بحث مفصل حول السجود على التربة الحسينية المشرّفة | قاعدة البیانات الاستبصار

آخر الأخبار

خانه » المعارف الإسلامیة » العقائد » بحث مفصل حول السجود على التربة الحسينية المشرّفة

بحث مفصل حول السجود على التربة الحسينية المشرّفة

الإستبصار (موقع يهتم بشؤون المستبصرين) ،

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الهداة وصحبه الميامين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

الإهداء

إلى صاحب التربة الدامية الذي قال فيه رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم)  : «حسين مني وأنا من حسين» وإلى روح فقيد الإسلام العلامة( الأميني)- رضوان الله تعالى عليه-.

 

مقدمة:

إن الشيعة الإمامية الذين أظهروا حبهم وولاءهم لأهل البيت استجابة لقوله تعالى «قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى» أخرج الإمام أحمد والطبراني والحاكم عن ابن عباس (رضي الله عنهما) قال لما نزلت هذه الآية قالوا يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين أوجبت علينا مودتهم فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : علي وفاطمة وابناهما (1) وإكباراً لمقامهم لقوله تعالى «إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً» روى الترمذي عن عمر بن أبي سلمة ربيب النبي (صلى الله عليه وآله) قال: لما نزلت هذه الآية إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت في بيت أم سلمة -رضي الله عنها- دعا فاطمة وحسناً وحسيناً وجللهم بكساء وعلي خلف ظهره ثم قال «اللهم هؤلاء أهل بيتي أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً» (2) .

هؤلاء الشيعة يسجدون على قطع من الأرض مقولبة يحملونها معهم والتربة الحسينية وهي عبارة عن تراب أخذ من أرض كربلاء الشاسعة المترامية الأطراف للسجود عليها لا كما يظن البعض أنها من تراب مزج بدم الإمام الحسين (عليه السلام) ولكن هذه الإضافة أكسبتها شرافة كالإضافة إلى سائر المقامات العالية وجرى عرف العقلاء على الاهتمام بهذه الأمور الاعتبارية والشيعة الإمامية اعتادوا السجود على التربة الحسينية حيث اجتمعت فيها كل الشروط التي يجب توافرها في مسجد الجبهة من طهارة وإباحة إلى آخر الشروط المقررة في الموسوعات الفقهية وقد أجمع فقهاء الأمة الإسلامية على أن السجود على الأرض هو الأفضل فحملها البعض منهم معه رعاية للاحتياط وحرصاً على الأفضلية ؛ لأن البيوت اليوم والأماكن العامة كسيت أرضيتها ببسط قطنية أو بالسجاد الصوفي أو مسقلبة أو معبدة بما يخرجها عن كونها أرضاً فيقع المصلي بين محذورين إما فوات الأفضلية أو بطلان الصلاة كما سيأتي، ولم يكن السجود على التربة عند الشيعة من الواجبات في الصلاة ؛ ولذا نراهم في المسجد الحرام وفي مسجد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم )يسجدون على قاع المسجد ؛ لأن أرضية المسجدين الشريفين مبلطة بالحجر الطبيعي أو مفروشة بالحصى وكل منهما يسمى أرضاً ويصح السجود عليه ولكن من المؤسف أن بعض إخواننا المسلمين يرمي الشيعة بالشرك والمروق عن الدين لسجودهم على هذه القطعة من الأرض وقد قال تعالى «ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمناً (3) » .

فكيف بمن يشهد الشهادتين ويؤدي الصلوات الخمس ويحج البيت الحرام إلى آخر فروع الدين ، وهل أن الاختلاف في الفروع الفقهية يوجب الخروج عن الدين والكفر  بسنة سيد المرسلين على حين نرى أن المذهب الواحد قد يختلف فقهاؤه في كثير من الفروع الفقهية ؛ لأن كل فقيه يفتي بما يؤدي إليه نظره وما أدى إليه نظره فهو حكم الله الظاهري في حقه وهكذا بالنسبة إلى الفقيه الآخر ولا نرى أن أحدهما يكفر صاحبه بل قالوا من أخطأ فله حسنة ومن أصاب فله عشر حسنات والشيعة الإمامية تضع جباهها على التربة الحسينية ؛ لأنها أرض طبيعية ، والأرض أفضل المساجد وقد صح عن الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال (جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً) (4) ولو كان الشيعة يسجدون لها لكانوا يسجدون دونها لا أن يضعوا جباههم عليها وهناك فرق بين السجود لها والسجود عليها وليس كل مسجود عليه معبوداً وإلا لكان الساجد على البساط ساجداً له والساجد على السجاد عابداً له وهكذا …على حين لا يقول بذلك أحد وما أفاده العلامة المغفور له الشيخ (عبد الحسين الأميني)- طاب ثراه- مؤلف (موسوعة الغدير الكبرى) في محاضرة ألقاها في سوريا وهي التي بين يديك – قارئي العزيز- يغني طالب الحقيقة ومن أراد أن يطلع على هذه المسألة الفقهية الهامة وقد خاض -قدس سره -في كل المسانيد والصحاح وأمهات الكتب الفقهية ثم عرض علينا في محاضرته هذه زبد هذا المخاض من الأحاديث الواردة في هذا الباب وناقشها مناقشة علمية ينجلي فيها الريب عن كل من له قلب أو القى السمع وهو شهيد وصنّف ما ورد من أحاديث في السجود إلى ثلاثة أقسام:

(1) السجود على الأرض (2) السجود على النبات كالحصير والفحل (حصير كبير مصنوع من سعف النخل) والخمرة (حصير صغير من سعف النخل يتخذ للصلاة) (3) السجود على الثياب القطنية أو الصوفية، وسلط الأضواء على هذا القسم الثالث وكانت روايات هذا القسم يفسر ظرفها حيث كانت جميعها إلاّ ما شذ صريحاً في أن السجود على الثوب كان إما في صيف قائظ شديد الحر أو في برد قارس يتعذر أو يتعسر مباشرة المصلين فيه للأرض اللاهبة أو القارسة وقاعدة لا ضرر ولا ضرار في الإسلام لها الحكومة على سائر الأدلة كما يقول الفقهاء وما ينجم عنه الضرر يحرم فعله ومن هذا نعلم أن السجود على الصوف أو القطن اختياراً يوقع المسلم في حيرة من أمره ؛ لأن ذلك لا يجوز على أساس أن العبادات توقيفية فالتعدي عنها إلى غيرها إدخال ما ليس من الدين في الدين وهو بدعة محرمة وأمر محدث وقد ورد عنه (صلى الله عليه وآله وسلم )شر الأمور محدثاتها وسيأتي تفصيل ذلك وهناك فيض من روايات جاءت في كراهة نفخ موضع السجود غصت بها كتب الحديث تفيدنا أن المسلمين ما كانوا يسجدون على غير الأرض وغير الحصر النباتية وإليك قارئي الكريم بعضاً منها …

فقد أورد الإمام مالك بن أنس في الموطأ قال (5) ( حدثني يحيى عن مالك عن أبي جعفر القارىء أنه قال رأيت عبد الله ابن عمر إذا هوى ليسجد مسح الحصباء لموضع جبهته مسحاً خفيفاً). وأورد أيضاً قال (حدثني مالك عن يحيى بن سعيد أنه بلغه أن أبا ذر كان يقول مسح الحصباء مسحة واحدة وتركها خير من حمر النعم) (6) .

والملاحظ في هذين الحديثين الالتزام بالسجود على الأرض وأورد أيضاً الحافظ عبد العظيم المنذري في كتابه الترغيب والترهيب من الحديث الشريف في السجود على الحصى وكراهة نفخ موضع السجود نورد بعضاً منها.

1 ـ قال (عن أبي ذر -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- إذا قام أحدكم في الصلاة فإن الرحمة تواجهه فلا تحركوا الحصى رووه كلهم من رواية أبي الأحوص عنه).

2ـ وعن معيقب أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قال ( لا تمسح الحصى وأنت تصلي فإن كنت لابد فاعلاً فواحدة تسوية الحصى ) رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وأبو داود وابن ماجة ) .

