تقديم
الإستبصار (موقع يهتم بشؤون المستبصرين ) ، عرفت الساحه المصريه، فى السبعينيات، حركه فكريه وسياسيه نشطه، كان للتيار الدينى فيها بعض المواقع، ثم جاءت الثوره الاسلاميه الايرانيه فى اواخرها فبهر قائدها وشعبه الذى صنعها انظار الاسلاميين فى كل مكان.
وفهم مولف هذا الكتاب الدكتور احمد راسم النفيس وهو طبيب مصرى كان فى اواسط السبعينيات قطبا من اقطاب الحركه الطلابيه الاسلاميه فى مصر.
وقد ضايقه ان يكون الشعب الذى فجر هذه الثوره (منحرف العقيده) كما يصفه بعضهم من غير المنصفين فسعى الى معرفه هذه العقيده، ثم تطور السعى الى مراجعه عقيدته التى ورثها عن اسرته محاوله منه لمعرفه طريق الصواب الموصل الى حقيقه الايمان، ومن ثم الى رضا اللّه سبحانه.
وها هو المولف الطبيب يروى لنا من مولفه هذا قصه سعيه الى هذه المعرفه وتوصله اليها فى رحله طويله بدات منذ نشاته فى اسره علميه واتصلت فى المدرسه والمحيط والجامعه، وفى دروب الحياه الملاى بالاحداث…
وتبين للمسافر فى سبيل المعرفه، فى نهايه الرحله ان سفينه النجاه للامه الاسلاميه تتمثل فى اهل بيت النبوه، فطوبى لمن اهتدى الى هذه السفينه وانضوى تحت شراعها.
بيروت
مركز الغدير للدراسات الاسلاميه
اول الطريق
نشاتى الاولى
ولدت عام (1372ه/1952م). كان ابى (رحمه اللّه) من رجال التعليم، اما جدى فكان عالما من علماء الازهر الشريف يقوم بالخطابه فى مسجد القريه، وكان له (منتدى) يجتمع فيه المثقفون من ابناء هذه القريه، يتعلمون على يديه العلوم الدينيه والفقهيه والادبيه.
تفتحت عيناى على اسماء الكتب والمولفات الحديثه لطه حسين والعقاد، وكم دارت مساجلات فى بيتنا حول الشعر والادب بين ابى (رحمه اللّه عليه) وبين اصدقائه من الشعراء والادباء الذين حفلت بهم آنئذ مدينه المنصوره، تلك المدينه الجميله (سابقا) التى تقع على شاطىء النيل.
تعلمت من ابى وجدى(رحمه اللّه عليهما) حب القراءه والاطلاع، قرات كل ما وقع تحت يدى من كتب اثناء طفولتى الا كتاب واحد عجزت عن مواصله القراءه فيه، وهو (ابناء الرسول فى كربلاء) للكاتب المصرى خالد محمد خالد، كنت اجهش بالبكاء فى اللحظه التى امسك فيها الكتاب واعجز عن مواصله قراءته.
مضت ايام العمر الاولى، كان ابى هادئا لا يرتبط باى اتجاه سياسى او دينى من تلك الاتجاهات التى حفلت بها مصر خلال هذه الحقبه، اما انا فكنت مختلفا بعض الشىء عن باقى افراد الاسره.
الجمعيه الشرعيه
فى العام (1388ه/1968م) افتتح بالقرب من منزلنا مسجد (الجمعيه الشرعيه)، كانت تلك الجمعيه تطرح على الناس حديثا عن الاسلام والمسلمين مندده بالبدع التى دخلت على الدين، وكانت ترفع شعارا مضمونه: ان لا خلاص للمسلمين مما هم فيه الا بتنقيه الاسلام مما علق به من البدع والخرافات، واهمها بكل تاكيد ما يفعله الناس من قول سيدنا (محمد)(ص) بدلا من قولهم (محمد) فقط مجردا من جميع الالقاب، والمصيبه الكبرى عندهم هى الصلاه على النبى وآله عقب الاذان، اما الشرك الاعظم – كما يرون- فهو بكل تاكيد زياره قبور الصالحين من آل البيت او غيرهم، هذا هو الاسلام الصحيح من وجهه نظرهم.
اجتذبتنا هذه الدعوه (التصحيحيه) آونه من الوقت، وما لبث المسجد ان تحول الى مجرد مكان للصلاه، ثم لا شىء.
فى الجامعه
حصلت على الثانويه العامه عام (1390ه/1970م) بمجموع مرتفع اهلنى لدخول كليه الطب بمدينه المنصوره فى جمهوريه مصر العربيه التى سبقنى اليها اخى الاكبر المولع بالنشاط الفنى، وهو ما اهله لدخول اتحاد الطلبه.
وكان هذا حافزا لى على خوض التجربه نفسها، ولكن فى مجال الثقافه.
وكان هذا المجال النافذه التى فتحت لى باب الاطلاع على الصراعات الفكريه والسياسيه التى امتلات بها الساحه المصريه فى اوائل السبعينيات، حيث كان التيار الشيوعى لا يزال نشطا من خلال المواقع التى احتلها فى الحقبه الناصريه.
والواقع ان الحجم الاعلامى لهذا التيار تجاوز بكثير حجمه الحقيقى، وكان التيار الدينى يتحرك بصوره خجوله محاولا اكتساب بعض المواقع، وكان من الطبيعى ان يحدث الصدام بين التيارين المتناقضين، وخاصه ان التيار اليسارى كان يتحرك بصوره مستفزه للجميع.
فى العام (1395ه/1975م)، وبعد سلسله من الاستفزازات اليساريه، خضنا الانتخابات الطالبيه تحت رايه التيار الاسلامى فى مواجهه التيار اليسارى، وانتهت المعركه بهزيمه ساحقه لليسار وانتصار باهر للتيار الاسلامى، وتسلمت رئاسه اتحاد الطلاب بكليه طب المنصوره لعامين متتاليين.
ثم قتل السادات
كان رايى فى محمد انور السادات، ولا يزال، هو ان هذا الرجل يحاول ممارسه السياسه ولكن على طريقه لاعبى السيرك، فكان ان وجئت عنقه فى احدى الالعاب الخطره التى مارسها، وانه ارتكب كل موبقات السياسه.
اعطى الصهاينه ما لم يحلموا به طوال عمرهم، واعطى الامريكان عام (1400ه/1979م) القاعده الجويه فى مصر ليهاجموا ايران من اجل اطلاق رجال المخابرات الامريكيه المحتجزين فى ما كان يطلق عليه السفاره الامريكيه فى طهران، واستقبل شاه ايران محمد رضا بهلوى على ارض مصر مستفزا مشاعر (شعبين مسلمين): الشعب الايرانى والشعب المصرى.
ثم لم يمت حتى وقف فى صف نظام صدام حسين فى عدوانه على الجمهوريه الاسلاميه (1401 – 1408ه/1980 – 1988م) قائلا: (نعم العراق هو المعتدى ولكننا نساعده(.
هذه هى الاجواء التى سبقت مقتله بيد احد رجاله فى يوم زينته، وهو المقتل الذى فتح على ابناء الشعب المصرى الكثير والكثير من المصاعب الى يومنا هذا.
لم يكن قد مضى على زواجى سوى ثلاثه ايام حين اصدر السادات آخر قراراته البهلوانيه، وهو قرار التحفظ على (1500) شخص من معارضيه من كافه التيارات السياسيه فى مصر (سبتمبر/ ايلول 1981م)، لم يمض شهر حتى قتل السادات يوم السادس من اكتوبرر تشرين اول 1981م.
ولم يمض شهر آخر حتى جاء زوار الفجر يطرقون الباب، طلبوا منى الحضور لمده خمس دقائق، وهى خمس دقائق طالت مده سنه كامله.
فى هذا الوقت كنت على وشك الانتهاء من رساله (الماجستير.)
بعد يومين كنت فى (سجن الاستقبال) الذى كان مقرا للتحقيقات فى قضيه تنظيم الجهاد، وفى اللحظه التى دخلت فيها تلقيت الصفعه الاولى التى اطاحت بنظارتى الطبيه وكسرتها، حاولت لملمه النظاره فلم افلح، اذ انهالت الضربات على من كل جانب، ثم امرنا بالوقوف فى مواجهه الحائط والايدى مرفوعه الى اعلى، وانهالت السياط على ظهورنا، هذه يسمونها (حفله الاستقبال).
ثم حلقوا لنا رووسنا بصوره مشوهه، ثم قادونا الى الزنازين بالسياط والركلات، كان هذا فى بدايه فصل الشتاء، وقد القى بنا فى الزنازين على البلاط معصوبى الاعين بعدما اخذوا ملابسنا.
وكانت التعليمات تقضى ببقاء العصابه على العيون حتى فى داخل الزنزانه، والوقوف انتباها لحظه دخول الجنود، فى مواجهه الحائط، وتلقى السياط او الكابلات وفقا لما تيسر.
كان هذا السجن احد المواقع الاساسيه للتحقيقات مع تنظيم الجهاد، وكان التحقيق يبدا يوميا بعد الساعه العاشره مساء ولا ينتهى الا مع طلوع الفجر، حيث كنا فى كل ليله نسمع صراخ المحققين يطلبون من المعتقلين الاعتراف، وصراخ المعتقلين تحت التعذيب.
اما عن اسلوب التعامل معنا فى المعتقل فالعنوان الابرز هو انعدام الانسانيه.
الحيره
.. وهكذا مضى عام كامل على فى ذلك المعتقل غير الانسانى، الذى كانت فيه ابسط حقوقنا الانسانيه مسلوبه.
بيد ان اللّه تبارك وتعالى انزل علينا صبرا، ووفقنى لحفظ القرآن الكريم.
وبقيت تجربه السجن مع هذه التيارات المختلفه فى الراى، والمتنازعه فى الاهواء، ماثله امامى، وما لفتنى هو اجتماع كل اولئك فى ضيافه النظام الحاكم.
لقد كانت هذه التجربه فرصه رائعه للتامل فى الكثير من الافكار، وفى فكر المجموعات من حولى، واستخلاص العبر من معايشتها ومعاينتها، وعسى ان تكرهوا شيئا ويجعل اللّه فيه خيرا كثيرا.
وفى مثل هذا الجو الذى يخيم عليه الجهل، لم تكن قضيه مذهب آل البيت(ع) مطروحه لاسباب عديده قد يكون من اهمها انعدام ادوات المعرفه.
انتهت رحله المعتقل يوم 31/10/1982م. (1402ه)، حيث عدت الى مكانى فى مستشفى المنصوره الجامعى، والى بيتى الصغير، والى اسرتى. وسارت الامور هادئه.
وكان الغيث ينزل من السماء رويدا رويدا.
كيف نزل الغيث؟
حوار حول المهدى المنتظر
التقيت ذات يوم من ايام الاعوام(1404 – 1406ه/1983 – 1985م) باحد الاصدقاء المصريين العائدين من بعثه علميه فى بريطانيا، واخبرنى انه التقى ببعض الايرانيين اثناء دراسته، ودار بينه وبينهم حوار حول الثوره الاسلاميه فى ايران، واخبروه ان هناك حديثا اسمه (حديث الرايات السود) التى تاتى من قبل المشرق تمهد للمهدى، قلت له: لا علم لى بمثل هذه الروايه، فسكت.
والتقيت باحد الاصدقاء (الازاهره) (نسبه للازهر الشريف) فسالته عن حقيقه الامر فلم يعطنى اجابه نافعه كعادتهم، فكل شىء عندهم فيه قولان واحيانا ثلاثه وربما اربعه، فلم اقتنع بكلامه، وقلت ابحث بنفسى، فوجدت الروايه فى كتاب (الملاحم والفتن) لابن كثير عن رسول اللّه(ص):
(انا اهل بيت اختار اللّه لنا الاخره، وان اهل بيتى سيلقون بعدى بلاء شديدا وتطريدا حتى ياتى قوم من قبل المشرق يحملون الرايات السود يسالون الخير فلا يعطونه فيقاتلون فينصرون، فمن ادركهم منهم فلياتهم ولو حبوا على الثلج فان فيهم خليفه اللّه المهدى)، وغيرها من الروايات المشابهه.
واصلت البحث فوجدت روايات اخرى تمدح (الشيعه)، وهى روايات لا تقبل التاويل او التدجيل، مثل قوله(ص) فى تفسير قوله تعالى فى سوره الجمعه: (وآخرين منهم لما يلحقوا بهم وهو العزيز الحكيم) «الجمعه/3».
قال: (هذا وقومه واشار الى سلمان الفارسى)، وهى روايه موجوده فى تفسير ابن كثير وتفسير الطبرى وغيرهما.
الكتب الصفراء
فى هذه الاونه (1982 – 1985) كانت الحرب العراقيه الايرانيه على اشدها، فجاه تحول جزء من النفط عن مساره المعهود فى تمويل آله الحرب العراقيه، او تسخين الليالى الحمراء، وتحويلها الى ليال ملتهبه.
فتحولت بعض المنابر الى (منابر حمراء) هى الاخرى.
فى هذه الاونه امطرت الساحه المصريه بوابل من الكتب الصفراء التى تتهجم على المسلمين الشيعه، وانطلق التيار السلفى ليقوم بالدور المرسوم له فى مهاجمه المسلمين الشيعه وبيان بطلان عقائدهم.
ومن الواضح تماما ان هولاء كانوا ينفذون خطا مرسوما ومدعوما بل ويحاولون الايحاء بان وراء التشيع فى الجمهوريه الاسلاميه خطا عنصريا فارسيا فى مواجهه الاسلام العربى! وهذه مقوله تكشف بوضوح الرويه البعثيه العراقيه التى امتطت ظهر السلفيه.
والغريب ان احد الصحفيين المصريين الذين ما زالوا على عهد الولاء بمقاومه الشيعه واهل البيت حتى آخر اكذوبه فى جعبته النتنه، قد طلع علينا بمقوله ان التشيع الايرانى انما هو من ايحاء (اوروبا) التى ارادت ان تجعل من تشيع ايران وسيله لضرب الدوله العثمانيه.
لا باس من الكذب، والقوم شعارهم (ايها الكذابون لا تخجلوا)!.
لماذا اخترت مذهب اهل البيت؟
كنت فى سفره عائليه فى احد ايام صيف عام (1405ه/1984م).
وعثرت فى احدى المكتبات على كتاب عنوانه: (لماذا اخترت مذهب اهل البيت)؟.
استاذنت فى اخذه. لم يكن احد يعبا به او يعرف محتواه.
اخذت الكتاب، وقراته. تعجبت، ثم تعجبت كيف يمكن لعالم ازهرى هو الشيخ الانطاكى مولف الكتاب ان يتحول الى مذهب اهل البيت(ع)، ارقتنى هذه الفكره آونه وقلت فى نفسى: هذا الرجل له وجهه نظر ينبغى احترامها، لم اقرر شيئا، آنئذ، واحتفظت بالكتاب.
خلفاء الرسول الاثنا عشر
بعد عام وفى التوقيت نفسه، وفى المكان نفسه، عثرت على الكتاب الثانى: (خلفاء الرسول الاثنا عشر)، قراته وفهمته ولم اقرر شيئا، لم يات آنئذ، اوان اتخاذ القرار، لكنه صار قاب قوسين او ادنى.
