم في تفاوت حاليهم فالزموا كل أمر لزمت العزة به شأنهم وزاحت الأعداء له عنهم، ومدت العافية به عليهم، وانقادت النعمة له معهم، ووصلت الكرامة عليه حبلهم من الاجتناب للفرقة واللزوم للألفة والتحاض عليها، والتواصي بها، واجتنبوا كل أمر كسر فقرتهم وأوهن منتهم، من تضاغن القلوب، وتشاحن الصدور وتدابر النفوس، وتخاذل الأيدي…“6
2- التحذير
“وحذره صولة الدهر وفحش تقلّب الليالي والأيام“: لا يعيش الإنسان في حياته بدوام السرور بل تتقلب به الأيام وتعصف به يميناً ويساراً، فتارة يكون بأتمّ الصحة وأخرى تجده يعاني الأمرين من المرض، وتارة تجده غنياً موفور النعمة وأخرى تجده فقيراً معدماً، وهكذا… تتقلب به الأيام من حال إلى حال، وهذا الاختلاف يصفه أمير المؤمنين بأنه يكون فاحشاً، أي كبيراً وعظيماً، لا يسيراً وسهلاً.
والإمام يدعو لتربية النفس على تحمّل هذه التقلبات التي يصاب بها الإنسان، بنحو لا تخرجه عن طاعة الله إلى معصيته أو عن الإيمان إلى الكفر.
وعن الإمام الصادق عليه السلام : “ما أعطي عبد من الدنيا إلا اعتباراً، وما زوي عنه إلا اختباراً“7 .
*وصايا الأمير، إعداد ونشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، ط1، تشرين الثاني 2008م ، ص33-45.
1- علي بن محمد الواسطي عيون الحكم والمواعظ ص 122.
2- الريشهري محمد ميزان الحكمة دار الحديث، الطبعة الأولى ج 2 ص 1168.
3- كنز العمال: 1223، 1205.
4- الريشهري محمد ميزان الحكمة دار الحديث، الطبعة الأولى ج 4 ص 3714.
5- الريشهري محمد ميزان الحكمة دار الحديث، الطبعة الأولى ج 1 ص 673.
6- نهج البلاغة: الخطبة 192.
7- الكليني الكافي دار الكتب الإسلامية، آخونديا الطبعة الثالثة ابن بابويه علي فقه الرضا مؤسسة أهل البيت: ج2 / ص 261 / حديث 6.
المصدر : شبكة المعارف الإسلامية
الإستبصار (http://estebsar.ir)
عدد التعليقات 0