3 ـ وعن جابر -رضي الله عنه- قال سألت النبي عن مسح الحصى في الصلاة فقال : واحدة ولئن تمسك خير لك من مئة ناقة كلها سود الحدق رواه ابن خزيمة في صحيحه) .

4 ـ وعن أبي صالح مولى طلحة -رضي الله عنه- قال كنت عند أم سلمة زوج النبي فأتى ذو قرابتها شاب ذو حجة فقام يصلي فلما أراد أن يسجد نفخ فقالت لا تفعل فإن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-

كان يقول لغلام لنا أسود يا رباح ترب وجهك رواه ابن حيان في صحيحه (7) .

ومن مجموعة روايات كراهة النفخ وما أكثرها جاء ذكر السجود على الأرض فيها على حين كان السجود بأماكن خاصة وأماكن عامة ، فمثلاً هذا الشاب قرابة أم سلمة الذي جاء ضيفاً إلى بيت رسول الله وعادة كما قيل ولكل قادم كرامة فلم لم تفرش له أم سلمة أجود بساط عندها ؟

ولا أعتقد أن أم سلمة تفتقد وجود بساط في بيتها ولو كانت صلاته بالمسجد لقلنا إن المسجد فرش بالحصى وكل المسلمين يسجدون عليه أما والشاب يصلي في بيت أم سلمة فلا يمكن أن يأتي هذا الافتراض ومع هذا تنهاه (أم سلمة) عن نفخ موضع سجوده وتريده أن يضع جبهته على الحصى ومع غباره والذي يقال في المقام إن الذين وفقهم الله لاستقصاء أحاديث السجود الواردة في مظانها وسبر المسانيد والموسوعات الفقهية لم يوافونا ولا بحديث واحد صريح في أن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- أو أحد أصحابه المكرمين سجد على بساط من القطن أو الصوف… إذن والحالة هذه يتبين لنا أنه لا يجوز السجودعلى الصوف ولا على القطن ولا على أي شيء سوى الأرض وما أنبتت ما لم يؤكل أو يلبس وعلى القرطاس دون غيرها والعبادات -قارئي الكريم- توقيفية يقتصر على فيها مورد النص وفعل الرسول (صلى الله عليه  وآله وسلم ) وقوله هو سنة بمثابة نص قرآني نعم قد يستفاد من بعض الأحاديث أن بعض الصحابة سجد على ثياب وقد تقدم أنه يجوز ذلك عند الضرورة والضرورات تبيح المحظورات ، كما وقد أورد صاحب عمدة القارئ شرح صحيح البخاري للشيخ بدر الدين العيني تعليقاً على حديث الخمرة قال: (الرابع جواز الصلاة على الخمرة من غير كراهة) وعن ابن المسيب (الصلاة على الخمرة سنة) وقد فعل ذلك جابر وأبو ذر وزيد بن ثابت وابن عمر -رضي الله عنهم- (8) … وكانت سيرة الشيعة الإمامية العمل بالأفضل ؛ لذا يسجدون على تربة تصنع من أرض طابت وطهرت والأرض تشقى وتسعد يأخذونها من أرض كربلاء لما ورد عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) :  (حسين مني وأنا من حسين) ، و(الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة) (9) وقد قضى الحسين مجاهداً عندما رأى أن الرذيلة استولت على الفضيلة والمادية على الروحية والعدالة ذبيحة والحق صريع وقد طغى على العالم الإسلامي استبداد أموي فنهض هو وأهل بيته وصحبه الغر الميامين لتصحيح المسار والعودة بالإسلام إلى منابعه الأصيلة حتى تساقطوا صرعى في هذه البقعة الشريفة التي منها يأخذ الشيعة التربة فهي إذن توحي للمسلم الجهاد في سبيل الله والدفاع عن حياض العقيدة والجهاد باب من أبواب الجنة والجنة تحت ظلال الأسنة.

وورد في تفسير الآية الكريمة (في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه) (10) (آية 26 من سورة النور) عن الجلال السيوطي في الدر المنثور في تفسير هذه الآية قال (قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم أن بيت النبي وبيوت أهل بيته من أفاضلها وأعلاها) فاكتسبت الأرض شرافة بالأجسام الطاهرة الثاوية في رحابها والمكان بالمكين كما قيل وقد ورد في الذخائر القدسية في زيارة خير البرية أن المسلمين كانوا يستشفون بتربة حمزة بن عبد المطلب وتربة صهيب الرومي قال ما نصه (11) : (من ذلك الاستشقاء بتربة حمزة وتربة صهيب اللذين استثنيا من حرمة نقل تراب الحرم المدني إلى غيره فيجوز نقلها كما سننبه على ذلك … أما الأول فهو مجرب للصداع وأما الثاني فقد جربه العلماء للشفاء من الحمى شرباً وغسلاً لكن الشرب هو الوارد في حديث ابن النجار وغيره لما أصابت بني الحرث قال لهم النبي (صلى الله عليه  وآله وسلم ) أين أنتم من تراب صهيب قالوا وما نصنع به قال تجعلونه في الماء إلى آخر الحديث).

ومن المعلوم أن مقام الحسين (عليه السلام) أجل وأسمى من مقام حمزة وصهيب -رضوان الله عليهما –  عند الله وعند رسوله للأحاديث الواردة فيه من الرسول العظيم والتي تشيد بذكره وعلو مكانته ولقائل أن يقول لماذا لم يحمل معهم الصحابة والسلف الصالح تربة من أرض الحرمين الشريفين في سفرهم و حضرهم نقول في جواب ذلك بما ذكره صاحب الذخائر القدسية من حرمة نقل تراب الحرم المدني وطبعاً الحرم المكي بطريق أولى فقد أورد -رضوان الله عليه- (12) (أن لا ينقل معه شيئاً من حجارة حرم المدينة وترابها فإن ذلك حرام عند أئمتنا ولو إلى مكة وإن نوى رده إليه كما في التحفة نعم استثنوا من ذلك نقل تراب احتيج إليه للدواء كتراب مصرع حمزة -رضي الله عنه- للصداع وتربة صهيب -رضي الله عنه- كما مر التنبية عليه لإطباق السلف والخلف على نقل ذلك ومنه يعلم حرمة نقل الآجر والاكر والأواني المعمولة من تراب المدينة إلا إن اضطر إلى آنية لنحو ماء بأن لا يجد غيرها حساً وشرعاً وإلا وجب عليه ردها وإن انكسرت الآنية كما استظهره في التحفة وإلا كان آثماً ولا ينقطع دوام عصيانه إلا بردها مادام قادراً عليه) وإجماع الفقهاء على المنع كما ذكره صاحب الذخائر القدسية عاق سكان الحرمين عن حمل تربة من هذه الديار المقدسة ، ولو رجعنا إلى مذهب أهل البيت ورد فيهم أن الرسول -صلى الله عليه  وآله وسلم- قال (إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض (13) لرأينا فيضاً من نصوص حديثية وردت عنهم (عليهم السلام) صريحة في أن ما يسجد عليه هو الأرض أو نباتها أو القرطاس (الورق) وغير ذلك لا يجوز السجود عليه كصحيح هشام بن الحكم أنه قال للإمام جعفر الصادق (عليه السلام) أخبرني عما يجوز السجود عليه ، وعما لا يجوز؟ قال (عليه السلام) لا يجوز السجود إلا على الأرض أو على ما أنبت الأرض إلا ما أكل أو لبس فقال له (عليه السلام) جعلت فداك ما العلة في ذلك؟ قال (عليه السلام)؛ لأن السجود خضوع لله عز وجل فلا ينبغي أن يكون على ما يؤكل ويلبس لأن أبناء الدنيا عبيد ما يأكلون ويلبسون والساجد في سجوده في عبادة الله عز وجل فلا ينبغي أن يضع جبهته في سجوده على معبود أبناء الدنيا الذين اغتروا بغرورها (14) . والحقيقة أن الصلاة مظهر عبودي لله، علينا لأن نكون مخلصين له الدين ولا نشرك بعبادة ربنا أحداً ؛ ولذا قال الفقهاء ببطلان الصلاة مع الرياء لأن نية القربة بدأت تتأرجح والمردد لا يقع فكذلك السجود على الملبوس والمأكول له انعكاسات على نية التقرب يمكن أن تأتي بمردود غير مستحسن تتساقط أمامه نية التقرب إلى الله.