التحول – الاستفزاز – الزندانى – حزب اللّه – حركه التوحيد الاسلامى – طرابلس – الشيخ سعيد شعبان – سبتمبررايلول 1985 – الاعجاز العلمى فى القرآن الكريم.
التقت جميع هذه العناوين فجاه فى سبتمبررايلول 1985.
كنت على وشك انهاء رساله الدكتوراه، كانت وما زالت تسليتى الوحيده فى اثناء العمل هى جهاز الراديو نعرف اخبار العالم وماسى المسلمين منه، فجاه التهبت المعارك فى طرابلس – لبنان بين حركه التوحيد الاسلاميه بقياده الشيخ سعيد شعبان (حزب سنى) وبين الاحزاب اليساريه، وكانت معارك ساخنه: قصف، وحصار، وقتلى.
فى هذه الاثناء كان هناك موتمر (الاعجاز العلمى فى القرآن الكريم) الذى اشرفت عليه – وقتها – نقابه الاطباء فى مصر، كنت احضر هذا الموتمر.
وبعد انتهائه التقيت باحد الزملاء الذين يتحركون فى معيه الشيخ عبد المجيد الزندانى اليمنى اللاجىء للعربيه السعوديه آنئذ، اقترح على هذا الزميل لقاء الشيخ ودعوته لالقاء محاضره فى احد مساجد المنصوره عن الاعجاز العلمى فى القرآن الكريم، وهى مساله كان وما زال لى فيها راى مختلف، لا باس قلنا نذهب لدعوه الشيخ، صعدنا اليه فى غرفته الفاخره فى احد فنادق القاهره، قمت بتوجيه الدعوه اليه، كان الرجل حريصا على ابراز جواز السفر الدبلوماسى السعودى الذى كان يحمله رغم كونه يمنيا.
قبل ان اذهب الى المحاضره كنت قد استمعت الى آخر الاخبار عن طرابلس وحركه التوحيد المحاصره من جميع الجهات.
والتى كادت الاحزاب اليساريه فى لبنان تفتك بها، وعن تدخل الجمهوريه الاسلاميه الايرانيه لانهاء الحصار وانقاذ الشيخ سعيد شعبان (السنى) وحزبه من الدمار، وذهاب وفد من حزب اللّه الى طرابلس لضمان امن الشيخ.
موقف هزنى من الاعماق، واسعدنى ان يكون هذا موقف الجمهوريه الاسلاميه ورئيسها آنئذ السيد على الخامنئى الذى هاتف الرئيس السورى حافظ الاسد مده ساعه لانهاء الازمه.
ذهبت الى المحاضره، وجاء الشيخ وقال ما لديه عن الاجنه والفلك وان الاسلام حلو وجميل.
جاء دور العشاء، وعلى المائده جاء دور الاسئله الخاصه، فساله سائل عن ايران والخمينى والشيعه؟ ويبدو ان الرجل لم يكن يتوقع اى معارضه فاتخذ موقفا شتاما منذ البدايه: هولاء الشيعه اوغاد – يحاربون الجهاد الافغانى – كذبوا على اللّه وادعوا اثنى عشر اماما فابى اللّه الا ان يخزيهم فغيب امامهم الثانى عشر وهم ينتظرونه عند السرداب.
قلت: سبحان اللّه يا مولانا، المعركه الان هى بين الاسلام والعلمانيه المدعومه من قوى الكفر العالمى، ولا ينبغى اطلاقا ان نسمح بمعركه بين الاسلام السنى والاسلام الشيعى.
ثم سالته: اين كانت الدول الاسلاميه السنيه وحركه التوحيد الاسلاميه السنيه تذبح فى طرابلس؟ ولماذا لم يتدخل احد الا ايران الاسلاميه الشيعيه؟ اليس هذا دليل على صحه ما اقول؟ قال: نعم، ولكن هولاء رافضه ينبغى الا نتعاون معهم، ثم استدرك وقال: ينبغى ان يكون التعامل معهم من خلال هيئه امم اسلاميه.
سكت… وسكت الشيخ وتكلم الصمت.
عدت الى بيتى، وانا فى قمه الاستفزاز والانفعال.
قلت لنفسى:
ان كان حقا ما يقولون ان المسلمين الشيعه بكل هذه الدناءه فلعنه اللّه عليهم، وان كانت كل هذه اكاذيب موجهه اليهم فتلك النازله الكبرى التى ما بعدها نازله.
مضت ايام. كان هناك معرض للكتاب فى كليه الطب بالمنصوره.
مررت به فوجدت كتابا بعنوان (الامام جعفر الصادق) تاليف المستشار عبد الحليم الجندى، طبعه مجمع البحوث الاسلاميه 1977م، قلت: هذا كتاب عن الامام جعفر الصادق من تاليف كاتب مصرى سنى، وصادر من قبل موسسه رسميه قبل قيام الثوره الاسلاميه فى ايران، فاخذته وقراته وتزلزل كيانى لما فيه من معلومات عن اهل البيت(ص) طمستها الانظمه الجائره وكتمها علماء السوء، فان القوم – كما روى على لسان الزهرى راويه بنى اميه – لا يطيقون ان يذكر آل محمد بخير.
عدت الى الكتابين السابقين، واخرجت ما فيهما من المعلومات، ووجدتها جميعها من مصادر سنيه قلت: لعل المسلمين الشيعه كذبوا فاوردوا على الناس ما لم يقولوه! فلنعد الى هذه المصادر بنفسنا، قمت بعمليه جرد دقيقه لجميع هذه الكتب، سواء منها ما كان فى مكتبتى الخاصه، ام ما كان فى مكتبه جمعيه الشبان المسلمين، وتحققت فعلا من صحه هذه المعلومات، وعرفت مدى المصداقيه التى يتمتع بها الزندانى وابو اسماعيل واحسان الهى ظهير..!! وهنا نقطه هامه، وهى: ان كتب الحديث عند اهل السنه كالبخارى ومسلم وغيرهما، تكاد تكون مقدسه عند القوم لان صحه خلافه الخلفاء الثلاثه الاول مستمده.. اولا من الامر الواقع، وثانيا من الروايات التى وردت فى هذه الكتب، فاذا كان القوم يسلمون بصحه الروايات الوارده فى فضائل الثلاثه الاول وجب عليهم التسليم بكل ما عداها ومنها فضائل اهل البيت(ع) وامامتهم.
اما اذا قالوا: بل ننظر فى صحه الروايات والرواه، فقد فتحوا باب النقد فى مسلماتهم وصار من حقنا النقاش فى صحه اسانيدهم وترجيح الدليل الاقوى، وهو عين ما يتوخاه كل باحث عن الحق وعندئذ ستكتسب الروايات الوارده فى امامه اهل البيت(ع) قوه مضاعفه، اولا من قوه اسانيدها وثانيا من اعتراف مخالفيها بصحتها، والفضل ما شهدت به الاعداء والخصوم.
لم تمض الا اسابيع قليله الا وكانت المساله محسومه تماما من الناحيه العقيديه، ثم التقيت بواحد من الاصدقاء القدامى وجدته على هذا الامر، وبدانا فى تدارس بعض الاحكام الفقهيه اللازمه لتصحيح العبادات.
وكنت مشغولا فى هذا الوقت فى انهاء رساله الدكتوراه حتى اننى اقفلت عيادتى للتفرغ للعمل بهذه الرساله، وقبلت فى نيسان /ابريل عام 1986 وبدات اتاهب لدخول امتحانات الدكتوراه فى تخصص (الباطنه العامه).
كنت منكبا على القراءه العلميه وكانت راحتى ومتعتى الوحيده اذا اصابنى الملل من القراءه فى الطب، هى اللجوء الى كتب اهل البيت(ع)، وبدا النبا يتسرب الى الذين تعاهدوا فيما بينهم وقرروا مقاطعه العبد الفقير لا كلام ولا سلام ولا معامله، وبدات حلقات الضيق تتكاثر حول شخصى المتهم بالانحراف الفكرى والخلل العقلى.. لماذا؟.. كنت اتساءل بينى وبين نفسى عن سر هذا العداء والشراسه فى مواجهه كل من ينتمى الى خط آل بيت النبوه، وما هى الجريمه التى ارتكبها اولئك المنتمون؟.. تاره يقولون (انه انحراف عقائدى.. اى عقائدى هذا؟ هل صار الايمان بخلافه ابى بكر وعمر وعثمان جزءا متمما لكلمه لا اله الا اللّه، محمد رسول اللّه، ام ماذا؟).
هل يقصدون ضروره اثبات اليد والرجل والاصابع والصعود والهبوط للذات الالهيه؟ وهو ما يومن به السلفيون ومن يدينون بمذهبهم، تعالى اللّه عما يقول الواصفون والجاحدون علوا كبيرا.
لم يحاول احد منهم ان يقنعنى بركائز هذه العقيده ومعالم الانحراف العقيدى التى حلت بالعبد الفقير، ولم اكن فى حاجه الى من يعرفنى، فكتبهم موجوده فى الساحه توزع من دون مقابل، وهى موجوده لدى ايضا.
اعتقال عام (1408هر1987م)
فى ايار/مايو 1987، انطلقت عده رصاصات على وزير الداخليه المصرى السابق حسن ابو باشا، وعلى الفور بدات حمله اعتقالات على طريقه (عناقيد الغضب الاسرائيليه) فتوجست من هذه الحادثه.
وبعد ثلاثه اسابيع من بدء (حمله عناقيد الغضب) جاء زوار الفجر واخذونى مره اخرى الى سجن الاستقبال ومنه مباشره الى ساحات الاستجواب والتعذيب، جرى تعصيبى وتقييدى من الخلف ويبدو انها تكنولوجيا امريكيه جديده لم ارها فى المره السابقه، القوا بى فى العراء على هذه الطريقه لمده يومين وكعادتهم اللاآدميه اخذوا ملابسى.
ثم اعادونى الى السجن، ورمونى فى زنزانه فى الطابق الرابع، بلا ماء ولا شبابيك ولا فراش، ولم يونس وحدتى الا اسراب البعوض، ثم اعادونى الى ساحه التعذيب والاستجواب بعد اسبوعين، حيث بدات حفله تعذيب بالكهرباء، كان الاستجواب فيها مجرد غطاء لممارسه التعذيب بالكهرباء وتوجيه صدمات كهربائيه للمخ وباقى الاماكن الحساسه ثم اطلقوا سراحى بعد يومين آخرين.
كان الهدف واضحا من حفله التعذيب هذه حيث لا تهمه ولا حتى معلومات يريدون الحصول عليها ومنذ اللحظه الاولى قال لى المحقق السفاح: (سندفعك الى الجنون (ويمكرون ويمكر اللّه واللّه خير الماكرين)«الانفال/30».
خرجت من المعتقل مريضا بالفعل، ومضت على عده شهور حتى استطعت استعاده قدرتى على التركيز الى سابق عهدها، ولكن التامر اخذ شكلا آخر كان الهدف منه اخراجى من عملى بالجامعه بكل ما لديهم من وسائل، وهكذا تم تاخير حصولى على الدكتوراه من عام 1408ه/1987م حتى 1413ه/1992م ست سنوات كامله من الضغوط الوظيفيه والمعاشيه كى يجبرونى على تغيير (عقيدتى الفاسده) حتى جاء الحق وظهر امر اللّه وهم كارهون.
التنظيم الاسلامى الشيعى 1989م
من الواضح ان النفوذ البعثى العراقى قد امتد الى كافه انحاء المنطقه وخاصه مع نهايه الحرب العراقيه الايرانيه التى نصب فيها صدام حسين نفسه زعيما للامه العربيه وحامى البوابه الشرقيه، الى آخر هذه الالقاب التى منحها له الاعلام الماجور والحاقد فى نفسه.
وكان الهجوم على المسلمين الشيعه فى كل مكان احد ملامح هذا التمدد الذى لم تكشف تفاصيله بعد، والدليل على هذا تقلص هذا العداء بتقلص دور المغرور سياسيا صدام حسين.
لم تكن الاصابع البعثيه بعيده عن تمويل الحمله الاعلاميه التى انطلقت لمهاجمه المسلمين الشيعه وتشويه معتقداتهم، ولا كانت بعيده عن تلفيق القضايا للشيعه فى الاعوام 1987، 1988، 1989م ومنها هى القضيه التى زج باسمى فيها.
والغريب فى هذه الامور ان قضيه (مفبركه) من هذا النوع تحتوى قرابه الثلاثين شخصا تم جمعهم من الشرق والغرب تحظى بتغطيه اعلاميه فى الصحف والمجلات القوميه وقد تم اعداد المتهمين من اللحظه الاولى لتصويرهم تماما كافلام السينما، لها منتج يتحمل التكاليف ويجنى المكاسب، ومخرج، ومجموعه من الممثلين كانت هذه هى الطريقه التى يتم التصرف بها فى مصائر المسلمين على مذابح الزعامات الزائفه والانتصارات الموهومه.
وانفض الجمع كما بدا، بل وكانت النتائج عكسيه تماما حيث وجدنا من احرار الامه من يدافع عنا سواء من رجال الجامعه ام من رجال الصحافه.
وفشلت الحمله السوداء التى كانت تتصور انه بمجرد اتهامنا بكلمه (الشيعه والتشيع) سيقف المجتمع ضدنا وقفه رجل واحد، لم يحدث هذا ولن يحدث ان شاء اللّه فى (مصر الازهر الشريف) الذى بناه المسلمون الفاطميون الشيعه، مصر التسامح المذهبى التى وسعت بين ارجائها المسلمين والمسيحيين بل وحتى اليهود، فكيف يتخيل بعضهم ان هذا الشعب العظيم يمكن ان يحقق لهولاء اغراضهم؟ لم تتوقف المضايقات ولكن حدتها قد خفت كثيرا فى الوقت الراهن.
حوارات مع السلفيين
لم يكن احد يعرف من هم المسلمون الشيعه ولا التشيع قبل الثوره الاسلاميه الايرانيه، وربما كان من الممكن التماس العذر لكل من وقفوا من الشيعه موقفا سلبيا، فالحقيقه غائبه ولا سبيل اليها الا بمصادفه كالتى تعرضت لها، فالشيعه مسلمون يومنون باللّه خالقا تجب عبادته واطاعه اوامره وحده لا شريك له، والانتهاء عن معاصيه، ويومنون بمحمد(ص) نبيا مرسلا هاديا، ويومنون بيوم المعاد(القيامه)، ويومنون بالقرآن الموجود بين ايدينا اليوم كتابا منزلا على الرسول(ص)، وان اللّه سبحانه وتعالى قد حفظ هذا الكتاب من اى تحريف او نقص او زياده، والمنصف هو من يعود الى كتبهم العقيديه ليطلع على افكارهم وعقائدهم، لا ان يقرا كتب خصومهم، التى تحتوى على الافتراءات والاكاذيب بما لا يرتضيه دين، ولا يقر به عاقل منصف.
لو قرا اولئك الناس كتب التراث الاسلامى لتغيرت نظرتهم وصارت اكثر عمقا، ولكن هيهات..! لماذا يقروون وقد صاروا زعماء سياسيين ودينيين لمجرد انهم قرووا الصحف والمجلات وبعض قصاصات، ولو ساروا فى الارض كما امرهم اللّه عز وجل لوجدوا المسلمين الشيعه فى طول الارض وعرضها يحملون المصحف نفسه يقروونه ويتعبدون به للّه الواحد الاحد، ولكن الهوى لا دواء له.
اسلام واحد ام اسلامان؟
لم ولن اغير موقعى المدافع عن الاسلام فى مواجهه اعدائه، ولن يصبح هذا الموقع يوما ما موقع المدافع عن طائفه ضد اخرى او مذهب ضد مذهب آخر، وما زال الصراع الحقيقى هو بين الاسلام والكفر وليس بين السنه والشيعه او حتى بين الاسلام والمسيحيه او بين الاسلام واليهوديه، سيبقى الصراع بين الحق والباطل، بين العدل والبغى، بين المستضعفين والمستكبرين، ولكن شيئا من هذا لا ينافى قراءه الاسلام فى العمق، ولا معرفه حقائق التاريخ.
كيف يمكن لامه ان تحلم باقامه دوله اسلاميه، وهى لا تمتلك مشروعا فقهيا او فقهاء مجتهدين؟! الجميع يعلمون ان المسلمين الشيعه وحدهم هم الذين يمتلكون هذا البناء الفقهى وهذه المدرسه المتكامله التى اقاموها على مدى التاريخ عبر العذابات والجراحات، وهى مدرسه تستند الى فهم آل البيت المعصومين للكتاب الكريم والسنه النبويه المطهره، ودائما كان دليلهم الاقوى وكانت فتاواهم هى الاصوب.
مثلا: اجمع فقهاء اهل البيت على ان(حج التمتع) افضل وانه فرض للبعيد عن المسجد الحرام اخذا بقوله تعالى: (واتموا الحج والعمره للّه فان احصرتم فما استيسر من الهدى ولا تحلقوا رووسكم حتى يبلغ الهدى محله فمن كان منكم مريضا او به اذى من راسه ففديه من صيام او صدقه او نسك فاذا امنتم فمن تمتع بالعمره الى الحج فما استيسر من الهدى فمن لم يجد فصيام ثلاثه ايام فى الحج وسبعه اذا رجعتم تلك عشره كامله ذلك لمن لم يكن اهله حاضرى المسجد الحرام واتقوا اللّه واعلموا ان اللّه شديد العقاب) «البقره/196».
اهل البيت يرون ذلك فرضا، اما الشيخ سيد سابق، فيرى ذلك (مجرد مذهب) لابن عباس وابى حنيفه استدل عليه بايه فى كتاب اللّه، وهو بهذا يجعل الدليل القرآنى مساويا لاراء الصحابه والتابعين، هل هذا دين؟! ثم يقولون لنا ان المسائل الفقهيه محسومه وان لا اجتهاد مع النص، اليس هذا استهزاء بالنص القرآنى؟!.
منذ عده سنوات، اقترح الكاتب الصحفى احمد بهاء الدين تعديل قوانين الميراث والاخذ بالمذهب الجعفرى الذى ينص على ان الانثى تحجب كالذكر، وقال ان الاخذ بهذه الماده القانونيه يحل الكثير والكثير من المصائب والمشاكل الاجتماعيه، فقامت الدنيا ولم تقعد، وانهال الهجوم على الرجل والكل يتحدث بمنطق العصبيه البغيض (مذهبنا ومذهبهم) ورحمه اللّه على رجال من نوعيه الشيخ محمد ابو زهره والشيخ محمد شلتوت الذين حاولوا تحريك هذه البرك الراكده، فلم يفلحوا.
يروون عن ائمه المذاهب الاربعه انهم قالوا: (اذا صح الدليل فهو مذهبى) فهل استثنى هولاء وقالوا: (الا ما جاء من ناحيه اهل البيت وشيعتهم فلا تاخذوا به فهو باطل وان صح)؟ اين هى حريه الفكر وحريه العقل؟.
لماذا ضاعت هذه الشعارات وسط بريق النفط الاسود؟ وهل للنفط بريق الا لمن عميت بصائرهم وماتت ضمائرهم فانها لا تعمى الابصار ولكن تعمى القلوب التى فى الصدور.
فى النهايه، اسجل رويتى لقضيه الامامه: اولا، رويه نقديه لمرويات اهل السنه فى هذا الموضوع، ثانيا قراءه عقليه للنص القرآنى والاحاديث الوارده فى مساله الامامه.
على طريق الامامه
فى الصميم:
لم تكن قضيه الامامه تحظى بقدر كبير من الاهتمام فى صفوف الحركات الاسلاميه المعاصره فى العالم الاسلامى، بيد ان قيام الثوره الاسلاميه فى ايران، بقياده آيه اللّه العظمى روح اللّه الموسوى الخمينى(رحمه اللّه)، قد القى عده احجار فى البحيره الراكده، وفرض على الكثيرين من العلماء والمفكرين واصحاب القلم اعاده التفكير والنظر فى مسلمات الامس القريب، فى حين اختار بعضهم موقف المعاداه لكل ما جهلوا، وصدق اللّه العلى العظيم، حيث يقول: (بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه)«يونس /39».
وهناك من قام باعمال فكره وعقله فى النصوص وفى الواقع، بهدف الحصول على الحقيقه بغض النظر عن الاستنتاج النهائى، وبغض النظر عن قوى الواقع التى تمارس بشكل عملى الاسلوب الذى تتحدث عنه الايه القرآنيه المباركه وتذمه (بل قالوا انا وجدنا آباءنا على امه وانا على آثارهم مهتدون) «الزخرف /22».
تمارس تلك القوى ذلك من دون ان تعلنه باللسان.
على ان قضيه(الامامه)، وان تعددت الدراسات حولها وكثرت الا ان غالبيه ما كتب لم يكن ليكتب فى اطار عقلى، بل ان السائد ان كل طرف ياتى بما يويد وجهه نظره من الروايات، ويتحدث عن اسانيدها ورواتها ووثاقتهم، الامر الذى دفعنى لاستخدام المنطق العقلى فى هذه الدراسه لان ما يتناقض مع العقل هو المستحيل بعينه وهو المرفوض درايه ومن ثم روايه، من دون ما حاجه لسرد اسماء الرواه والمحدثين، وما يتفق مع العقل ينبغى قوله والتسليم به، لان احكام الدين وشرائعه تتكامل ولا تتناقض، وما نعنيه بالعقل هنا هو عرض ادله المسائل الفرديه على الادله الكليه، الجامعه.
فاذا كان اللّه تبارك وتعالى: (ان اللّه يامر بالعدل) «النحل /90»، فلا يعقل ان يامر بطاعه (فاقد العقل)، والا لامر سبحانه بالشىء وضده (العدل – الجور).
وهذا محال على اللّه سبحانه وتعالى.
والى جانب ايماننا بذلك، فاننا نومن بالتكامل فى الشريعه الاسلاميه الغراء، بمعنى ان قواعد الاسلام العظيم مرتبه بعضها على بعض، فالقرآن الكريم تحدث عده مرات عن قاعده (الاصطفاء)، وانها محصوره فى الذريه والال (ان اللّه اصطفى آدم ونوحا وآل ابراهيم وآل عمران على العالمين) «آل عمران /33».
ثم نص سبحانه وتعالى على تحميل هولاء المصطفين الابرار مسوولية هداية البشر، وتعريفها بالحق: (والذى اوحينا اليك من الكتاب هو الحق مصدقا لما بين يديه ان اللّه بعباده لخبير بصير ثم اورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا) «فاطر/31 – 32».
وهذه قاعدة عامة لم تشذ عنها امه من الامم، فلماذا تشذ الامه الاسلاميه؟ (قل ما كنت بدعا من الرسل) «الاحقاف /9».
واخيرا: هناك قضيه حجيه السنه؟ فالمعارضون لمدرسه اهل البيت(ع)، حينما تضيق بهم السبل يلجاون الى حجة فى غاية الغرابة ، وهى الدفع بعدم ورود امامه اهل البيت(ع) وخلافتهم للنبى(ص) فى القرآن الكريم، وهو ما لا سبيل الى القبول بمناقشته ونحن نعلم ان حجيه السنة المتواترة تماما كحجية الكتاب، فصاحب السنة هو متلقى الوحى من رب السموات والارض ولعنة اللّه على من كذب على رسول اللّه(ص)، وليموه على الناس دينهم، وهذا الكذب هو الذى ادى الى القاء بعض الظلال على حجية السنة المطهرة ، وهى اوامر اللّه ونواهيه التى جاء بها النبى المعصوم محمد(ص)، والتشكيك فى حجية السنة لا يختلف فى شىء عن التشكيك فى حجية القرآن.
نقول ايضا: ان انتقال النبى محمد(ص) الى الرفيق الاعلى عام (11ه /632م) كان من المفترض ان يصاحبه انتقال السلطة والنظرية الى يد امينة قادرة على التعبير عن الامرين وجعل السلطة والقوة فى خدمة النظرية وليس العكس ان تكون النظرية فى خدمه السلطه فتتشكل النظرية وفقا لقدرات اصحاب السلطه الذهنيه والعقلية ولمدى امانتهم فى التطبيق، ومن هنا كان عهد النبى الاكرم لعلى سلام اللّه عليه يوم غدير خم بقوله: (من كنت مولاه فعلى مولاه)، وقوله يوم سار النبى(ص) الى غزوه تبوك وكانت يومها الدوله قائمة: (انت منى بمنزله هارون من موسى الا انه لا نبى بعدى).
ولكن الذى حدث كان غير ذلك، فالخلافه النبويه انتقلت الى من انتقلت اليه براى بعض المسلمين وليس بالنص، واولئك الخلفاء تفاوتت قدراتهم فى استيعاب النصوص ومعرفتها ومن ثم تعبيرهم عن النظريه، وان امسكوا بالسلطه فى ايديهم، وكانت ثمره الخلفاء الثلاثه الاول ان انتقال السلطه الى الامام على(ع) لم يكن انتقالا هادئا ولا مستقرا الى (امام منصوب من اللّه عز وجل) ما اسهم فى تفلت خيوط القوه من بين يديه ووصولها غنيمه بارده الى بنى اميه بقياده ابن (آكله الاكباد)، وهو انتقال رسخ الوضع الاتى:
1 – سلطه لم تستمد قوتها من شرعيه الهيه، وانما من الغصب والعدوان، وهو ما عبر عنه معاويه فى خطاب تسلم السلطه:
(انى واللّه ما قاتلتكم لتصلوا، ولا لتصوموا، ولا لتحجوا، ولا لتزكوا، انكم تفعلون ذلك، وانما قاتلتكم لاتامر عليكم، وقد اعطانى اللّه ذلك وانتم كارهون).
2 – نظريه يفترض انها (الاسلام)، ولكنه من الناحيه الواقعيه (الاسلام الاسير) فى ايدى اقوام جعلوا احدى شعائر صلاه الجمعه لعن امير المومنين على(ع) على المنابر، وهذه مساله متواتره ناهيك عن باقى موبقاتهم وجرائمهم.
فى ظل هذا الواقع السلطوى، والنظريه الاسلاميه التى تتلقى الطعنات صباح مساء من اصحاب السلطه، صيغت نظريات السلطه، ورويت الروايات ودونت الكتب، فكتب الصحاح التى يتحدثون عنها كتبت بعد قرنين من رحيل النبى الاكرم(ص)، ولذا جاءت مدونات هذه الكتب خليطا من النصوص المبتوره عن مواضعها على الرغم من صحتها، وتلك النصوص المكذوبه على رسول اللّه(ص)، وتلك النصوص المنتقاه لبعض الاشخاص اصحاب المواقف المتمشيه مع اهواء كل النظم الحاكمه الى يومنا هذا.
والاهم من هذا وذاك تلك المساحات البيضاء التى تركت فارغه ولم يدون شىء بشانها فى كتب (الاحاديث) واقتصر تدوينها على كتب التاريخ، ولذا فاننا سنقوم بتجميع بعض هذه النصوص والتعليق عليها، سعيا لايضاح الحقيقه، والانتصار للحق.
حدودالامامه
يقول الامام على(ع): (لا بد للناس من امير بر او فاجر يعمل فى امرته المومن).
يقول ابن ابى الحديد فى شرح النهج: (فاما طريق وجوب الامامه ما هى، فان مشايخنا البصريين رحمهم اللّه يقولون طريق وجوبها الشرع، وقال البغداديون وابو عثمان الجاحظ من البصريين: ان العقل يدل على وجوب الرئاسه، وهو قول الاماميه.
الا ان الوجه الذى منه يوجب اصحابنا الرئاسه غير الوجه الذى توجب منه الاماميه الرئاسه، وذاك ان اصحابنا يوجبون الرئاسه على المكلفين من حيث ان فى الرئاسه مصالح دنيويه ودفع مضار دنيويه، والاماميه يوجبون الرئاسه من حيث كان فى الرئاسه لطف منه وبعد للمكلفين عن مواقعه القبائح العقليه).
وايا كان طريق وجوب الامامه او الامره فالحقيقه انها واجبه ولكن هناك تباين حول الوجه الذى يوجب الامامه، هل هو قاصر او مرتكز على حفظ المصالح الدنيويه، ام ان المساله اعمق واشمل من وانها كما يرى المسلمون الاماميه لطف من اللّه وبعد للمكلفين عن ممارسه القبائح العقليه.
وفى اعتقادنا ان طبيعه الرئاسه او الامره وهل هى معنيه اساسا بحفظ المصالح الدنيويه ام انها ينبغى ان تكون اكثر اعتناء بحفظ المصالح الدينيه، هذه الطبيعه تفاوتت بتفاوت الامه موضع الرئاسه وطبيعه الرساله التى تحملها هذه الامه، وبالتالى فان مهام الرئاسه فى الامه الاسلاميه لا يمكن ان تتشابه مع مهام الرئاسه فى الامه الامريكيه مثلا (ام نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين فى الارض ام نجعل المتقين كالفجار) «ص/28».
ومن هنا فاننا نرى ان طبيعه رئاسه الامه الاسلاميه تكتسى وتعنون بالعناوين المدونه فى كتاب اللّه وفى سنه رسول اللّه(ص) نفسها، وان المواصفات المطلوبه فى امامه الامه الاسلاميه هى القدره على حمل هذه الاعباء، وان اى خلل فى قدرات القياده المسلمه على اداء هذه المهام الجسام تطرح العديد من التساولات حول اهليه هذه القياده واحقيتها لهذا الدور، ودونكم بعض الامثله من كتاب اللّه:
(ان اللّه يامر بالعدل والاحسان وايتاء ذى القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغى يعظكم لعلكم تذكرون) «النحل/90».
(يا داود انا جعلناك خليفه فى الارض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل اللّه ان الذنى يضلون عن سبيل اللّه لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب) «ص/26».
(قاتلوا الذين لا يومنون باللّه ولا باليوم الاخر ولا يحرمون ما حرم اللّه ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين يضلون عن سبيل اللّه لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب) «التوبه/29».
(انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون) «الحجر/9».
ان اقامه العدل، والامر بالمعروف والنهى عن المنكر، والنهى عن الفواحش، وتطهير الارض من الشرك، والظلم، والبغى، ومقاتله دول البغى والشرك، وحفظ حرمات المسلمين، وقبل هذا كله حفظ كيان الدين نصا وروحا، هى مهام من صميم الواجبات الاسلاميه الدينيه، بل وهى، ومن دون ادنى شك، امتداد لمهام النبوه التى لا تزيد عن هذا الا بالتبليغ، وتلقى الوحى من رب السموات… ونضيف الى هذه الواجبات الشرعيه واجبا فى غايه الاهميه، وهو الحفاظ على وحده المسلمين من التفكك ايا كان المسوغ، او المسمى، وذلك قوله تعالى: (شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذى اوحينا اليك وما وصينا به ابراهيم وموسى وعيسى ان اقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم اليه اللّه يجتبى اليه من يشاء ويهدى اليه من ينيب) «الشورى/13».