والخلاصة يصح للمسلم أن يسجد على ما يطلق عليه سواء أكان أرضاً  أو تراباً أو صخراً أو رملاً أو طيناً أو على الرخام (الحجر الطبيعي) لأن كل ذلك يسمى ارضاً وعلى كل نبات بشرط أن لا يكون مأكولاً كسائر الفواكه والبقول التي اعتاد الناس أكلها كالتمر والتفاح والبصل والبطاطا، أما النوى والقشور وورق الأشجار وأخشابها وسعف النخل فلا مانع من السجود عليها كما لا يجوز السجود على ما يلبس كالقطن والكتان والقنب والمنسوج منهما، كما ويجوز السجود على القرطاس (الورق) فقد سأل داود ابن فرقد أبا الحسن (عليه السلام) عن القراطيس والكواغد المكتوب عليها هل يجوز السجود عليها أم لا؟ فكتب (عليه السلام) يجوز (15) .

وقد يقال لماذا لم يكن رسول الله يحمل تربة معه؟

يجاب عن ذلك:

أولاً /  بناءاً على ما تقدم من عدم جواز نقل تراب الحرمين إلى غيرهما حتى من أحدهما إلى الآخر.

وثانياً / إن تصرفات الرسول الشخصية كلبس ثوب خاص وعمامة خاصة بشكلية خاصة، فنحن غير ملزمين بأن نلبس مثل ذلك لوناً وحجماً وشكلاً وإلا لما جاز أن نحمل أقلاماً في جيوبنا لأن رسول الله لم يكن يحمل قلماً في جيبه، ويقتضي أن لا يجوز لنا أن نطوق معاصمنا بساعات يدوية لأن رسول الله لم يكن يطوق معصميه بساعة يدوية وعلينا أن نترك العوينات الطبية لأن رسول الله لم يكن يستعملها وبطلانه واضح.

وثالثاً / قد تقدم أن كل الذين نقلوا لنا كيفية سجود رسول الله -صلى الله عليه  وآله وسلم- قالوا إنه كان في سجوده يباشر الأرض بجبهته الشريفة أو يسجد على الحصر وقد ورد أيضاً عن أبي حميد أنّ النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- كان إذا سجد أمكن أنفه وجبهته من الأرض، رواه أبو داوود والترمذي وصححه (16) . وكان مسجده الشريف في حينه مفروشاً بالحصباء فلماذا يتحمل عناء حمل تربة معه والتاريخ الصحيح والسنة النبوية النقية وكبار الفقهاء يشهدون أن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- ما سجد على قطن أو صوف نعم في حالة إن صحت فهي اضطرارية حيث كانت في شدة حر أو برد كما ورد في نفس الأحاديث، وأما التي خلت من ذلك القيد وجاءت مطلقة فالذي يحب فيها أن تقيد بالتي ذكر فيها الحر والبرد على أصول الجمع بين الأحاديث كما يقرر ذلك أهل العلم من حمل المطلق على المقيد. وقد أورد القسطلاني في كتابه إرشاد الساري شرح صحيح البخاري قال روي أن عمر بن عبدالعزيز أنه كان يؤتى بتراب فيوضع على الخمرة فيسجد عليها (17) .

وختاماً… اللهم أخرجنا من ظلمات الوهم وأكرمنا بنور الفهم… اللهم افتح علينا أبواب رحمتك ويسر علينا خزائن علومك برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

 

– السجدة وما يصح السجود عليه:

 

واتخاذ الأرض مسجداً فإن الواجب المتسالم عليه على المصلي لدى جميع الأمة المسلمة عن بكرة أبيهم أن يسجد على الأرض.

ومرفوعة: جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً من المتفق عليه أصفق عليها أئمة المذاهب.

ولا مندوحة لدى الاختيار والإمكان من السجود عليها أو على ما ينبت منها كما يأتي حديثه.

وأخذ الصحابة الأولين حصاة المسجد عند حرارتها في الظهائر وتبريدها بتقليبها باليد كما سيوافيك حديثه يومئ إلىعدم كفاية غيرها مهما يتمكن المصلي من السجود عليها ولو بالعلاج ورفع العذر.

وكذلك حديث افتراشه -صلى الله عليه وآله- تحت يديه اللباس عند حرارة الحصاة وبرودتها والسكوت عن الافتراش على المسجد والسجود عليه يؤيد إيجاب السجدة على التراب فحسب ليس إلا وأما حين عدم تيسر السجود عليها والتمكن منه لحرارة قارصة أو لإيجاب عذر آخر فلا وازع عندئذ من السجود على غيرها إذ الضرورات تبيح المحظورات والأحاديث الواردة في الصلاة على الحصير والفحل (18) والخمرة وأمثالها تسوغ جواز السجدة على ما ينبت من الأرض غير المأكول والملبوس والأنسب بالسجدة التي إن هي إلا التصاغر والتذلل تجاه عظمة المولى سبحانه ووجاه كبريائه أن تتخذ الأرض لديها مسجداً يعفر المصلي بها خده ويرغم أنفه لتذكر الساجد لله طينته الوضيعة الخسيسة التي خلق منها، وإليها يعود، ومنها يعاد تارة أخرى حتى يتعظ بها، ويكون على ذكر من وضاعة أصله ؛ ليتأتى له خضوع روحي، وذل في الباطن. وانحطاط في النفس، واندفاع في الجوارح إلى العبودية، وتقاعس عن الترفع والأنانية، ويكون على بصيرة من أن المخلوق من التراب حقيق وخليق بالذل والمسكنة ليس إلا ولا توجد هذه الأسرار قط وقط في المنسوج من الصوف والديباح والحرير، وأمثاله من وسائل الدعة والراحة مما يري للإنسان عظمة في نفسه، وحرمة وكرامة ومقاماً لديه، ويكون له ترفع وتجبر واستعلاء وينسلخ عند ذلك من الخضوع والخشوع وها نحن نقدم إلى القارئ جميع ما جاء في الصحاح الست وغيرها من أمهات المسانيد والسنن من سنة رسول الله -صلى الله عليه وآله -الواردة فيما يصح السجود عليه، ونمضي في ضوئها ونتخذها سنة متبعة، وطريقة حقة لا محيد عنها، وهي على ثلاثة أقسام:

 

القسم الأول:

ما يدل على السجود على الأرض:

 

1ـ جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً … وفي لفظ مسلم : جعلت لنا الأرض كلها مسجداً، وجعلت تربتها لنا طهوراً إذا لم نجد الماء…وفي لفظ الترمذي: جعلت لي الأرض كلها مسجداً وطهوراً، عن علي، وعبد الله بن عمر، وأبي هريرة، وجابر، وابن عباس، وحذيفة، وأنس، وأبي أمامة، وأبي ذر ‌‌‌… وفي لفظ البيهقي: جعلت لي الأرض طهوراً ومسجداً…وفي لفظ له أيضاً: جعلت لي الأرض طيبة ومسجداً وأيما أدركته الصلاة صلى حيث كان (19) .

2 ـ الأرض لك مسجداً حيثما أدركت الصلاة فصل … قاله- صلى الله عليه وآله- لأبي ذر (20) .

3 ـ ابن عباس: إن النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- سجد على الحجر.. .أخرجه الحاكم في المستدرك: 3/473 وصححه هو والذهبي.

4 ـ أبو سعيد الخدري قال: أبصرت عيناي رسول الله -صلى الله عليه  وآله وسلم-  وعلى أنفه أثر الماء والطين (21) .