(وان هذا صراطى مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون) «الانعام/153»، (واعتصموا بحلل اللّه جميعا ولا تفرقوا) «آل عمران/103».
فكيف اذا يقال ان اختلافهم رحمه؟، او انه لا يوجد مذهب صحيح او غير متفق عليه؟ او ان كل المذاهب الفقهيه على تناقضها وتباينها هى مذاهب صحيحه واجبه الاتباع؟ اننا اذا تاملنا فى كلمات الامام على(ع) وهو يذم اختلاف العلماء فى الفتيا فيقول: (ترد على احدهم القضيه فى حكم من الاحكام فيحكم فيها برايه.
ثم ترد تلك القضيه بعينها على غيره فيحكم فيها بخلاف قوله.
ثم يجتمع القضاه بذلك عند الامام الذى استقضاهم فيصوب آراءهم جميعا والههم واحد! ونبيهم واحد! وكتابهم واحد! افامرهم اللّه – سبحانه – بالاختلاف فاطاعوه! ام نهاهم عنه فعصوه، ام انزل اللّه سبحانه دينا ناقصا فاستعان بهم على اتمامه!، ام كانوا شركاء له فلهم ان يقولوا، وعليه ان يرضى؟ ام انزل اللّه دينا تاما فقصر الرسول(ص) عن تبليغه وادائه، واللّه سبحانه يقول: (ما فرطنا فى الكتاب من شىء) «الانعام /38».
وفيه تبيان لكل شىء وذكر ان الكتاب يصدق بعضه بعضا، وانه لا اختلاف فيه فقال سبحانه: (ولو كان من عند غير اللّه لوجدوا فيه اختلافا كثيرا) «النساء/82» وان القرآن ظاهره انيق وباطنه عميق، لا تفنى عجائبه ولا تنقضى غرائبه، ولا تكشف الظلمات الا به).
ان كلمات امير المومنين على(ع) تحصر اسباب تعدد اجتهادات العلماء فى المدارس الفقهيه فى عده افتراضات ليس من بينها ان اختلافهم وتشتتهم رحمه، كما يروى بعض الرواه عن رسول اللّه(ص)، فهذه الاسباب الافتراضيه لا تخرج عن عده احتمالات:
اولها.. ان اللّه تبارك وتعالى امر الناس بالاتفاق فعصوا. وهذا اصح الاحتمالات.
ثانيها.. ان اللّه سبحانه امرهم بالاختلاف فاطاعوه.
وهذا فرض مستحيل.
ثالثها.. ان الدين جاء من عند اللّه ناقصا، وان الناس اكملوه بارائهم.
وهذا ايضا فرض مستحيل.
اما الفرض الرابع والاخير.. ان الرسول الاكرم(ص) قد قصر فى ابلاغ ما اوحى اليه من ربه.
وهذا ايضا فرض مستحيل، فلا يبقى امامنا الا الفرض الاول وهو الصحيح، فاللّه تبارك وتعالى امر المسلمين بالاتفاق، فعصى امر اللّه وشذ بعض الناس عن طاعه ربهم ومولاهم، ولا باس ان نقرر بدايه ان المخالفه لامر اللّه بدات من قضيه الامامه وهى الاصل، وامتدت لتشمل فروع الدين، حتى وصلت الامه الى هذه الحاله المزريه التى نعيشها الان.
الامامه ضروره قرآنيه
جاء الحديث عن الامامه، فى القرآن الكريم، فى غير موضع، ومنها:
(واذ ابتلى ابراهيم ربه بكلمات فاتمهن قال انى جاعلك للناس اماما قال ومن ذريتى قال لا ينال عهدى الظالمين) «البقره/124».
(والذين يقولون ربنا هب لنا من ازواجنا وذرياتنا قره اعين واجعلنا للمتقين اماما) «الفرقان/74».
(يوم ندعو كل اناس بامامهم فمن اوتى كتابه بيمينه فاولئك يقراون كتابهم ولا يظلمون فتيلا) «الاسراء/71».
(فقاتلوا ائمه الكفر انهم لا ايمان لهم لعلهم ينتهون) «التوبه/12».
(وجعلناهم ائمه يهدون بامرنا واوحينا اليهم فعل الخيرات واقام الصلاه وايتاء الزكاه وكانوا لنا عابدين) «الانبياء/73».
(ونريد ان نمن على الذين استضعفوا فى الارض ونجعلهم ائمه ونجعلهم الوارثين) «القصص/5».
(وجعلنا منهم ائمه يهدون بامرنا لما صبروا وكانوا باياتنا يوقنون) «السجده/24».
ان الايات السابقه تدلنا على عده مفاهيم قرآنيه:
اولا.. وجود نوعين من الامامه، امامه الحق وامامه الضلاله.
ثانيا.. ان ائمه الحق مختارون من عند اللّه (وجعلنا منهم ائمه)، (قال انى جاعلك للناس اماما).
ثالثا.. ان ائمه الحق مختارون وفقا لقاعده الاصطفاء الالهى.
رابعا.. ان ائمه الحق يهدون ويحكمون بامر اللّه، لا باهوائهم ولا باجتهادهم ولا بفهم يصيب ويخطىء (يهدون بامرنا).
خامسا.. ان الناس يحشرون يوم القيامه تبعا لائمتهم اما الى الجنه، او الى النار (يوم ندعو كل اناس بامامهم).
قاعده الاصطفاء الالهى
لقد خضعت الرسالات السماويه لعده قوانين ربانيه، سواء فى ما يتعلق بشخصيه الرسل(ص) او فى ما يتعلق بمسار الدعوه وقبول الامم لها او رفضها، او التاريخ الطبيعى للامه بعد الاستجابه لرسل اللّه وصدق اللّه العظيم (قل ما كنت بدعا من الرسل) «الاحقاف/9»، (سنه من قد ارسلنا قبلك من رسلنا ولا تجد لسنتنا تحويلا) «الاسراء/77»، وقوله(ص): (لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع).
واحدى اهم هذه القواعد هى قاعده الاصطفاء او الاجتباء (ان اللّه اصطفى آدم ونوحا وآل ابراهيم وآل عمران على العالمين(ص) × ذريه بعضها من بعض واللّه سميع عليم) «آل عمران/33 – 34»، (وانهم عندنا لمن المصطفين الاخيار) «ص/47»، (ومن آبائهم وذرياتهم واخوانهم واجتبيناهم وهديناهم الى صراط مستقيم) «الانعام /87»، (سلام على ال ياسين) «الصافات/130»، (رحمه اللّه وبركاته عليكم اهل البيت انه حميد مجيد) «هود/73».
ان هذه القاعده تعنى ان شخصيات الرسل او الائمه، كما اسلفنا، انما هى شخصيات معده ومنتقاه سلفا والناس فى عالم الذر، وان هذه النطف الطاهره قد انتقلت من رحم مومنه طاهره الى رحم مومنه طاهره، من دون ان تمر على ارحام المشركين او اصلابهم، ولم يحدث ان اصطفى رب العزه واحدا من عامه الناس للقيام بهذه المهمه.
او انها قد انتقلت من يد نبى الى احد من صحابته، وانما هى تجرى فى اطار الذريه والال، (ولقد ارسلنا نوحا وابراهيم وجعلنا فى ذريتهما النبوه والكتاب فمنهم مهتد وكثير منهم فاسقون) «الحديد/26»، (ام يحسدون الناس على ما آتاهم اللّه من فضله فقد آتينا آل ابراهيم الكتاب والحكمه وآتيناهم ملكا عظيما) «النساء/54».
اننا لسنا فى حاجه الى ان نوكد عموميه القواعد السابقه وانطباقها على محمد وآل محمد.
وحسبنا صيغه الصلاه الابراهيميه التى نقولها فى كل صلاه: (اللهم صل على محمد وآل محمد، كما صليت على ابراهيم وعلى آل ابراهيم، وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على ابراهيم وعلى آل ابراهيم).
اننا نوكد على ثبات حقيقتين تنطلقان من قاعده الاصطفاء..
الحقيقه الاولى: ان اختيار الرسل والائمه عليهم الصلاه والسلام محصور فى ذريه الرسل والانبياء (ذريه بعضها من بعض) «آل عمران/34»، وان مخالفه هذه القاعده بالادعاء بان هذا الاختيار يمتد الى عموم اصحاب اى نبى، او الى عامه امته، هو تعسف لا يقوم عليه اى دليل.
الحقيقه الثانيه: ان هذا الاصطفاء قد انتقل الى النبى محمد وآل بيته عليهم الصلاه واتم السلام تطابقا مع قوله تعالى: (سنه من قد ارسلنا قبلك من رسلنا ولا تجد لسنتنا تحويلا) «الاسراء/77»، فالنبى محمد وآله فى الدرجه الرفيعه من آل ابراهيم، وقد خصهم ربنا عز وجل بالمدح فى غير موضع من القرآن الكريم، ولنضرب بعض الامثله على هذا..
1 – آيه التطهير
قوله تعالى: (انما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا) «الاحزاب/33».
اورد ابن كثير فى تفسيره بروايه الامام احمد عن ام سلمه ذكرت: (ان النبى(ص) كان فى بيتها فاتته فاطمه رضى اللّه عنها ببرمه فيها خزيره فدخلت عليه بها.
فقال(ص) لها: ادعى زوجك وابنيك.
فقالت: فجاء على وحسن وحسين رضى اللّه عنهم فدخلوا عليه فجلسوا ياكلون من الخزيره، وهو على منامه له وكان تحته(ص) كساء خيبرى، قالت: وانا فى الحجره اصلى فانزل اللّه عز وجل هذه الايه: (انما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا)، قالت رضى اللّه عنها: فاخذ(ص) فضل الكساء فغطاهم به ثم اخرج يده فالوى بها الى السماء ثم قال: اللهم هولاء اهل بيتى وخاصتى فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.
قالت: فادخلت راسى البيت فقلت: وانا معكم يا رسول اللّه؟.
فقال(ص) : (انك الى خير انك الى خير)، وقد اورد بن كثير، فى كتابه (تفسير القرآن العظيم)، ست عشره روايه بهذا المعنى او نحوه فى تفسير هذه الايه بما يقطع بصحه هذا التاويل، ونزول الايه فى آل بيت النبوه(ص) خاصه من دون غيرهم، وهذا يقطع بصحه ما نعتقده من ان منزله آل محمد كمنزله آل ابراهيم سواء فى فضلهم ام فى دورهم (فقد آتينا آل ابراهيم الكتاب والحكمه وآتيناهم ملكا عظيما) «النساء/54».
2 – آيه الموده فى القربى
قوله تعالى: (قل لا اسالكم عليه اجرا الا الموده فى القربى) «الشورى/23»، اخرج ابن كثير فى تفسيره عن البخارى وغيره عن سعيد بن جبير ما معناه انه قال: (معنى ذلك ان تودونى فى قرابتى اى تحسنوا اليهم وتبروهم)، وقال السدى عن ابى الديلم قال: (لما جىء بعلى بن الحسين رضى اللّه عنه اسيرا على درج دمشق، قام رجل من اهل الشام فقال: الحمد للّه الذى قتلكم واستاصلكم وقطع قرن الفتنه.
فقال له على بن الحسين رضى اللّه عنه: اقرات القرآن؟.
قال: نعم.
قال: اقرات ال(حم)؟.
قال: قرات القرآن ولم اقرا ال حم.
قال: اما قرات (قل لا اسالكم عليه اجرا الا الموده فى القربى)؟ قال: وانكم لانتم هم؟.
قال: نعم).
اننا، وعند هذه النقطه من البحث بحاجه الى ان نتوقف لمراجعه التصور الاجمالى لقضيه الامامه قبل ان ننتقل الى مرحله التحديد والقطع باستنتاجات محدده..
اولا.. ان قضيه الامامه، على خطورتها القصوى، لم تعالج بصوره متجرده، وانما عولجت فى اطار محاوله اخضاع النصوص للواقع السياسى المفروض على الامه المسلمه، وخاصه وان هذه القضيه تمس شرعيه النظم السياسيه التى حكمت المسلمين فى الصميم، وان اى محاوله لاستنطاق النص بصوره واضحه كانت تمثل جريمه (محاوله قلب نظام الحكم)، وهو ما كان يسمى آنئذ شق عصا الطاعه ومفارقه الجماعه، خاصه وان حكام الامس كانوا احرص ما يكونون على القاء غلاله رقيقه من الانتساب الى الاسلام.
ثانيا.. (الاسقاط العمدى) لبعض النصوص كهذه التى وردت عن الامام الحسين(ع) اثناء مواجهه جبابره بنى اميه، او تلك الوارده عن الامام الحسن(ع) تفتح باب التساول عن المصلحه الكامنه وراء هذا، فلا يمكن ان يتعلل اصحاب السنن بعله ضعف الاسانيد مثلا، فلا يعقل ان حادثا جليلا بهذا الشكل مر على الامه مرور الكرام من دون ان تسجل فيه خطبه من خطب الامام الحسين او استناد منه الى كتاب اللّه وسنه رسوله فى هذه المواقف المصيريه الفارقه بين الحق والباطل.
ثالثا.. الاثبات المنحاز لبعض النصوص، فعلى فرض صحتها فانها لا ترقى الى مستوى النص الشرعى الملزم لجمهور المسلمين، وخير شاهد اثبات بيعه عبداللّه بن عمر لعبد الملك بن مروان او انكاره لخروج اهل المدينه من صحابه رسول اللّه(ص) من المهاجرين والانصار على يزيد السكير، ووصفه لهم بالغدر والخيانه.
رابعا.. افتقاد النصوص المطروحه للتناسق والوضوح، يقطع بان هناك حلقه مفقوده لا بد من البحث عنها واثباتها.
خامسا.. انقطاع العلاقه بين بعض النصوص المطروحه وبين التصور القرآنى لدور الامه الاسلاميه، وخاصه ذلك التناقض الغريب بين محاوله اسباغ الشرعيه على سلاطين الجور الغاصبين للخلافه وبين طبيعه الرساله الاسلاميه وحرصها على اقامه العدل ومحاربه الاستكبار ونصره المستضعفين (ونريد ان نمن على الذين استضعفوا فى الارض ونجعلهم ائمه ونجعلهم الوارثين) «القصص/5».
سادسا.. افتقاد الترابط بين بعض النصوص المطروحه فى كتب السنه وقانون الاصطفاء الالهى كما ذكرنا فى الصفحات السابقه من هذا الكتيب.
قضيه الامامه فى كتب السنه
قلنا، من قبل، اننا سنقدم ما نعتقد انه الصوره الحقيقيه لقضيه الامامه.
ولكى نتمكن من تقديم هذا التصور، كان علينا الا نقيد انفسنا بما اورده اصحاب السنن فى فصل الامامه، والا نتقيد بمصدر واحد، وانما علينا ان نفتش فى مصادر السنه المختلفه المتاحه لدينا.
وقلنا ايضا اننا سنلتزم بالقواعد القرآنيه المحكمه التى لا ياتيها الباطل، وخاصه قاعده الاصطفاء الالهى وان حمل امانه الدين والدنيا محصور فى ذريه الانبياء وآلهم لا غيرهم، الا اذا قام لدينا دليل قاطع يقول غير هذا الكلام، ولا نظن ان روايه مكذوبه منسوبه الى الرسول الاكرم تصلح لان ترد صريح القرآن.
وهناك ايضا ملاحظه هامه، وهى اننا لن نتعرض لاسانيد الاحاديث، ورجالها، ورواتها، فمعظم الاحاديث التى سنوردها قد فرغ فيها القول وحققت واصبحت اسانيدها مقطوع بصحتها.
كما لن نحرص على استقصاء جميع الروايات المتعلقه بالمساله فان هذا الامر يطول، وانما سنركز على عدد قليل من الروايات التى ذكرتها كتب اهل السنه وصحاحهم، تقودنا الى ما نريد.
1 – حديث الغدير
اخرج اصحاب السنن، واللفظه لابن المغازلى عن زيد بن ارقم قال: (اقبل نبى اللّه من مكه فى حجه الوداع حتى نزل بغدير الجحفه بين مكه والمدينه، فامر بالدوحات فقم ما تحتهن من شوك، ثم نادى الصلاه جامعه، فخرجنا الى رسول اللّه(ص) فى يوم شديد الحر وان منا لمن يضع رداءه على راسه وبعضه على قدميه من شده الرمضاء حتى انتهينا الى رسول اللّه(ص)، فصلى بنا الظهر ثم انصرف الينا فقال: الحمد للّه نحمده ونستعينه ونومن به ونتوكل عليه ونعوذ باللّه من شرور انفسنا ومن سيئات اعمالنا، الذى لا هادى لمن اضل ولا مضل لمن هدى، واشهد ان لا اله الا اللّه وان محمدا عبده ورسوله.
اما بعد،
ايها الناس فانه لم يكن لنبى من العمر الا نصف عمر من قبله وان عيسى بن مريم لبث فى قومه اربعين سنه وانى قد اسرعت فى العشرين، الا وانى اوشك ان افارقكم، الا وانى مسوول وانتم مسوولون فهل بلغتكم فماذا انتم قائلون؟ فقام من كل ناحيه من القوم مجيب يقولون: نشهد انك عبداللّه ورسوله قد بلغت رسالته وجاهدت فى سبيله وصدعت بامره وعبدته حتى اتاك اليقين، جزاك اللّه عنا خير ما جازى نبيا عن امته.
فقال: الستم تشهدون ان لا اله الا اللّه لا شريك له وان محمدا عبده ورسوله وان الجنه حق وان النار حق وتومنون بالكتاب كله؟.
قالوا: بلى.
قال: فانى اشهد ان صدقتكم وصدقتمونى الا وانى فرطكم وانكم تبعى توشكون ان تردوا على الحوض فاسالكم حتى تلقونى عن ثقلى كيف خلفتمونى فيهما.
فاعيل علينا ما ندرى ما الثقلان حتى قام رجل من المهاجرين قال: بابى انت وامى يا نبى اللّه ما الثقلان؟.
فقال(ص): الاكبر منهما كتاب اللّه تعالى سبب طرفه بيد اللّه وطرف بايديكم فتمسكوا به ولا تضلوا، والاصغر منهما عترتى من استقبل قبلتى واجاب دعوتى فلا تقتلوهم ولا تقهروهم ولا تقصروا عنهم فانى قد سالت لهم اللطيف الخبير فاعطانى ناصرهما لى ناصر، وخاذلهما لى خاذل، ووليهما لى ولى، وعدوهما لى عدو، الا وانها لم تهلك امه قبلكم حتى تتدين باهوائها تتظاهر على نبوتها وتقتل من قام بالقسط.
ثم اخذ بيد على بن ابى طالب فرفعها ثم قال: من كنت مولاه فهذا مولاه ومن كنت وليه فهذا وليه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه.
قالها ثلاثا).
2 – خطبه حجه الوداع
روى الترمذى، فى الباب(32)، تحت عنوان (مناقب اهل بيت النبى(ص))، حديث رقم (3786)، بسنده عن جابر بن عبداللّه الانصارى: (رايت رسول اللّه(ص) فى حجته يوم عرفه وهو على ناقته القصواء يخطب، فسمعته يقول: ايها الناس انى تركت فيكم ما ان اخذتم به لن تضلوا: كتاب اللّه، وعترتى اهل بيتى).
وفى حديث رقم (3788) للترمذى ايضا عن زيد بن ارقم قال:
(قال رسول اللّه(ص): انى تارك فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا بعدى احدهما اعظم من الاخر: كتاب اللّه حبل ممدود من السماء الى الارض.
وعترتى اهل بيتى ولن يفترقا حتى يردا على الحوض، فانظروا كيف تخلونى فيهما).
3 – حديث المنزله
روى البخارى وغيره من اصحاب السنن عن رسول اللّه(ص)، انه قال لعلى بن ابى طالب: (انت منى بمنزله هارون من موسى غير انه لا نبى بعدى).
4 – حديث انا مدينه العلم وعلى بابها
روى ابن المغازلى الشافعى عن جابر بن عبداللّه قال: (اخذ النبى(ص) بعض على فقال: هذا امير البرره وقاتل الكفره منصور من نصره، مخذول من خذله.
ثم مد بها صوته فقال: انا مدينه العلم وعلى بابها فمن اراد العلم فليات الباب).
واخرجه الحاكم بهذا السند فى مستدركه على الصحيحين: (انا مدينه العلم وعلى بابها فمن اراد العلم فليات الباب).
كما روى ابن المغازلى الشافعى عن جرير عن على قال: (قال رسول اللّه(ص): انا مدينه العلم وعلى بابها ولا توتى البيوت الا من ابوابها).
5 – حديث براءه
روى ابن كثير، فى تفسيره: (تفسير القرآن العظيم)، عن الامام احمد عن انس بن مالك: (ان رسول اللّه(ص) بعثه ببراءه مع ابى بكر فلما بلغ ذا الحليفه قال: لا يبلغها الا انا او رجل من اهل بيتى فبعثها مع على بن ابى طالب).
ورواه الترمذى فى التفسير، وقال عبداللّه بن احمد بن حنبل عن على: (لما نزلت عشر آيات من براءه على النبى(ص)، دعا ابا بكر فبعثه بها ليقراها على اهل مكه ثم دعانى فقال: ادرك ابا بكر فحيثما لحقته فخذ الكتاب منه فاذهب الى اهل مكه فاقراه عليهم.
فلحقته بالجحفه فاخذت الكتاب منه ورجع ابو بكر الى النبى(ص) فقال: يا رسول اللّه نزل فى شىء؟.
فقال: لا، ولكن جبريل جاءنى فقال: لن يودى عنك الا انت او رجل من منك).
وروى عبداللّه ايضا عن على: (ان رسول اللّه(ص) قال لى: لا بد ان اذهب بها انا او تذهب بها انت.
فقال: فان كان ولا بد فساذهب بها انا.
قال: انطلق فان اللّه يثبت لسانك ويهدى قلبك.
قال: ثم وضع يده على فيه).
وروى ابن كثير ايضا عن اسرائيل عن زيد بن يثيغ: (لما رجع ابو بكر قال: نزل فى شى؟.
قال: لا ولكن امرت ان ابلغها انا او رجل من اهل بيتى).
وروى ايضا: (لما نزلت براءه قال رسول اللّه(ص): لا يودى عنى الا رجل من اهل بيتى).
(ان اللّه تعالى عهد الى عهدا فى على فقلت يا رب بينه لى، فقال: اسمع، فقلت: سمعت، فقال: ان عليا رايه الهدى، وامام اوليائى، ونور من اطاعنى، وهو الكلمه التى الزمتها المتقين، من احبه احبنى، ومن ابغضه ابغضنى.
فبشره بذلك.
فجاء على فبشرته.
فقال: يا رسول اللّه انا عبداللّه، وفى قبضته فان يعذبنى فبذنبى، وان يتم لى الذى بشرتنى به فاللّه اولى بى.
قال: قلت:
اللهم اجل قلبه واجعل ربيعه الايمان، فقال اللّه: قد فعلت به ذلك، ثم انه رفع الى انه سيخصه من البلاء بشىء لم يخص به احدا من اصحابى.
فقلت: يا رب اخى وصاحبى.
فقال: ان هذا شىء قد سبق انه مبتلى ومبتلى به).
6 – احاديث اخرى
حديث.. (من سره ان يحيا حياتى ويموت ميتتى ويتمسك بالقضيبه من الياقوته التى خلقها اللّه تعالى بيده، ثم قال لها:
كونى فكانت، فليتمسك بولاء على بن ابى طالب).
رواه الحافظ ابو نعيم الاصفهانى ورواه احمد بن حنبل فى المسند.
حديث.. (والذى نفسى بيده، لولا ان تقول طوائف من امتى فيك ما قالت النصارى فى ابن مريم لقلت فيك مقالا لا تمر بملا من المسلمين الا اخذوا التراب من تحت قدميك للبركه).
رواه احمد فى المسند.
حديث.. قال رسول اللّه(ص): (يا انس اسكب لى وضوءا، ثم قام فصلى ركعتين.
ثم قال: يا انس اول من يدخل عليك من هذا الباب امير المومنين، وسيد المسلمين، وقائد الغر المحجلين، وخاتم الوصيين.
قال انس: قلت: اللهم اجعله رجلا من الانصار وكتمته، اذ جاء على فقال(ص): من هذا يا انس؟.
فقلت: على.
فقام مستبشرا فاعتنقه ثم جعل يمسح عرق وجهه بوجهه ويمسح عرق على بوجهه.
قال على: يا رسول اللّه لقد رايتك تصنع شيئا ما صنعت بى من قبل؟ قال: وما يمنعنى وانت تودى عنى، وتسمعهم صوتى وتبين لهم ما اختلفوا فيه بعدى).
حديث.. (من سره ان يحيا حياتى ويموت ميتتى ويسكن جنه عدن التى غرسها ربى فليوال عليا من بعدى، وليوال وليه وليقتد بالائمه من بعدى فانهم عترتى خلقوا من طينتى ورزقوا فهما وعلما، فويل للمكذبين من امتى القاطعين فيهم صلتى لا انالهم اللّه شفاعتى).
مناقشه الاحاديث السابقه
حديث الغدير.. اشهر من ان يعرف، رواه معظم اصحاب السنن ان لم نقل كلهم وصححوه، ولقد ذكرنا فى الصفحات السابقه موارد ذكر هذا الحديث فى صحاح اهل السنه.
وواقعه (غدير خم) معروفه الزمان والمكان، حدثت اثناء عوده المسلمين من حج بيت اللّه الحرام فيما عرف بحجه الوداع قبيل موت رسول اللّه(ص) بقليل، اى فى العام العاشر للهجره الموافق 631 ميلادى.
فاذا كانت الحجه عرفت بانها حجه الوداع فكلمات رسول اللّه(ص) كانت وصيه الوداع من رسول وصفه القرآن:
(لقد جاءكم رسول من انفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمومنين رووف رحيم) «التوبه/128»، انها كلمات تحمل اقصى درجه من الاهميه والخطوره بالنسبه لمصير الامه ومستقبلها، هذه الوصيه كانت بامر اللّه سبحانه وتعالى وقد جاء فى اسباب النزول للنيسابورى وغيره من المفسرين ان قوله تعالى: (يا ايها الرسول بلغ ما انزل اليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته واللّه يعصمك من الناس) «المائده/67»، انها نزلت يوم غدير خم، وان هذا التبليغ كان امرا حيويا متمما ومكملا للرساله الاسلاميه ككل، والا لما قال القرآن (وان لم تفعل فما بلغت رسالته).
ما هذا الجزء الذى يكمل الكل فيجعله تاما؟.
توضح كلمات الخطبه هذه المعانى فتقول (الا وانى اوشك ان افارقكم وانى مسوول).
اذن فالرساله فى غايه الاهميه، انها المسووليه امام اللّه عن الثقلين كيف خلفتمونى فيهما؟ اول الثقلين او الثقل الاكبر هو كتاب اللّه، اذن القضيه قضيه منهج وليست قضيه عاطفه، انه نبى يوشك ان يفارق امته فيوصيهم لا بالاولاد كما يفعل عوام الناس، ولا بتنميه ماله، ولكن يوصيهم بالحفاظ على المنهج، بل ويحدد لهم وسيله الحفاظ على هذا المنهج، ان هذا لا يكون الا بمتابعه الثقلين: الكتاب والعتره، اتباع منهج، وقياده، لا على سبيل العاطفه او الموده فحسب.
فناصر الكتاب واهل البيت ناصر الرسول، وخاذل الكتاب والعتره خاذل للرسول، انها وصيه مركزه ومحدده تحدد المنهج، وهو الكتاب او النص وتحدد القياده وهى قياده اهل البيت الاقدر على فهم النص وتطبيقه، ومطابقه السلوك مع المنهج، فكيف اذن يمر الناس على هذا الحديث المتواتر مرور الكرام؟! واذا اضطروا لاثبات الفهم لجووا الى تمييع الافهام فيقولون: (ولا ننكر الوصاه بهم) وهل كان رسول اللّه(ص) فى حاجه الى ان يجمع المسلمين فى هذا الموضع ليوصيهم بذريته وحسب؟، لا نظن هذا.
ثم يلجا الرسول الاكرم(ص) الى مزيد من التحديد حينما يطرح ولايه امير المومنين(ع) بصوره واضحه ومحدده فيقول: (من كنت وليه فهذا وليه)
يقول بعض الباحثين: ان هذا الكلام لا يعنى ولايه الامر او قياده الامه وانما يعنى النصره والمحبه، وهذا كلام عجيب، فماذا كانت تعنى ولايه رسول اللّه للامه؟.
الم تكن ولايه التشريع والقياده (من كنت مولاه فهذا مولاه)، انها ولايه من ولايه، انها من نفس الجنس والنوع والمعنى، وليس هناك اى دليل او قرينه لغويه تفصل بين الولايتين، بل على العكس انها قضيه الامتداد تطرح فى وقتها الملائم (انى اوشك ان افارقكم – من كنت مولاه فعلى مولاه).
بقى ان نقول ان هناك معنى عظيما فى هذا الحديث، وهو قوله عليه الصلاه والسلام: (وانهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض)، هذا المعنى هو ان هذه القياده وان غيبت، فانها لا تغيب بل وستبقى حاضره فى دين المسلمين، انها حاضره حضور الكتاب فى دنيا الناس حتى آخر الدنيا، ثم ان هذه القياده تحتفظ بصوابيه الكتاب الكريم نفسها، اذ العتره عدل الكتاب ورفيقته فى طريق الحق، وحاشا لكليهما من الزيغ والضلال.
ومن عجب ان روايه الترمذى عن خطبه رسول اللّه(ص) فى حجه الوداع، وهى روايه تفرد بها تحمل المعنى نفسه بل النص والوصيه نفسيهما (تركت فيكم ما ان اخذتم به لن تضلوا، كتاب اللّه وعترتى اهل بيتى)، لقد كان رسول اللّه(ص) حريصا على ان يكرر الوصيه نفسها فى مسافه زمنيه متقاربه وفى وسط اكبر عدد من جموع المسلمين اجتمعت فى حجه الوداع، ثم كان حديثه فى (غدير الجحفه) تفصيلا وتاكيدا لوصيته يوم عرفه، ثم انها فوق كل هذا وصيه مودع وصيه (رسول من انفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمومنين رووف رحيم) «التوبه/128».