5 ـ رفاعة بن رافع مرفوعاً: ثم يكبر فيسجد فيمكن جبهته حتى تطمئن مفاصله وتستوي…أخرجه البيهقي في السنن الكبرى: 2/102.

6 ـ ابن عباس، وأنس، وبريدة بإسناد صحيح مرفوعاً: ثلاثة من الجفاء: يمسح جبهته قبل أن يفرغ منصلاته وفي لفظ واثلة بن الأسقع: لا يمسح الرجل جبهته من التراب حتى يفرغ من الصلاة (22) .

7 ـ جابر بن عبد الله قال: كنت أصلي مع رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- صلاة الظهر، فآخذ بيدي قبضة من حصى في كفي تبرد حتى أسجد عليها من شدة الحر.

وفي لفظ لأحمد: كنا نصلي مع رسول الله -صلى الله عليه  وآله وسلم- صلاة الظهر، وآخذ بيدي قبضة من حصى فأجعلها في يدي الأخرى حتى تبرد ثم أسجد عليها من شدة الحر.

وفي لفظ البيهقي: كنت أصلي مع رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- صلاة الظهر فآخذ قبضة من الحصى في كفي حتى تبرد، وأضعها بجبهتي إذ سجدت من شدة الحر.

فقال البيهقي: قال الشيخ: ولو جاز السجود على ثوب متصل به لكان ذلك أسهل من تبريد الحصى في الكف ووضعها للسجود عليها، وبالله التوفيق.

مسند أحمد: 1/327، السنن الكبرى: 2/105.

8 ـ أنس بن مالك: كنا نصلي مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في شدة الحر فيأخذ أحدنا الحصباء في يده فإذا برد وضعه وسجد عليه. السنن الكبرى: 2/106.

9 ـ خباب بن الأرت قال: شكونا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم -شدة الرمضاء في جباهنا وأكفنا فلم يشكنا.

السنن الكبرى: 2/105، 107، نيل الأوطار: 2/268.

10 ـ عمر بن الخطاب: مطرنا من الليل فخرجنا لصلاة الغداة فجعل الرجل يمرّ على البطحاء فيجعل في ثوبه من الحصباء فيصلي عليه، فلما رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذاك قال: ما أحسن للذا البساط. فكان ذلك أول بدء الحصباء. وأخرج أبو داود عن ابن عمر: مطرنا ذات ليلة فأصبحت الأرض مبتلة فجعل الرجل يأتي بالحصى في ثوبه في فيبسطه تحته. الحديث.

أبو دواد: 1/75، السنن الكبرى: 2/440.

11 ـ عياض بن عبدالله القرشي: رأى رسول الله-صلى الله عليه وسلم- رجلاً يسجد على كور عمامته فأومأ بيده: ارفع عمامتك، وأومأ إلى جبهته.

«السنن الكبرى: 2/105».

12 ـ علي أمير المؤمنين: إذا كان أحدكم يصلي فليحسر العمامة عن جبهته.

«السنن الكبرى: 2/105».

13 ـ نافع: إن عبد الله بن عمر كان إذا سجد وعليه العمامة يرفعها حتى يضع جبهته بالأرض.

«السنن الكبرى: 2/105».

14 ـ عبادة بن الصامت إنه كان إذا قام إلى الصلاة حسر العمامة عن جبهته.

«السنن الكبرى: 2/105».

15 ـ أبو عبيدة: إن ابن مسعود كان لا يصلي أو لا يسجد إلا على الأرض.

أخرجه الطبراني في الكبير وعنه في المجمع: 2/57.

16ـ إبراهيم إنه كان يقوم على البردي ويسجد على الأرض. قلنا: ما البردي؟ قال: الحصير.

أخرجه الطبراني في الكبير، وعنه في المجمع: 2/57.

17 ـ صالح بن حيوان السبائي: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- رأى رجلاً يسجد بجنبه وقد اعتمّ على جبهته فحسر رسول الله -صلى الله عليه وسلم -عن جبهته.

السنن الكبرى: 2/105، نصب الراية للزيلعي:1/386.

 

القسم الثاني:

فيما ورد من السجود على غير الأرض من دون أي عذر:

 

1ـ أنس بن مالك: أن جدته مليكة دعت رسول الله -صلى عليه وسلم- لطعام صنعته له فأكل منه ثم قال: قوموا فلاصلي لكم، قال أنس: فقمت إلى حصير لنا قد اسودّ من طول ما لبس. فنضحته بماء فقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وصففت، واليتيم وراءه، والعجوز من ورائنا. الحديث.

أخرجه البخاري في صحيحه:1/101، وفي صحيح النسائي: 2/57 بلفظ: إنّ أم سلمة سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يأتيها فيصلي في بيتها فتتخذه مصلى فأتاها فعمدت إلى حصير فنضحته بماء فصلى عليه وصلوا معه.

وفي لفظ ابن ماجة في سننه: 1/255 قال: صنع بعض عمومتي للنبي طعاماً فقال للنبي -صلى الله عليه وسلم-: إني أحب أن تاكل في بيتي وتصلي فيه قال: فأتاه وفي البيت فحل من هذه الفحول فأمر بناحية منه فكنس ورش فصلى وصلينا معه.

فقال: قال أبو عبدالله ابن ماجة: الفحل هو الحصير الذي قد اسودّ. ‌

وفي سنن البيهقي: 2/421: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم – يقيل (23) عند أم سليم فتبسط له نطعاً فتأخذ من عرقه فتجعله في طيبها، وتبسط له الخمرة ويصلي عليها.

وفي السنن: 2/436 بلفظ: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أحسن الناس خلقاً فربما تحضره الصلاة وهو في بيتنا فيأمر بالبساط الذي تحته فيكنس ثم يقوم فنقوم خلفه فيصلي بنا. قال: وكان بساطهم من جريد النخل.

وفيه أيضاً بلفظ:إنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم -دخل بيتاً فيه فحل فكسح ناحية منه ورش فصلى عليه.

قال في هامش السنن: الفحل: حصير معمول من سعف فحال النخل.

وأخرجه الترمذي في الصحيح: 2/128 ملخصاً: عن أنس قال: نضح بساط لنا فصلى عليه.

2ـ ابن عباس: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصلّي على الخمرة.

صحيح الترمذي: 2/126 قال الإمام ابن العربي المالكي: الخمرة حصير الصلاة.

3 ـ أبو سعيد الخدري: إنه دخل على النبي- صلى الله عليه وسلم-، فرأيته يصلي على حصير يسجد عليه.

صحيح مسلم: 2/62، 128 (34) .

4 ـ ميمونة أم المؤمنين: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأنا حذائه وربما أصابني ثوبه إذا سجد، وكان يصلي على خمرة.

البخاري: 1/101، مسلم: 2/128، ابن ماجة: 1/320، النسائي: 2/57، البيهقي: 2/421.

وأخرج مسلم: 1/168 عن عائشة قالت: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ناوليني الخمرة من المسجد قالت: إني حائض فقال: إن حيضتك ليست في يدك.

5 ـ ابن عمر: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي على الخمرة ويسجد عليها.

أخرجه الطبراني في الكبير والأوسط.

6 ـ أم سلمة أم المؤمنين: كان لرسول الله حصير وخمرة يصلي عليها. أخرجه أبو يعلى والطبراني في الكبير والأوسط، ورجال أبي يعلى رجال الصحيح، وعن أم حبيبة مثله صحيحاً كما في المجمع: 2/57.

7 ـ أنس: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي على الخمرة ويسجد عليها.

أخرجه الطبراني في الأوسط والصغير بأسانيد بعضها صحيح، رجاله ثقات كما في المجمع: 2/57.

 

 

القسم الثالث:

فيما ورد من السجود على غير الأرض لعذر:

 

1ـ أنس بن مالك: كنا إذا صلينا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فلم يستطع أحدنا أن يمكن جبهته من الأرض من شدة الحر طرح ثوبه ثم سجد عليه.

وفي لفظ البخاري: كنا نصلي مع النبي- صلى الله عليه وسلم- فيضع أحدنا طرف الثوب من شدة الحر في مكان السجود .