اما (حديث المنزله) وقد قاله رسول اللّه(ص)، قبيل مغادرته المدينه الى غزوه تبوك فى رجب من العام التاسع للهجره، 630 ميلادى، وتبوك موضع فى شمالى جزيره العرب، ولما انطلق النبى(ص) الى الغزو، استخلف عليا(ع) على المدينه فكانت هذه الكلمات: (اما ترضى ان تكون منى بمنزله هارون من موسى غير انه لا نبى بعدى)، فماذا كانت منزله هارون من موسى؟، فلنقرا القرآن: (وواعدنا موسى ثلاثين ليله واتممناها بعشر فتم ميقات ربه اربعين ليله وقال موسى لاخيه هارون اخلفنى فى قومى واصلح ولا تتبع سبيل المفسدين) «الاعراف/142».
اذا لقد كانت منزله هارون من موسى هى منزله الخلافه على الامه (اخلفنى فى قومى).
ثم نص القرآن على واجبات الخلافه (واصلح ولا تتبع سبيل المفسدين).
وهل كان اختيار رسول اللّه(ص) للامام على(ع) لحمل آيات البراءه مجرد مصادفه خاصه، وانه(ص) كان قد ارسل غيره حاملا للرساله ثم نزعها منه واعطاها للامام؟، لقد كانت رساله البراءه كما يلى: (ايها الناس، انه لا يدخل الجنه كافر، ولا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان، ومن كان له عهد عند رسول اللّه(ص) فهو الى مدته).
ان هذه المهمه التى ارسل فيها امير المومنين على(ع) هى من مهام (القياده العليا) بالتعبير السياسى الحديث، مهمه ابرام المعاهدات او نقضها، مهمه وضع سياده الدوله الاسلاميه فى اطارها النهائى، ومن ثم كان اختيار الامام على لهذه المهمه متلائما مع دوره المقبل فى قياده الامه الاسلاميه فى المرحله المقبله، وانه فى هذه اللحظه كان يمثل ما تعارف عليه الناس بمصطلح (النائب الاول)، وهذا المعنى واضح فى كلمات الرسول(ص): (لا يودى عنى الا انا او رجل من اهل بيتى).
اما حديث السفينه فهو يحمل المعنى نفسه الوارد فى حديث الثقلين، انه يربط بين النجاه وبين التمسك بمنهج اهل البيت(ع) وولايتهم: (مثل اهل بيتى فيكم كمثل سفينه نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك)، وهل كان ركوب سفينه نوح متاحا للمومن والكافر ام انه كان متاحا للمومنين من الصابرين دون غيرهم من المعاندين؟.
انها كانت هديه اللّه لمن آمنوا وصدقوا (حتى اذا جاء امرنا وفار التنور قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين واهلك الا من سبق عليه القول ومن آمن وما آمن معه الا قليل× وقال اركبوا فيها بسم اللّه مجراها ومرساها ان ربى لغفور رحيم) «هود/40 – 41»، انها سفينه النجاه تسير بامر اللّه مجراها ومرساها لا باهواء الناس ولا بضحاله علمهم (وهى تجرى بهم فى موج كالجبال) «هود/42»، ثم هى بعد ذلك الوسيله الوحيده للنجاه من مهالك الدنيا والاخره.
ويبقى، بعد هذا، حديث مدينه العلم، هذا الحديث الذى شبه فيه الرسول(ص) علمه بالمدينه التى لا توتى الا من بابها، وبابها هو امير المومنين على(ع)، ولطالما استعصى على فهم قوله تعالى: (وليس البر بان تاتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى واتوا البيوت من ابوابها) «البقره/189»، هل نزلت هذه الايه لتعالج مشكله تسلق اسوار البيوت فحسب؟!، ربما، ولكنى لا اظن ان مثل هذه الظاهره تكفى وحدها لتعطينا مدلولا قاطعا مانعا يمنع انطباق مدلول هذه الايه على ايه قضيه اخرى.
ان المدلول الاخطر والاهم هو تنظيم الهيئه الاجتماعيه، ووضع القياده العلميه للامه فى موضعها الصحيح، وهو موضع الباب، وعلى كل من يريد الدخول ان يمر عبر الطريق الطبيعى وهو الباب، فاذا لم يكن للمدينه اسوار واصبح الدخول مفتوحا لكل من هب ودب، فان هذا عين الفوضى الاجتماعيه والعلميه والاخلاقيه، ثم وجدت ضالتى فى كلمات الامام على(ع):
(نحن الشعار والاصحاب، والخزنه والابواب، ولا توتى البيوت الا من ابوابها، فمن اتاها من غير ابوابها سمى سارقا).
الامامه فى قريش
1 – روى البخارى ومسلم: (الناس تبع لقريش فى هذا الشان مسلمهم لمسلمهم وكافرهم تبع لكافرهم)، (الناس تبع لقريش فى الخير والشر)، (لا يزال هذا الامر فى قريش ما بقى من الناس اثنان).
وروى البخارى عن معاويه بن ابى سفيان، عندما بلغه ان عبداللّه بن عمرو يحدث انه سيكون ملك من قحطان فقال: (بلغنى ان رجالا منكم يحدثون احاديث ليست فى كتاب اللّه ولا توثر عن رسول اللّه، فانى سمعت رسول اللّه(ص) يقول: ان هذا الامر فى قريش لا يعاديهم احد الا كبه اللّه على وجهه ما اقاموا الدين).
2 – الائمه اثنا عشر كلهم من قريش.. روى البخارى ومسلم:
(ان هذا الامر لا ينقضى حتى يمضى فيهم اثنا عشر خليفه كلهم من قريش)، (لا يزال الاسلام عزيزا الى اثنى عشر خليفه كلهم من قريش).
3 – هلاك الامه على يدى ائمه قريشيين.. روى البخارى فى باب الفتن عن عمرو بن سعيد قال: (اخبرنى جدى قال: كنت جالسا مع ابى هريره فى مسجد النبى(ص) بالمدينه ومعنا مروان بن الحكم، قال ابو هريره: سمعت الصادق الصدوق يقول:
هلكت امتى على يدى غلمه من قريش.
فقال مروان: لعنه اللّه عليهم من غلمه.
فقال ابو هريره: لو شئت ان اقول بنى فلان وبنى فلان لفعلت.
فكنت اخرج مع جدى الى بنى مروان حين ملكوا الشام فاذا رآهم غلمانا احداثا قال لنا: عسى هولاء ان يكونوا منهم.
قلنا: انت اعلم).
هذه الروايات وردت فى اهم كتب الحديث المعتمده لدى اهل السنه، بعد كتاب اللّه، ويستفاد منها عده معان:
ا – ان الامامه محصوره فى قريش.. امامه الابرار للابرار وامامه الفجار للفجار.
ب -ان الائمه الابرار عددهم اثنا عشر قرشيا.
ج -ان الامامه الحق ليست مباحه لكل قريش، بل هى محرمه على الظالمين منهم، لانه لا يعقل ان تعطى الامامه لمن يهلكون الامه، والروايه الثالثه تحذر منهم.
ان هذه الروايات تحتاج الى دراسه هادئه واعيه، فليس من المعقول ان تكون معرفه هولاء الائمه الابرار متروكه للتجربه، واحتمال الصواب والخطا مع ما يترتب على ترك هذا الامر غامضا من آثار مدمره وضاره جدا بمجموع المسلمين، فلو كان الناس على يقين من ضلال بعضهم لوجب عليهم عدم توليتهم من الاصل.
الامر الاخر المثير للريبه هو صمت ابى هريره عن تسميه ائمه الضلال فيقول: (لو شئت لفعلت) ويعلق السندى شارح البخارى على هذه العباره بقوله: (كان يعرف اسماءهم، وكان ذلك من الجراب الذى لم يبثه).
ومعلوم ان القوم يقولون: ان ابا هريره حفظ عن رسول اللّه(ص) جرابين من العلم، بث احدهما وكتم الاخر وقال: (لو بحت به لقطع هذا البلعوم)، وهذا اعتراف صريح بان ابا هريره قد كتم لمصلحه يراها، وهذه المصلحه معروفه على اى حال، انها مصلحه بنى اميه الذين استخدموه واعطوه من وظائفهم، ومن اموال المسلمين ما جعله يرى مصلحته هى مصلحه الناس جميعا.
والغريب ان المقريزى روى عن ابى هريره فى كتاب (التنازع والتخاصم) تسميه بنى الحكم: (رايت فى النوم بنى الحكم وبنى العاص ينزون على منبرى كما تنزو القرده فما روى رسول اللّه(ص) مستجمعا ضاحكا حتى توفى)، كما روى المقريزى الروايه نفسها عن سعيد بن المسيب: (راى النبى(ص) بنى اميه على منابرهم فساءه ذلك فاوحى اليه انما هى دنيا اعطوها فقرت عينه وهى تفسير قوله تعالى: (وما جعلنا الرويا التى اريناك الا فتنه للناس والشجره الملعونه فى القرآن ونخوفهم فما يزيدهم الا طغيانا كبيرا) «الاسراء/60» اى بنى اميه، وقد روى ايضا ان: (رجلا قام الى الحسن بن على رضى اللّه عنهما فقال: يا مسود وجه المومنين.
فقال: لا تونبنى رحمك اللّه فان رسول اللّه(ص) قد راى بنى اميه يخطبون على منبره رجلا رجلا فساءه ذلك فنزلت (انا اعطيناك الكوثر) «الكوثر/1» ونزلت (اهنا انزلناه فى ليله القدر× وما ادراك ما ليله القدر× ليله القدر خير من الف شهر) «القدر/1 -3».
يعنى مده ملك بنى اميه فحسب ذلك فاذا هو لا يزيد ولا ينقص).
كما روى ايضا عن ابى هريره وابى سعيد الخدرى: (ان رسول اللّه(ص) قال: اذا بلغ بنو العاص اربعين رجلا اتخذوا دين اللّه دخلا وعباد اللّه خولا ومال اللّه دولا).
وعلى الرغم من هذه الروايات جميعها، نجح بنو اميه فى الاستيلاء على السلطه بعد ثلاثين عاما من وفاه رسول اللّه(ص) ، وضربوا بجميع هذه التحذيرات عرض الحائط وطوله.
وفى الوقت الذى يجهد فيه بعض الكتاب والرواه فى تلميع صوره بنى اميه على الرغم من كل ذلك، فاننا نلاحظ اغفالا متعمدا للكثير من سيره آل البيت(ع)، وهنا نود ان نتوقف امام حدثين من احداث التاريخ الاسلامى المهمه وهما:
الاول.. صلح الامام الحسن بن على(ع)، مع معاويه بن ابى سفيان
الثانى.. حادثه استشهاد الامام الحسين بن على(ع) على يد جنود يزيد بن معاويه فى كربلاء سنه (41ه/661م).
اولا.. صلح الامام الحسن بن على(ع) مع معاويه.
روى ابن ابى الحديد فى كتابه (شرح نهج البلاغه) عن ابى الفرج الاصفهانى عن سفيان بن ابى ليلى قال: (اتيت الحسن بن على حين بايع معاويه، فوجدته بفناء داره، وعنده رهط، فقلت: السلام عليك يا مذل المومنين.
قال: عليك السلام يا سفيان.
انزل فنزلت، فعقلت راحلتى ثم اتيته، فجلست اليه، فقال: كيف قلت يا سفيان؟ قلت: السلام عليك يا مذل المومنين.
فقال: ما جر هذا منك الينا؟.
فقلت: انت واللّه – بابى انت وامى – اذللت رقابنا حين اعطيت هذا الطاغيه البيعه، وسلمت الامر الى اللعين ابن اللعين ابن آكله الاكباد، ومعك مائه الف كلهم يموت دونك.
وقد جمع اللّه عليك امر الناس.
فقال: يا سفيان، انا اهل بيت اذا علمنا الحق تمسكنا به، وانى سمعت عليا يقول: سمعت رسول اللّه(ص) يقول: لا تذهب الليالى والايام حتى يجمع امر هذه الامه على رجل واسع السرم ضخم البلعوم، ياكل ولا يشبع لا ينظر اللّه اليه، ولا يموت حتى لا يكون له فى السماء عاذر، ولا فى الارض ناصر، وانه لمعاويه وانى عرفت ان اللّه بالغ امره.
ثم قال لى: ما جاءنا بك يا سفيان؟.
قلت: حبكم، والذى بعث محمدا للهدى ودين الحق.
قال: فابشر يا سفيان فانى سمعت عليا يقول: سمعت رسول اللّه(ص) يقول: يرد على الحوض اهل بيتى ومن احبهم من امتى كهاتين، يعنى السبابتين.
ولو شئت لقلت هاتين يعنى السبابه والوسطى، احداهما تفضل على الاخرى، ابشر يا سفيان فان الدنيا تسع البر والفاجر حتى يبعث اللّه امام الحق من آل محمد(ص)).
هذه هى رويه الامام الحسن سلام اللّه عليه لتطور الاوضاع فى الامه الاسلاميه، وانه سلام اللّه عليه لم يسلم الخلافه لمعاويه لانه يعده قياده شرعيه واجبه السمع والطاعه، وانما فى مواجهه ضروره قاهره املتها ضغوطات الواقع وتخاذل المتخاذلين كما املتها معرفته بما ستوول اليه الامور، وان القرار الذى اتخذه بايقاف القتال لم يتحول الى اقرار بشرعيه الغصب والعدوان، وها هو يرد على لسان ابن آكله الاكباد حين خطب خطبته الفاجره فى افتتاح دولته قائلا: (انى واللّه ما قاتلتكم لتصلوا ولا لتصوموا، ولا لتحجوا، ولا لتزكوا، انكم تفعلون ذلك وانما قاتلتكم لاتامر عليكم، وقد اعطانى اللّه ذلك وانتم كارهون).
فيرد عليه الامام الحسن(ع): (ان الخليفه من سار بكتاب اللّه وسنه نبيه وليس الخليفه من سار بالجور ذاك رجل ملك ملكا تمتع به قليلا ثم يتنخمه، تنقطع الذمه وتبقى تبعته وان ادرى لعله فتنه لكم ومتاع الى حين).
لقد كانت الامه فى حاجه الى هذا الخطاب الواعى من امام الحق الذى يشخص الواقع لا ان يصبح جزءا منه ومن ادواته، هذه هى مهمه العلماء، فاذا قام الائمه(ع) والعلماء من بعدهم بواجبهم بقيت التبعه على الذين خذلوا الحق، وايدوا الباطل.
لماذا اغفل الشيخ البخارى هذه الحقائق ولم يرو شيئا عنها؟.
لماذا لم يرو هولاء القوم شروط صلح الامام الحسن بن على مع معاويه، وهى شروط تنبه المسلمين انه مهما كانت ضغوط الواقع، وجبروت الفراعنه، فانه لا يمكن اسباغ الشرعيه على حكومات الجور والعدوان.
ونقرا هذه الشروط، كما رواها الشيخ الصدوق، قال: (بايع الحسن بن على، صلوات اللّه عليه، معاويه على ان لا يسميه امير المومنين، ولا يقيم عنده شهاده وعلى ان لا يتعقب على شيعه على شيئا، وعلى ان يفرق فى اولاد من قتل مع ابيه يوم الجمل ويوم صفين الف الف درهم).
انه وضع للقتال وليس تسليما للرقاب من غير قيد ولا شرط، انه رجل تملك ملكا تمتع به قليلا ثم (يتنخمه) تنقطع الذمه وتبقى التبعه.
لم يحدثنا التاريخ ان الحسن بن على(ع) سعى فى تثبيت ملك بنى اميه، وتوعد من خالفهم بالويل والثبور وعظائم الامور، وكيف يعقل ان ينتقل الحال بامام عظيم هو الحسن(ع) من قياده المواجهه ضد المد الاموى ليصبح ذيلا تابعا فى نظام يتخذ من السلطه هدفا لا وسيله لاقامه العدل، اننى اوقن ان الحديث عن السمع والطاعه فى مواجهه هذه الحكومات الجائره هو خلط مريب للاوراق، وكان الاولى بهولاء الرواه ان يتنزهوا عنه.
ثانيا.. حادثه استشهاد الامام الحسين بن على
واقعه اخرى هى خروج الامام الحسين(ع)، طالبا اصلاح احوال الامه المسلمه وآمرا بالمعروف وناهيا عن المنكر، وهو الامر الذى انتهى بشهادته واهل بيته فى كربلاء فى العاشر من شهر محرم الحرام عام (61ه/680م).
كما هو معروف فى جميع كتب التاريخ.
خرج الامام الحسين بن على بن ابى طالب(ع) مدافعا عن قيم الاسلام الحقيقى الذى حاول تيار الحقد الاموى ان يجرفه فى طريقه، لقد عمل الامويون ما فى وسعهم لسلب الامه حقها فى اختيار من يقودها فتصبح الخلافه ملكا وراثيا، وارادوا ان يسلبوا الامه عزها وكرامتها وشرفها الى الابد ليقودها سكير ينادم القرود ويعطل السنن، ويشرب الخمر.
وقد تصدى الامام الحسين(ع) لهذا العبء العظيم قائلا: (مثلى لا يبايع مثله)، وهذه كلمات ترسخ مبدا عظيما من الناحيه الشرعيه والدستوريه، وهو انه لا ينبغى ان يحكم الامه مثل هولاء الفساق، وواللّه ان الدول غير المسلمه ان تسامحت مع سلوكيات الاشخاص العاديين فانها لا تتسامح اطلاقا مع سلوكيات قادتها، ونحن اولى بالحق منهم.
(نحن اهل البيت اولى بولايه هذا الامر عليكم من هولاء المدعين ما ليس لهم والسائرين فيكم بالجور والعدوان)، وهذه قاعده اخرى مكمله لما سبقها ومفادها انه لا يجوز ان يستمر فى حكم الامه من عرف بالجور والعدوان.
ثم هو يسند هذه المره الى رسول اللّه(ص): (ايها الناس، ان رسول اللّه(ص) قال: من راى سلطانا جائرا مستحلا لحرم اللّه ناكثا لعهد اللّه مخالفا لسنه رسول اللّه(ص) يعمل فى عباد اللّه بالاثم والعدوان فلم يغير عليه بفعل ولا قول كان حقا على اللّه ان يدخله مدخله، الا وان هولاء قد لزموا طاعه الشيطان وتركوا طاعه الرحمن واظهروا الفساد وعطلوا الحدود واستاثروا بالفىء واحلوا حرام اللّه، وحرموا حلاله وانا احق من غير)، لماذا لم يرو البخارى ومسلم هذا الحديث عن ابى عبداللّه(ع)؟، هل يشكون فى صدقه؟، اليس هذا الحديث احق بالروايه من قصه بيعه ابن عمر لعبد الملك بن مروان؟، ام ان روايه الحسين(ع) – وان صدق – لا تتوافق مع مذهبه ورويته وليذهب الصدق الى الجحيم.
كما روى ابن جرير الطبرى ان الامام الحسين بن على(ع) خطب فقال: (انه قد نزل من الامر ما قد ترون، وان الدنيا قد تغيرت وتنكرت وادبر معروفها واستمرت جدا فلم يبق منها الا صبابه الاناء وخسيس عيش كالمرعى الوبيل، الا ترون ان الحق لا يعمل به وان الباطل لا يتناهى عنه ليرغب المومن فى لقاء اللّه محقا فانى لا ارى الموت الا شهاده ولا الحياه مع الظالمين الا برما(.
اليست هذه الاموال والاعمال مواقف ودروس فى السياسه والاخلاق كان الاولى بمصنفى الاحاديث ان يعتنوا بها ويرووها، والا يضعوها فوق الرفوف كانهم لا يعلمون.
يروى البخارى ويكثر الروايه عن ابن عمر وابى هريره ولا يروى شيئا عن آل بيت النبوه اصحاب الكساء الذين اذهب اللّه عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.
(انما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا) «الاحزاب/33».
وانه لحرى بالمسلم الواعى ان يكون دقيقا فى ما يقرا من احداث التاريخ، وان يميز بوعى، وبورع، وتقوى بين ائمه الهدى، وبين ائمه الضلال.
1 – ائمه الهدى لهم السمع والطاعه.
2 – ائمه الهدى لا يامرون بمعصيه.
3 – ائمه الهدى لا يكونون عبيدا لا لغيرهم، ولا لشهواتهم.
4 – ائمه الهدى لا ياكلون اموال الناس بالباطل.
5 – ائمه الهدى لا يقتلون الذين يامرون بالقسط والعدل من الناس.
اما ائمه الضلال فلا يتورعون عن ارتكاب الجرائم والمنكرات، ولا حتى عن اختراع ما لم نسمع به من قبل.
هذه الفروق نحن فى امس الحاجه لتمييزها وتبين معالمها، واذا كان استعراض النصوص السابقه قد كشف لنا عن حاله التخبط التى عانى منها بعض كتاب التاريخ واصحاب الفكر قديما وحديثا فى رويتهم لقضيه الامامه والسياسه، وهو ما كان عليهم تجنبه، او الخضوع فيه لاهواء الحاكمين من الطغاه فى تشويه احداث التاريخ وطمس حق آل بيت الرسول فى خلافه الرسول(ص).
خاتمه المطاف
ان نظره واحده الى الساحه الاسلاميه، فى حالتها الراهنه، تكفى للتدليل على صحه ما نقول، فقد اصبحت ساحه العلم بلا اسوار، فهى الان مستباحه لكل ناعق، فكل من اراد الدخول دخل وسمى نفسه عالما واتبعه شراذم من الناس:
وكلهم يدعى وصلا لليلى وليلى لا تقر لهم بذاك ان نظره الى مجموعه الاحاديث السابقه الوارده فى على وآل البيت(ع) وهى – ليست كل ما عندنا فما زال فى جعبتنا الكثير- تكشف عن صوره واضحه خاصه، اذا اضيفت اليها احاديث الائمه الاثنى عشر وهى ان القياده الطبيعيه للامه الاسلاميه تتمثل فى ائمه اهل البيت سفينه النجاه، الثقل الاصغر الذى ان تمسكنا به نجانا اللّه من خزى الدنيا وعذاب الاخره، وان الذين ينكرون هذه الحقيقه لا يملكون تصورا محددا يمكن تقديمه للامه الاسلاميه، بل كل ما يقدرون عليه هو الانكار والتشكيك، تاره يقولون: هذا الحديث ضعيف وتاره اخرى منكر، واعجب اشد العجب من اجماع اهل السنن جميعهم على روايه هذه الاحاديث ثم وقوفهم منها موقف اللاموقف، وفهمهم فيها هو اللافهم.
حتى تلك الاحاديث الواضحه فى دلالتها على حتميه اتباع العتره اتباعا منهجيا وقفوا منها ايضا اللاموقف فقد اثبتوها نصا، ولكنهم لم يخرجوا منها باى نتيجه، واعجب من هولاء اولئك الذين يصرون الى يومنا هذا على ترديد مقوله (عبداللّه بن سبا)، فهل كان عبداللّه بن سبا راوى حديث الثقلين؟، ام انه روى حديث خلفاء الرسول الاثنى عشر؟، ام انه هو الذى روى حديث آيه التطهير؟، ام آيه الموده فى القربى؟، اى منطق هذا يريد ان يسيطر على عقول الناس بارهابهم بان اصل هذا الكلام هو عبداللّه بن سبا اليهودى (ائتونى بكتاب اللّه من قبل هذا او اثاره من علم ان كنتم صادقين) «الاحقاف/4».
تقديم
الإستبصار (موقع يهتم بشؤون المستبصرين ) ، عرفت الساحه المصريه، فى السبعينيات، حركه فكريه وسياسيه نشطه، كان للتيار الدينى فيها بعض المواقع، ثم جاءت الثوره الاسلاميه الايرانيه فى اواخرها فبهر قائدها وشعبه الذى صنعها انظار الاسلاميين فى كل مكان.
وفهم مولف هذا الكتاب الدكتور احمد راسم النفيس وهو طبيب مصرى كان فى اواسط السبعينيات قطبا من اقطاب الحركه الطلابيه الاسلاميه فى مصر.
وقد ضايقه ان يكون الشعب الذى فجر هذه الثوره (منحرف العقيده) كما يصفه بعضهم من غير المنصفين فسعى الى معرفه هذه العقيده، ثم تطور السعى الى مراجعه عقيدته التى ورثها عن اسرته محاوله منه لمعرفه طريق الصواب الموصل الى حقيقه الايمان، ومن ثم الى رضا اللّه سبحانه.
وها هو المولف الطبيب يروى لنا من مولفه هذا قصه سعيه الى هذه المعرفه وتوصله اليها فى رحله طويله بدات منذ نشاته فى اسره علميه واتصلت فى المدرسه والمحيط والجامعه، وفى دروب الحياه الملاى بالاحداث…
وتبين للمسافر فى سبيل المعرفه، فى نهايه الرحله ان سفينه النجاه للامه الاسلاميه تتمثل فى اهل بيت النبوه، فطوبى لمن اهتدى الى هذه السفينه وانضوى تحت شراعها.
بيروت
مركز الغدير للدراسات الاسلاميه
اول الطريق
نشاتى الاولى
ولدت عام (1372ه/1952م). كان ابى (رحمه اللّه) من رجال التعليم، اما جدى فكان عالما من علماء الازهر الشريف يقوم بالخطابه فى مسجد القريه، وكان له (منتدى) يجتمع فيه المثقفون من ابناء هذه القريه، يتعلمون على يديه العلوم الدينيه والفقهيه والادبيه.
تفتحت عيناى على اسماء الكتب والمولفات الحديثه لطه حسين والعقاد، وكم دارت مساجلات فى بيتنا حول الشعر والادب بين ابى (رحمه اللّه عليه) وبين اصدقائه من الشعراء والادباء الذين حفلت بهم آنئذ مدينه المنصوره، تلك المدينه الجميله (سابقا) التى تقع على شاطىء النيل.
تعلمت من ابى وجدى(رحمه اللّه عليهما) حب القراءه والاطلاع، قرات كل ما وقع تحت يدى من كتب اثناء طفولتى الا كتاب واحد عجزت عن مواصله القراءه فيه، وهو (ابناء الرسول فى كربلاء) للكاتب المصرى خالد محمد خالد، كنت اجهش بالبكاء فى اللحظه التى امسك فيها الكتاب واعجز عن مواصله قراءته.
مضت ايام العمر الاولى، كان ابى هادئا لا يرتبط باى اتجاه سياسى او دينى من تلك الاتجاهات التى حفلت بها مصر خلال هذه الحقبه، اما انا فكنت مختلفا بعض الشىء عن باقى افراد الاسره.
الجمعيه الشرعيه
فى العام (1388ه/1968م) افتتح بالقرب من منزلنا مسجد (الجمعيه الشرعيه)، كانت تلك الجمعيه تطرح على الناس حديثا عن الاسلام والمسلمين مندده بالبدع التى دخلت على الدين، وكانت ترفع شعارا مضمونه: ان لا خلاص للمسلمين مما هم فيه الا بتنقيه الاسلام مما علق به من البدع والخرافات، واهمها بكل تاكيد ما يفعله الناس من قول سيدنا (محمد)(ص) بدلا من قولهم (محمد) فقط مجردا من جميع الالقاب، والمصيبه الكبرى عندهم هى الصلاه على النبى وآله عقب الاذان، اما الشرك الاعظم – كما يرون- فهو بكل تاكيد زياره قبور الصالحين من آل البيت او غيرهم، هذا هو الاسلام الصحيح من وجهه نظرهم.
اجتذبتنا هذه الدعوه (التصحيحيه) آونه من الوقت، وما لبث المسجد ان تحول الى مجرد مكان للصلاه، ثم لا شىء.
فى الجامعه
حصلت على الثانويه العامه عام (1390ه/1970م) بمجموع مرتفع اهلنى لدخول كليه الطب بمدينه المنصوره فى جمهوريه مصر العربيه التى سبقنى اليها اخى الاكبر المولع بالنشاط الفنى، وهو ما اهله لدخول اتحاد الطلبه.
وكان هذا حافزا لى على خوض التجربه نفسها، ولكن فى مجال الثقافه.
وكان هذا المجال النافذه التى فتحت لى باب الاطلاع على الصراعات الفكريه والسياسيه التى امتلات بها الساحه المصريه فى اوائل السبعينيات، حيث كان التيار الشيوعى لا يزال نشطا من خلال المواقع التى احتلها فى الحقبه الناصريه.
والواقع ان الحجم الاعلامى لهذا التيار تجاوز بكثير حجمه الحقيقى، وكان التيار الدينى يتحرك بصوره خجوله محاولا اكتساب بعض المواقع، وكان من الطبيعى ان يحدث الصدام بين التيارين المتناقضين، وخاصه ان التيار اليسارى كان يتحرك بصوره مستفزه للجميع.
فى العام (1395ه/1975م)، وبعد سلسله من الاستفزازات اليساريه، خضنا الانتخابات الطالبيه تحت رايه التيار الاسلامى فى مواجهه التيار اليسارى، وانتهت المعركه بهزيمه ساحقه لليسار وانتصار باهر للتيار الاسلامى، وتسلمت رئاسه اتحاد الطلاب بكليه طب المنصوره لعامين متتاليين.
ثم قتل السادات
كان رايى فى محمد انور السادات، ولا يزال، هو ان هذا الرجل يحاول ممارسه السياسه ولكن على طريقه لاعبى السيرك، فكان ان وجئت عنقه فى احدى الالعاب الخطره التى مارسها، وانه ارتكب كل موبقات السياسه.
اعطى الصهاينه ما لم يحلموا به طوال عمرهم، واعطى الامريكان عام (1400ه/1979م) القاعده الجويه فى مصر ليهاجموا ايران من اجل اطلاق رجال المخابرات الامريكيه المحتجزين فى ما كان يطلق عليه السفاره الامريكيه فى طهران، واستقبل شاه ايران محمد رضا بهلوى على ارض مصر مستفزا مشاعر (شعبين مسلمين): الشعب الايرانى والشعب المصرى.
ثم لم يمت حتى وقف فى صف نظام صدام حسين فى عدوانه على الجمهوريه الاسلاميه (1401 – 1408ه/1980 – 1988م) قائلا: (نعم العراق هو المعتدى ولكننا نساعده(.