وفي لفظ مسلم: كنا نصلي مع النبي- صلى الله عليه وسلم- في شدة الحر فإذا لم يستطع (25) أحدنا أن يمكن جبهته من الأرض بسط ثوبه فسجد عليه.

وفي لفظ: كنا إذا صلينا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فيضع أحدنا طرف الثوب من شدة الحر مكان السجود (26)

قال الشوكاني في النيل: الحديث يدل على جواز السجود على الثياب لاتقاء حر الأرض، وفيه إشارة إلى أن مباشرة الأرض عند السجود هي الأصل؛ لتعليق بسط ثوب بعدم الاستطاعة، وقد استدل بالحديث على جواز السجود على الثوب المتصل بالمصلي، قال النووي: وبه قال أبو حنيفة والجمهور أ. هـ.

2 ـ أنس بن مالك: كنا إذا صلينا خلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالظهائر سجدنا على ثيابنا اتقاء الحر.

أخرجه ابن ماجة في صحيحه: 2/216 وقال الإمام السندي في شرحه: الظهائر جمع ظهيرة وهي شدة الحر نصف النهار «سجدنا على ثيابنا» الظاهر أنها الثياب التي هم لابسوها ضرورة أن الثياب في ذلك الوقت قليلة، فمن أين لهم ثياب فاضلة؟

فهذا يدل على جواز أن يسجد المصلي على ثوب هو لابسه كما عليه الجمهور أ. هـ. وعلى هذه الصورة يحمل ما جاء عن ابن عباس: رأيت رسول الله يصلي يسجد على ثوبه (27) .

وأخرج البخاري في الصحيح: 1/101 في باب السجود على الثوب في شدة الحر: وقال الحسن: كان القوم يسجدون على العمامة والقلنسوة ويداه في كمه. لفت نظر: هناك حديث حمله الفقهاء على هذه الصورة أيضاً مع أنه ليس فيه ذكر عن السجدة على الثوب ألا وهو: عن ابن عباس: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في كساء أبيض في غداة باردة يتقي بالكساء برد الأرض بيده ورجله.

وفي لفظ أحمد: لقد رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في يوم مطير وهو يتقي الطين إذا سجد بكساء عليه يجعله دون يديه إلى الأرض إذا سجد.

وعن ثابت بن صامت: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قام يصلي في مسجد بني عبد الأشهل وعليه كساء ملتفّ به يضع يده عليه يقيه برد الحصا.

وفي لفظ: رأيته واضعاً يديه في ثوبه إذا سجد.

في لفظ ابن ماجة: فرأيته واضعاً يديه على ثوبه إذا سجد (28) .

قال الشوكاني في نيل الأوطار: الحديث يدل على جواز الاتقاء بطرف الثوب الذي على المصلي ولكن للعذر، اما عذر المطر كما في الحديث، أو الحر والبرد كما في رواية ابن أبي شيبة وهذا الحديث مصرح بأن الكساء الذي سجد عليه كان متصلاً به أ . هـ.

ونحن لم نرَ هذا الحمل في محله إذ الحديث لا يدل بظاهره إلا على اتقاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالكساء برد الأرض بيده ورجله فحسب، وليس فيه إيعاز قط إلى السجدة والجبهة، وسبيله سبيل حديث السيدة عائشة: كان رسول الله إذا صلى لا يضع تحت قدمية شيئاً إلا انّا مطرنا يوماً فوضع تحت قدمية نطعاً (29) .

وهناك مرفوعة أخرجها أحمد في المسند: 4/254 عن محمد بن ربيعة عن يونس بن الحرث الطائفي عن أبي عون عن أبيه عن المغيرة بن شعبة قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي أو يستحب أن يصلي على فروة مدبوغة (30) .

والإسناد ضعيف بالمرة وبمثله يستدل في الأحكام فيه يونس بن الحرث قال أحمد: أحاديثه مضطربة، وقال عبدالله بن أحمد: سألته عنه مرة أخرى فضعفه. وعن ابن معين: لا شيء، وقال أبو حاتم: ليس بقوي، وقال النسائي: ضعيف. وقال مرة: ليس بالقوي، وقال ابن أبي شيبة: سألت ابن معين عنه فقال: كنا نضعفه ضعفاً شديداً. وقال الساجي: ضعيف إلا إنه لا يتهم بالكذب.

تهذيب التهذيب: 11/437.

وفيه أبو عون عبيدالله بن سعيد الثقفي الكوفي قال أبو حاتم كما في الجرح والتعديل لابنه: هو مجهول. وقال ابن حجر: حديثه عن المغيرة مرسل.

على أن متن المرفوعة ساكت عن السجدة وحكمها، والملازمة بين الصلاة على الفروة والسجدة عليها منتفية.

القول الفصل:

هذا تمام ما ورد في الصحاح، والمسانيد مرفوعاً وموقوفاً فيما يجوز السجود عليه برمته، ولم يبقَ هناك حديث لم ندكره، وهي تدل بنصها على أن الأصل في ذلك لدى القدرة والإمكان الأرض كلها، ويتبعها المصنوع مما ينبت منها أخذاً بأحاديث الخمرة عنه والفحل والحصير والبساط، ولا مندوحة عنها عند فقدان العذر، وأما في حال العذر وعدم التمكن منها فيجوز السجود على الثوب المتصل دون المنفصل لعدم ذكره في السنة.

وأما السجدة على الفراش والسجاد والبسط المنسوجة من الصوف والوبر والحرير، وأمثالها والثوب المنفصل فلا دليل يسوغها قط، ولم يرد في السنة أي مستند لجوازها، وهذه الصحاح الست وهي تتكفل بيان أحكام الدين ولا سيما الصلاة التي هي عماده لم يوجد فيها ولا حديث واحد، ولا كلمة إيماء وإيعاز إلى جواز ذلك.

وكذلك بقية أصول الحديث من المسانيد والسنن المؤلفة في القرون الأولى الثلاثة ليس فيها أي أثر يمكننا الاستدلال به على جواز ذلك من مرفوع أو موقوف من مسند أو مرسل.

فالقول بجواز السجود على الفرش والسجاد والالتزام بذلك. وافتراش المساجد بها للسجود عليها كما تداول عند الناس بدعة محضة. وأمر محدث غير مشروع يخالف سنة الله وسنة رسوله، ولن تجد لسنة الله تحويلاً. وقد أخرج الحافظ الكبير  أبو بكر ابن أبي شيبة بإسناده في المصنف في المجلد الثاني عن سعيد بن المسيب وعن محمد بن سيرين أن الصلاة على الطنفسة محدث، وقد صح عن رسول الله -صلى الله عليه وآله- قوله: شر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة.

 

وأما السجدة على تربة كربلاء :

 

واتخاذها مسجداً فإن الغاية المتوخاة منها للشيعة إنما هي تستند إلى أصلين قويمين، وتتوقف على أمرين قيمين: أولهما:

استحسان اتخاذ المصلي لنفسه تربة طاهرة يتيقن بطهارتها من أي أرض أخذت، ومن أي صقع من أرجاء العالم كانت، وهي كلها في ذلك شرع سواء سواسية، لا امتياز لإحدهن على الأخرى في جواز السجود عليها، وإن هو إلا كرعاية المصلي طهارة جسده وملبسه ومصلاه يتخذ المسلم لنفسه صعيداً طيباً يسجد عليه في حله وترحاله، وفي حضره وسفره، ولا سيما في السفر؛ إذ الثقة بطهارة كل أرض يحل بها، ويتخذها مسجداً لا تتأتى له في كل موضع من المدن والرساتيق والفنادق والخانات وباحات النزل والساحات، ومحال المسافرين، ومحطات وسائل السير والسفر، ومهابط فئات الركاب، ومنازل الغرباء… أنى له بذلك وقد يحل بها كل إنسان من الفئة المسلمة وغيرها، ومن أخلاط الناس الذين لا يبالون ولا يكترثون لأمر الدين في موضوع الطهارة والنجاسة.

فأي وازع من أن يستحيط المسلم في دينه، ويتخذ معه تربة طاهرة يطمئن بها وبطهارتها يسجد عليها لدى صلاته حذراً من السجدة على الرجاسة والنجاسة والأوساخ التي لا يتقرب بها إلى الله قط، ولا تجوّز السنة السجود عليها، ولا يقبله العقل السليم بعد ذلك التأكيد التام البالغ في طهارة أعضاء المصلي ولباسه، والنهي عن الصلاة في مواطن منها: المزبلة، والمجزرة، والمقبرة، وقارعة الطريق، والحمام، ومعاطن الإبل (31) والأمر بتطهير المساجد وتطييبها (32) وكأن هذه النظرة الصائبة القيمة الدينية كانت متخذة لدى رجال الورع من فقهاء السلف في القرون الأولى، وأخذاً بهذه الحيطة المتحسنة جداً كان التابعي الفقيه الكبيرالثقة العظيم المتفق عليه مسروق بن الأجدع (33) يأخذ في أسافره لبنة يسجد عليها كما أخرجه شيخ المشايخ الحافظ الثقة إمام السنة ومسندها في وقته أبو بكر ابن أبي شيبة في كتابه (المصنف) في المجلد الثاني في باب: من كان يحمل في السفينة شيئاً يسجد عليه، فأخرج بإسنادين أن مسروقاً كان إذا سافر حمل معه في السفينة لبنة يسجد عليها.

هذا هو الأصل الأول لدى الشيعة وله سابقة قدم منه يؤم الصحابة الأولين والتابعين لهم بإحسان.

وأما الأصل الثاني:

فإن قاعدة الاعتبار المطردة تقتضي التفاضل بين الأراضي بعضها على بعض، وتستدعي اختلاف الآثار والشؤون والنظرات فيها، وهذا أمر طبيعي عقلي متسالَم عليه، مطرد بين الأمم طراً لدى الحكومات والسلطات والملوك برمتهم، إذ بالإضافات والنسب تقبل الأراضي والأماكن والبقاع خاصة ومزيّة بها تجري عليها مقررات وتنتزع منها أحكام لا يجوز التعدي والصفح عنها.

ألا ترى أن المستقلات والساحات والقاعات والدور والدوائر الرسمية المضافة إلى الحكومات، وبالأخص ما ينسب منها إلى البلاط الملكي، ويعرف باسم (عاهل البلاد) وشخصه لها شأن خاص، وحكم ينفرد بها يجب للشعب رعايته، والجري على ما صدر فيها من قانون.

فكذلك الأمر فيما يخص الأرضي والأبنية والديار المضافة المنسوبة إلى الله تعالى فإن لها شؤوناً خاصة، وأحكاماً وطقوساً ولوازم وروابط لا مناص ولابد لمن أسلم وجهه لله من أن يراعيها، ويراقبها، ولا مندوحة لمن عاش تحت راية التوحيد والإسلام من القيام بواجبها والتحفظ عليها، والأخذ بها.

فبهذا الاعتبار المطرد العام المتسالَم عليه انتزع للكعبة حكمها الخاص، وللحرم شأن يخص به، وللمسجدين الشريفين: جامع مكة ، والمدينة أحكامهما الخاصة بهما، وللمساجد العامة والمعابد والصوامع والبيع التي يذكر فيها اسم الله في الحرمة والكرامة، والتطهير والتنجيس، ومنع دخول الجنب والحائض والنفساء عليها، والنهي عن بيعها نهياً باتاً نهائياً من دون تصور أي مسوغ لذلك قط خلاف بقية الأوقاف الأهلية العامة التي لها صور مسوغة لبيعها وتبديلها بالأحسن إلى أحكام وحدود أخرى منتزعة من اعتبار الإضافة إلى ملك الملوك رب العالمين.

فاتخاذ مكة المكرمة حرماً آمناً، وتوجيه الخلق إليها، وحجهم إليها من كل فج عميق، وإيجاب كل تلكم النسك. وجعل كل تلكم الأحكام حتى بالنسبة إلى نبتها وأبّها، ان هي إلا آثار الإضافة، ومقررات تحقق ذلك الاعتبار. واختيار الله إياها من بين الأراضي وكذلك عدّ المدينة المنورة حرماً إلهياً محترماً وجعل كل تلكم الحرمات الواردة في السنة الشريفة لها وفي أهلها وتربتها ومن حل بها ومن دفن فيها إنما هي لاعتبار ما فيها من الإضافة والنسبة إلى الله تعالى، وكونها عاصمة عرش نبيه الأعظم صاحب الرسالة الخاتمة -صلى الله عليه وآله وسلم- وهذا الاعتبار وقانون الإضافة كما لا يخص بالشرع فحسب، بل هو أمر طبيعي أقّر الإسلام الجري عليه، كذلك لا ينحصر هو بمفاضلة الأراضي، وإنما هو أصل مطرد في باب المفاضلة في مواضيعها العامة من الأنبياء والرسل والأوصياء، والأولياء، والصديقين، والشهداء، وأفراد المؤمنين وأصنافهم، إلى كل ما يتصور له فضل على غيره لدى الإسلام المقدس؛ بل هذا الأصل هو محور دائرة الوجود، وبه قوام كل شيء، وإليه تنتهي الرغبات في الأمور، ومنه تتولد الصلات والمحبات، والعلائق والروابط لعّدة عوامل البغض والعداء والشحناء والضغائن وهو أصل خلاف وشقاق ونفاق، كما إنه أساس كل وحدة واتحاد وتسالم ووئام وسلام وعليه تبنى سروح الكليات، وتتمهد المعاهد الاجتماعية، وفي اثره تشكلالدول، وتختلف الحكومات، وتحدث المنافسات والمشاغبات والتنازع والتلاكم والمعارك والحروب الدامية، وفي ضوئه تتحزب الشعوب والقبائل، وتتكثر الأحزاب والجمعيات، وبالنظر إليه تؤسس المؤسسات في أمور الدين والدنيا، وتتمركز المتجمعات الدينية، والعلمية والاجتماعية، والشعوبية، والقومية، والطائفية، والحزبية، والسياسية إلى كل قبض وبسط، وحركة وسكون، ووحدة وتفكك، واقتران وافتراق فالحكومة العالمية العامة القوية القهارة الجبارة الحاكمة على الجامعة البشرية بأسرها من أول يومها وهلم جراً إلى آخر الأبد من دون شذوذ لأي أحد وخروج فرد عن سلطتها، ومن دون اختصاص بيوم دون يوم إنما هي حكومة (ياء النسبة) بها قوام الدين والدنيا، وإليها تنتهي سلسلة النظم الإنسانية، وقانون الاجتماع العام، وشؤون الأفراد البشري والبشر مع تكثر أفراده عن بكرة أبيهم مسير  بها، مقهور تحت نير سلطتها، مصفد بحبالها، مقيد في شراكها،لا مهرب له منها هي التي تحكم وتفتق، وتنقض وتبرم، وترفع وتخفض، وتصل وتقطع، وتقرب وتبعد، وتأخذ وتعطي، وتعز وتذل،وتثيب وتعاقب، وتحقر وتعظم ، هي التي تجعل الجندي المجهول مكرماً معظماً، محترماً، وتراه أهلاً لكل إكبار وتجليل وتجيل لدى الشعب وحكومته، وتنثر الأوراد والأزهار على تربته ومقبره، وتدعه يذكر مع الأبد خالداً ذكره في صفحة التاريخ ، هي التي تهون لديها الكوارث والنوازل، وبمقاييسها يقاسي الإنسان الشدائد والقوارع والمصائب الهائلة، ويبذل النفس والنفيس دونها، هي التي جعلت رسول الله -صلى الله عليه وآله- يقبل الصحابي العظيم عثمان بن مظعون وهو ميت، ودموعه تسيل على خديه كما جاء عن عائشة (34) هي التي دعت النبي -صلى الله عليه وآله- إلى أن يبكي على ولده الحسين السبط، ويقيم كل تلكم المآتم ويأخذ تربة كربلاء ويشمها ويقبلهاإلى آخر ما سمعت من حديثه ،هي التي جعلت السيدة أم سلمة أم المؤمنين تصر تربة كربلاء على ثيابها…هي التي سوغت للصديقة فاطمة أن تأخذ تربة قبر أبيها الطاهر وتشمّها…هي التي حكمت على بني ضبة يوم الجمل أن تجمع بعرة جمل عايشة وتفتها وتشمها كما ذكره الطبري…هي التي جعلت علياً أمير المؤمنين (عليه السلام) أخذ قبضة من تربة كربلاء لما حلّ بها فشمها وبكى حتى بلّ الأرض بدموعه، وهو يقول: يحشر من هذا الظهر سبعون ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب. أخرجه الطبراني وقال الهيثمي في المجمع: 9/191 رجاله ثقات.

هي التي جعلت رجل بني أسد يشم تربة الحسين ويبكي قال هشام ابن محمد: لما أجرى الماء على قبره الحسين نضب بعد أربعين يوماً وامتحى أثر القبر، فجاء أعرابي من بني أسد فجعل يأخذ قبضة قبضة من التراب ويشمه حتى وقع على الحسين فبكى وقال: بأبي وأمي ما كان أطيبك حياً وأطيب تربتك ميتاً، ثم بكى وأنشأ يقول:

 

أرادوا ليخفوا قبره عن عداوة * وطيب تراب القبر دلّ على القبر

 

راجع تاريخ ابن عساكر: 4/342، كفاية الحافظ الكنجي:293.

 

فالفرد البشري كائناً من كان، أينما كان وحيثما كان من أي عنصر وشاكلة على تكثر شواكله، واختلاف عناصره في جميع أدوار الحياة هو أسير تلك الحكومة، ورهين لفظة: روحي، بدني، مالي، أهلي، ولدي، أقاربي، رحمي، أسرتي، تجارتي، نحلتي، ملتي، طائفتي، مبدئي، داري، ملكي، حكومتي، قادتي، سادتي إلى ما لا يحصى من المضاف المنسوب إليه.

وهذه هي حرفياً بصورة الجمع الإضافي مأكلة بين شدقي الحكومات والدول، والجمعيات، والهيئات، والأحياء، والشعوب، والقبائل، والأحزاب والملل، والنحل، والملوك، والطوائف، والسلطات الحاكمة إلى كليات لا تتناهى.

وبمجرد تمامية النسبة وتحقق الإضافة في شيء جزئي أو كلي، أو أمر فردي أو اجتماعي لدى اولئك المذكورين تترتب آثار، وتسجل أحكام لا منتدح لأي أحد من الخضوع لها والإخبات إليها، والقيام دونها، والتقيد بها.

 

وهذا بحث جدّ ناجع تحل به مشكلات المجتمع في المبادئ والآراء والمعتقدات وعقود الضغينة والمحبة، وعويصات المذاهب ومقررات الشرع الأقدس وفلسفة مقربات الدين الحنيف، ومقدسات الإسلام وشعائره والحرمات والمقامات والكرامات.

فبعد هذا البيان الضافي يتضح لدى الباحث النابه الحر  سر فضيلة تربة كربلاء المقدسة، ومبلغ انتسابها إلى الله سبحانه وتعالى، ومدى حرمتها وحرمة صاحبها دنواً واقتراباً من العلي الأعلى، فما ظنك بحرمة تربة هي مثوى قتيل الله، وقائد جنده الأكبر المتفاني دونه، هي مثوى حبيبه وابن حبيبه، والداعي إليه، والدال عليه، والناهض له، والباذل دون سبيله أهله ونفسه ونفيسه، والواضع دم مهجته في كفه تجاه إعلاء كلمته، ونشر توحيده، وتحكيم معالمه، وتوطيد طريقه وسبيله.

فأي من ملوك الدنيا ومن عواهل البلاد من لدن آدم وهلم جراً عنده قائد ناهض طاهر كريم وفيّ صادق أبيّ شريف عزيز مثل قائد شهداء الإخلاص بالطف: الحسين المفدى؟!

لماذا لا يباهي به الله، وكيف لا يحفظ دمه لديه، ولا يدع قطرة منه أن تنزل إلى الأرض لما رفعه الحسين بيديه إلى السماء (35) .

كيف لا يديم ذكره في أرضه وسمائه، وقد اتخذت محبة الله بمجاميع قلبه؟

وكيف لا يسود وجه الدنيا في عاشورائه؟

ولا يبدي بينات سخطه وغضبه يوم قتله في صفحة الوجود؟

ولماذا لم تبكِ عليه الأرض والسماء؟

كما جاء عن ابن سيرين فيما أخرجه جمع من الحفاظ.

ولماذا لم تمطر السماء يوم قتله دماً؟

كما جاء حديثه متواتراً.

ولماذا لم يبعث الله رسله من الملائكة المقربين إلى نبيه -صلى الله عليه وآله- بتربة كربلائه؟

ولماذا لم يشمها رسول الله -صلى الله عليه وآله- ولم يقبلها ولم يذكرها طيلة حياتة؟

ولماذا لم يتخذها بلسماً في بيته؟

فهلمّ معي أيها المسلم … أفليست السجدة على تربة هذا شأنها لدى التقرب إلى الله في أوقات الصلوات أطراف الليل والنهار أولى وأحرى من غيرها من كل أرض وصعيد وقاعة وقرارة طاهرة، أو من البسط والفرش والسجاد المنسوجة على نول هويات مجهولة؟

ولم يوجد في السنة أي مسوغ للسجود عليها…أليس أجدر بالتقرب إلى الله، وأقرب بالزلفى لديه، وأنسب بالخصوع والخشوع والعبودية له تعالى أمام حضرته وضع صفح الوجه والجباه على تربة في طيها دروس الدفاع عن الله، ومظاهر قدسه، ومجلى التحامي عن ناموسه ناموس الإسلام المقدس؟

 

أليس لائقاً بأسرار السجدة على الأرض السجود على تربة فيها سر المنعة والعظمة والكبرياء والجلال لله جل وعلا، ورموز العبودية والتصاغر دون الله بأجلى مظاهرها وسماتها؟

أليس أحق بالسجود تربة فيها بينات التوحيد والتفاني دونه؟

تدعو إلى رقة القلب، ورحمة الضمير والشفقة والتعطف.

أليس الأمثل والأفضل اتخاد المسجد من تربة تفجّرت في صفيحها عيون دماء اصطبغت بصبغة حب الله، وصيغت على سنة الله وولائه المحض الخالص؟

فعلى هذين الأصلين نتخذ نحن من تربة كربلاء قطعاً لمعاً وأقراصاً نسجد عليها كما كان فقيه السلف (مسروق بن الأجدع) يحمل معه لبنة من تربة المدينة المنورة يسجد عليها والرجل تلميذ الخلافة الراشدة فقيه المدينة ومعلم السنة بها، وحاشاه من البدعة، ففي أي من الأصلين حزازة وتسعف؟

وأي منهما يضاد نداء القرآن الكريم؟

أو يخالف سنة الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وآله-؟

وأيهما يستنكر ويعد بدعة؟

وأيهما خروج عن حكم العقل والمنطق والاعتبار؟

وليس اتخاذ تربة كربلاء مسجداً لدى الشيعة من الفرض المحتم، ولا من واجب الشرع والدين، ولا مما ألزمه المذهب، ولايفرق أي أحد منهم منذ أول يومها بينها وبين غيرها من تراب جميع الأرض في جواز السجود عليها‎ خلاف ما يزعمه الجاهل بهم وبآرائهم. وان هو عندهم إلا استحسان عقلي ليس إلا، واختيار لما هو الأولى بالسجود لدى العقل والمنطق والاعتبار فحسب كما سمعت، وكثير من رجال المذهب يتخذون معهم في أسفارهم غير تربة كربلاء مما يصح السجود عليه كحصير طاهر نظيف يوثق بطهارته أو خمرة مثله ويسجدون عليه في صلواتهم.

ونحن نرى أن الأخذ بهذين الأصلين القويمين، والنظر إلى رعاية أمري الحيطة والحرمة ومراقبتهما، يحتم على أهالي الحرمين الشريفين: مكة ، والمدينة، واللائذين بجنابهما، والقاطنين في ساحتهما أن يتخذوا من تربتهما أقراصاً وألواحاً مسجداً لهم أخذاً بالأصلين وتخلصاً من حرارة حصاة المسجد الشريف القارصة أيام الظهائر وشدة الرمضاء، يسجدون عليها في حضرهم، ويحملونها معهم مسجداً طاهراً مباركاً في أسفارهم سيرة السلف الصالح نظراء الفقيه (مسروق ابن الأجدع) كما سمعت حديثه، ويجعلونها في تناول يد الزائرين والحجاج والوافدين إلى تلكم الديار المقدسة من الحواضر الإسلامية تقتنيها الأمة المسلمة مسجداً لها، في الحضر والسفر، وتتخذها تذكرة وذكرى لله ولرسوله ولمهابط وحيه، تذكرها ربها ونبيها متى ما ينظر إليها، وتشمها وتستشم منها عرف التوحيد والنبوة، وتكون نبراساً في بيوت المسلمين تتنور منها القلوب، وتستضيء بنورها أفئدة أولي الألباب، ويتقرب المسلمون إلى الله تعالى في كل صقع وناحية في أرجاء العالم بالسجود على تربة أفضل بقعة اختارها الله لنفسه بيت أمن ودار حرمة وعظمة وكرامة، ولنبيه حرماً ومضجعاً مباركاً ، وفيها وراء هذه كلها دعوة كبيرة وعالمية إلى الإسلام، وإلى كعبة عبادته وعاصمة سنته، وصاحب رسالته ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه.

 

 

-عبد الحسين الأميني.

 

-مقدمة البحث لمحمد عبد الحكيم الموسوي الصافي.

 

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الإتحاف بحب الأشراف لمؤلفه الشيخ عبدالله الشبراوي الشافعي: 5.

(2) الإتحاف بحب الأشراف: 5.

(3) سورة النساء آية: 94.

(4) صحيح البخاري: 1/60.

(5) موطأ الإمام مالك: 1/157 صححه وأخرج أحاديثه محمد فؤاد عبدالباقي.

(6) الأبل.

(7) الترغيب والترهيب 1/581 حققه محمد محيي الدين عبدالحميد.

(8) عمدة القاري شرح صحيح البخاري: 4/108.

(9) الخصائص الكبرى لمؤلفه جلال الدين السيوطي: 3 /362 تحقيق الدكتور / محمد خليل هراس.

(10) الشيعة في عقائدهم وأحكامهم لمؤلفه السيد أمير محمد القزويني: 7.

(11) الذخائر القدسية في زيارة خير البرية لمؤلفه عبدالحميد بن محمد أقدس بن الخطيب المدرس بالجامع الحرام بمكة: 112.

(12) نفس المصدر: 18.

(13) يقول السيد محمد تقي الحكيم في كتابه الأصول العامة للفقه المقارن 164. (وهذا الحديث يكاد يكون متواتراً بل هو متواتر فعلاً إذا لوحظ مجموع رواته من الشيعة والسنة في مختلف الطبقات) إلى أن يقول وحسب الحديث لأن يكون موضع اعتماد الباحثين أن يكون من رواته كل من صحيح مسلم وسنن الدارمي وخصائص النسائي، وسنن أبي داود وابن ماجة ومسند أحمد ومستدرك الحاكم، وذخائر الطبري وحلية الأولياء وكنز العمال وغيرها، وأن تعنى بروايته كتب المفسرين أمثال الرازي والثعلبي والنيسابوري والخازن وابن كثير وغيرهم، بالإضافة إلى الكثير من كتب التاريخ واللغة والسير والتراجم.

(14) مستمسك العروة الوثقى للسيد محسن الحكيم -قدس سره- : 5/338.

(15) نفس المصدر السابق.

(16) فقه السنة سيد سابق: ج1.

(17) إرشاد الساري شرح صحيح البخاري: 1/204 ـ 205.

(18) الفحل بمعنى الخمرة.

(19) صحيح البخاري: 1/86، 113، صحيح مسلم: 2، 64، صحيح النسائي: 2/32، صحيح أبي داود:1/79، صحيح الترمذي: 2/114، السنن الكبرى: 2/433، 435.

(20) صحيح النسائي: 2/32.

(21) صحيح البخاري: 1/173، 198، 2/253، 254، 256، 258، 259، سنن أبي داود: 1/143، 144، السنن الكبرى: 2/104.

(22) أخرجه البزار والطبراني راجع مجمع الزوايد: 83، 84.

(23) من قال يقيل قيلولة. نام في القائلة: أي منتصف النهار.

(34) واخرجه ابن ماجة في السنن: 1/321، والترمذي في جامعه: 2/127 وليس فيها: يسجد عليه.

(25) في لفظ ابن ماجة: لم يقدر.

(26) البخاري: 1/101، مسلم: 2/109، ابن ماجة: 1/321، أبو داود: 1/106، سنن الدارمي: 1/308، مسند أحمد: 1/100، السنن الكبرى: 2/10 ونيل الأوطار:2/268.

(27) أخرجه أبو يعلى. والطبراني في الكبير.

(27) أخرجه أبو يعلى. والطبراني في الكبير.

(28) سنن ابن ماجة: 1/321، السنن الكبرى: 2/108، نصب الراية: 1/386، نيل الأوطار: 2/269، 275.

(29) أخرجه الطبراني في الأوسط، والبيهقي:2/436، وضعفه الهيثمي في المجمع: 2/57، لمكان إبراهيم بن إسحاق الضبي في إسناده.

(30) وأخرجه أبو داود: 1/106، والبيهقي في السنن: 2/420 بالإسناد المذكور.

(31) سنن ابن ماجة: 1/252، ومسانيد وسنن أخرى.

(32) سنن ابن ماجة: 1/256 ومصادر أخرى.

(33) مسروق بن الأجدع عبدالرحمن بن مالك الهمداني أبو عائشة المتوفي 62 تابعي من رجال الصحاح الست يروي عن أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي كان فقيهاً عابداً ثقة صالحاً كان في أصحاب ابن مسعود الذين كانوا يعلمون الناس السنة، وقال حين حضره الموت كما جاء في طبقات ابن سعد: اللهم لا أموت على أمر لم يسنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم – ولا أبو بكر ولا عمر.

راجع تاريخ البخاري الكبير: 4 ق2: 35، طبقات ابن سعد: 6/565، الجرح والتعديل لابن أبي حاتم: 4 ق1: 396، تهذيب التهذيب: 10: 109 ـ 111.

(34) أخرجه أبو القاسم عبدالملك ابن بشران في أماليه، وأبو الحسن علي بن الجعد الجوهري في الجزء العاشر من مسنده، والحاكم النيسابوري في المجلد الثالث من المستدرك. وحفّاظ وأعلام آخرون.

(35) أخرجه الحافظ الخطيب البغدادي بإسناده، والحافظ ابن عساكر في تاريخ الشام: 4/338 بإسناده عن الخطيب، والحافظ الكنجي في الكفاية ص 284 عن الحسن المثنى عن مسلم بن رياح مولى أمير المؤمنين قال: كنت مع الحسين يوم قتل فرمي فادنيتها فلما امتلأ قال: اسكبه في يدي فسكبته في يديه فنفخ بهما إلى السماء وقال: اللهم اطلب بدم ابن بنت نبيك قال مسلم: فما وقع إلى الأرض منه قطرة. وقد جاء أن الحسين (عليه السلام) رمى بدم حنكه إلى السماء لما أصابه السهم، وأخرج حديثه جمع من الحفّاظ.

المصدر : العتبة الحسينية

الإستبصار (http://estebsar.ir)



تعليقات المستخدم

عدد التعليقات 0

ارسال تعليق



محتويات المادة المذكورة أعلاه