هذه هى الاجواء التى سبقت مقتله بيد احد رجاله فى يوم زينته، وهو المقتل الذى فتح على ابناء الشعب المصرى الكثير والكثير من المصاعب الى يومنا هذا.
لم يكن قد مضى على زواجى سوى ثلاثه ايام حين اصدر السادات آخر قراراته البهلوانيه، وهو قرار التحفظ على (1500) شخص من معارضيه من كافه التيارات السياسيه فى مصر (سبتمبر/ ايلول 1981م)، لم يمض شهر حتى قتل السادات يوم السادس من اكتوبرر تشرين اول 1981م.
ولم يمض شهر آخر حتى جاء زوار الفجر يطرقون الباب، طلبوا منى الحضور لمده خمس دقائق، وهى خمس دقائق طالت مده سنه كامله.
فى هذا الوقت كنت على وشك الانتهاء من رساله (الماجستير.)
بعد يومين كنت فى (سجن الاستقبال) الذى كان مقرا للتحقيقات فى قضيه تنظيم الجهاد، وفى اللحظه التى دخلت فيها تلقيت الصفعه الاولى التى اطاحت بنظارتى الطبيه وكسرتها، حاولت لملمه النظاره فلم افلح، اذ انهالت الضربات على من كل جانب، ثم امرنا بالوقوف فى مواجهه الحائط والايدى مرفوعه الى اعلى، وانهالت السياط على ظهورنا، هذه يسمونها (حفله الاستقبال).
ثم حلقوا لنا رووسنا بصوره مشوهه، ثم قادونا الى الزنازين بالسياط والركلات، كان هذا فى بدايه فصل الشتاء، وقد القى بنا فى الزنازين على البلاط معصوبى الاعين بعدما اخذوا ملابسنا.
وكانت التعليمات تقضى ببقاء العصابه على العيون حتى فى داخل الزنزانه، والوقوف انتباها لحظه دخول الجنود، فى مواجهه الحائط، وتلقى السياط او الكابلات وفقا لما تيسر.
كان هذا السجن احد المواقع الاساسيه للتحقيقات مع تنظيم الجهاد، وكان التحقيق يبدا يوميا بعد الساعه العاشره مساء ولا ينتهى الا مع طلوع الفجر، حيث كنا فى كل ليله نسمع صراخ المحققين يطلبون من المعتقلين الاعتراف، وصراخ المعتقلين تحت التعذيب.
اما عن اسلوب التعامل معنا فى المعتقل فالعنوان الابرز هو انعدام الانسانيه.
الحيره
.. وهكذا مضى عام كامل على فى ذلك المعتقل غير الانسانى، الذى كانت فيه ابسط حقوقنا الانسانيه مسلوبه.
بيد ان اللّه تبارك وتعالى انزل علينا صبرا، ووفقنى لحفظ القرآن الكريم.
وبقيت تجربه السجن مع هذه التيارات المختلفه فى الراى، والمتنازعه فى الاهواء، ماثله امامى، وما لفتنى هو اجتماع كل اولئك فى ضيافه النظام الحاكم.
لقد كانت هذه التجربه فرصه رائعه للتامل فى الكثير من الافكار، وفى فكر المجموعات من حولى، واستخلاص العبر من معايشتها ومعاينتها، وعسى ان تكرهوا شيئا ويجعل اللّه فيه خيرا كثيرا.
وفى مثل هذا الجو الذى يخيم عليه الجهل، لم تكن قضيه مذهب آل البيت(ع) مطروحه لاسباب عديده قد يكون من اهمها انعدام ادوات المعرفه.
انتهت رحله المعتقل يوم 31/10/1982م. (1402ه)، حيث عدت الى مكانى فى مستشفى المنصوره الجامعى، والى بيتى الصغير، والى اسرتى. وسارت الامور هادئه.
وكان الغيث ينزل من السماء رويدا رويدا.
كيف نزل الغيث؟
حوار حول المهدى المنتظر
التقيت ذات يوم من ايام الاعوام(1404 – 1406ه/1983 – 1985م) باحد الاصدقاء المصريين العائدين من بعثه علميه فى بريطانيا، واخبرنى انه التقى ببعض الايرانيين اثناء دراسته، ودار بينه وبينهم حوار حول الثوره الاسلاميه فى ايران، واخبروه ان هناك حديثا اسمه (حديث الرايات السود) التى تاتى من قبل المشرق تمهد للمهدى، قلت له: لا علم لى بمثل هذه الروايه، فسكت.
والتقيت باحد الاصدقاء (الازاهره) (نسبه للازهر الشريف) فسالته عن حقيقه الامر فلم يعطنى اجابه نافعه كعادتهم، فكل شىء عندهم فيه قولان واحيانا ثلاثه وربما اربعه، فلم اقتنع بكلامه، وقلت ابحث بنفسى، فوجدت الروايه فى كتاب (الملاحم والفتن) لابن كثير عن رسول اللّه(ص):
(انا اهل بيت اختار اللّه لنا الاخره، وان اهل بيتى سيلقون بعدى بلاء شديدا وتطريدا حتى ياتى قوم من قبل المشرق يحملون الرايات السود يسالون الخير فلا يعطونه فيقاتلون فينصرون، فمن ادركهم منهم فلياتهم ولو حبوا على الثلج فان فيهم خليفه اللّه المهدى)، وغيرها من الروايات المشابهه.
واصلت البحث فوجدت روايات اخرى تمدح (الشيعه)، وهى روايات لا تقبل التاويل او التدجيل، مثل قوله(ص) فى تفسير قوله تعالى فى سوره الجمعه: (وآخرين منهم لما يلحقوا بهم وهو العزيز الحكيم) «الجمعه/3».
قال: (هذا وقومه واشار الى سلمان الفارسى)، وهى روايه موجوده فى تفسير ابن كثير وتفسير الطبرى وغيرهما.
الكتب الصفراء
فى هذه الاونه (1982 – 1985) كانت الحرب العراقيه الايرانيه على اشدها، فجاه تحول جزء من النفط عن مساره المعهود فى تمويل آله الحرب العراقيه، او تسخين الليالى الحمراء، وتحويلها الى ليال ملتهبه.
فتحولت بعض المنابر الى (منابر حمراء) هى الاخرى.
فى هذه الاونه امطرت الساحه المصريه بوابل من الكتب الصفراء التى تتهجم على المسلمين الشيعه، وانطلق التيار السلفى ليقوم بالدور المرسوم له فى مهاجمه المسلمين الشيعه وبيان بطلان عقائدهم.
ومن الواضح تماما ان هولاء كانوا ينفذون خطا مرسوما ومدعوما بل ويحاولون الايحاء بان وراء التشيع فى الجمهوريه الاسلاميه خطا عنصريا فارسيا فى مواجهه الاسلام العربى! وهذه مقوله تكشف بوضوح الرويه البعثيه العراقيه التى امتطت ظهر السلفيه.
والغريب ان احد الصحفيين المصريين الذين ما زالوا على عهد الولاء بمقاومه الشيعه واهل البيت حتى آخر اكذوبه فى جعبته النتنه، قد طلع علينا بمقوله ان التشيع الايرانى انما هو من ايحاء (اوروبا) التى ارادت ان تجعل من تشيع ايران وسيله لضرب الدوله العثمانيه.
لا باس من الكذب، والقوم شعارهم (ايها الكذابون لا تخجلوا)!.
لماذا اخترت مذهب اهل البيت؟
كنت فى سفره عائليه فى احد ايام صيف عام (1405ه/1984م).
وعثرت فى احدى المكتبات على كتاب عنوانه: (لماذا اخترت مذهب اهل البيت)؟.
استاذنت فى اخذه. لم يكن احد يعبا به او يعرف محتواه.
اخذت الكتاب، وقراته. تعجبت، ثم تعجبت كيف يمكن لعالم ازهرى هو الشيخ الانطاكى مولف الكتاب ان يتحول الى مذهب اهل البيت(ع)، ارقتنى هذه الفكره آونه وقلت فى نفسى: هذا الرجل له وجهه نظر ينبغى احترامها، لم اقرر شيئا، آنئذ، واحتفظت بالكتاب.
خلفاء الرسول الاثنا عشر
بعد عام وفى التوقيت نفسه، وفى المكان نفسه، عثرت على الكتاب الثانى: (خلفاء الرسول الاثنا عشر)، قراته وفهمته ولم اقرر شيئا، لم يات آنئذ، اوان اتخاذ القرار، لكنه صار قاب قوسين او ادنى.
التحول – الاستفزاز – الزندانى – حزب اللّه – حركه التوحيد الاسلامى – طرابلس – الشيخ سعيد شعبان – سبتمبررايلول 1985 – الاعجاز العلمى فى القرآن الكريم.
التقت جميع هذه العناوين فجاه فى سبتمبررايلول 1985.
كنت على وشك انهاء رساله الدكتوراه، كانت وما زالت تسليتى الوحيده فى اثناء العمل هى جهاز الراديو نعرف اخبار العالم وماسى المسلمين منه، فجاه التهبت المعارك فى طرابلس – لبنان بين حركه التوحيد الاسلاميه بقياده الشيخ سعيد شعبان (حزب سنى) وبين الاحزاب اليساريه، وكانت معارك ساخنه: قصف، وحصار، وقتلى.
فى هذه الاثناء كان هناك موتمر (الاعجاز العلمى فى القرآن الكريم) الذى اشرفت عليه – وقتها – نقابه الاطباء فى مصر، كنت احضر هذا الموتمر.
وبعد انتهائه التقيت باحد الزملاء الذين يتحركون فى معيه الشيخ عبد المجيد الزندانى اليمنى اللاجىء للعربيه السعوديه آنئذ، اقترح على هذا الزميل لقاء الشيخ ودعوته لالقاء محاضره فى احد مساجد المنصوره عن الاعجاز العلمى فى القرآن الكريم، وهى مساله كان وما زال لى فيها راى مختلف، لا باس قلنا نذهب لدعوه الشيخ، صعدنا اليه فى غرفته الفاخره فى احد فنادق القاهره، قمت بتوجيه الدعوه اليه، كان الرجل حريصا على ابراز جواز السفر الدبلوماسى السعودى الذى كان يحمله رغم كونه يمنيا.
قبل ان اذهب الى المحاضره كنت قد استمعت الى آخر الاخبار عن طرابلس وحركه التوحيد المحاصره من جميع الجهات.
والتى كادت الاحزاب اليساريه فى لبنان تفتك بها، وعن تدخل الجمهوريه الاسلاميه الايرانيه لانهاء الحصار وانقاذ الشيخ سعيد شعبان (السنى) وحزبه من الدمار، وذهاب وفد من حزب اللّه الى طرابلس لضمان امن الشيخ.
موقف هزنى من الاعماق، واسعدنى ان يكون هذا موقف الجمهوريه الاسلاميه ورئيسها آنئذ السيد على الخامنئى الذى هاتف الرئيس السورى حافظ الاسد مده ساعه لانهاء الازمه.
ذهبت الى المحاضره، وجاء الشيخ وقال ما لديه عن الاجنه والفلك وان الاسلام حلو وجميل.
جاء دور العشاء، وعلى المائده جاء دور الاسئله الخاصه، فساله سائل عن ايران والخمينى والشيعه؟ ويبدو ان الرجل لم يكن يتوقع اى معارضه فاتخذ موقفا شتاما منذ البدايه: هولاء الشيعه اوغاد – يحاربون الجهاد الافغانى – كذبوا على اللّه وادعوا اثنى عشر اماما فابى اللّه الا ان يخزيهم فغيب امامهم الثانى عشر وهم ينتظرونه عند السرداب.
قلت: سبحان اللّه يا مولانا، المعركه الان هى بين الاسلام والعلمانيه المدعومه من قوى الكفر العالمى، ولا ينبغى اطلاقا ان نسمح بمعركه بين الاسلام السنى والاسلام الشيعى.
ثم سالته: اين كانت الدول الاسلاميه السنيه وحركه التوحيد الاسلاميه السنيه تذبح فى طرابلس؟ ولماذا لم يتدخل احد الا ايران الاسلاميه الشيعيه؟ اليس هذا دليل على صحه ما اقول؟ قال: نعم، ولكن هولاء رافضه ينبغى الا نتعاون معهم، ثم استدرك وقال: ينبغى ان يكون التعامل معهم من خلال هيئه امم اسلاميه.
سكت… وسكت الشيخ وتكلم الصمت.
عدت الى بيتى، وانا فى قمه الاستفزاز والانفعال.
قلت لنفسى:
ان كان حقا ما يقولون ان المسلمين الشيعه بكل هذه الدناءه فلعنه اللّه عليهم، وان كانت كل هذه اكاذيب موجهه اليهم فتلك النازله الكبرى التى ما بعدها نازله.
مضت ايام. كان هناك معرض للكتاب فى كليه الطب بالمنصوره.
مررت به فوجدت كتابا بعنوان (الامام جعفر الصادق) تاليف المستشار عبد الحليم الجندى، طبعه مجمع البحوث الاسلاميه 1977م، قلت: هذا كتاب عن الامام جعفر الصادق من تاليف كاتب مصرى سنى، وصادر من قبل موسسه رسميه قبل قيام الثوره الاسلاميه فى ايران، فاخذته وقراته وتزلزل كيانى لما فيه من معلومات عن اهل البيت(ص) طمستها الانظمه الجائره وكتمها علماء السوء، فان القوم – كما روى على لسان الزهرى راويه بنى اميه – لا يطيقون ان يذكر آل محمد بخير.
عدت الى الكتابين السابقين، واخرجت ما فيهما من المعلومات، ووجدتها جميعها من مصادر سنيه قلت: لعل المسلمين الشيعه كذبوا فاوردوا على الناس ما لم يقولوه! فلنعد الى هذه المصادر بنفسنا، قمت بعمليه جرد دقيقه لجميع هذه الكتب، سواء منها ما كان فى مكتبتى الخاصه، ام ما كان فى مكتبه جمعيه الشبان المسلمين، وتحققت فعلا من صحه هذه المعلومات، وعرفت مدى المصداقيه التى يتمتع بها الزندانى وابو اسماعيل واحسان الهى ظهير..!! وهنا نقطه هامه، وهى: ان كتب الحديث عند اهل السنه كالبخارى ومسلم وغيرهما، تكاد تكون مقدسه عند القوم لان صحه خلافه الخلفاء الثلاثه الاول مستمده.. اولا من الامر الواقع، وثانيا من الروايات التى وردت فى هذه الكتب، فاذا كان القوم يسلمون بصحه الروايات الوارده فى فضائل الثلاثه الاول وجب عليهم التسليم بكل ما عداها ومنها فضائل اهل البيت(ع) وامامتهم.
اما اذا قالوا: بل ننظر فى صحه الروايات والرواه، فقد فتحوا باب النقد فى مسلماتهم وصار من حقنا النقاش فى صحه اسانيدهم وترجيح الدليل الاقوى، وهو عين ما يتوخاه كل باحث عن الحق وعندئذ ستكتسب الروايات الوارده فى امامه اهل البيت(ع) قوه مضاعفه، اولا من قوه اسانيدها وثانيا من اعتراف مخالفيها بصحتها، والفضل ما شهدت به الاعداء والخصوم.
لم تمض الا اسابيع قليله الا وكانت المساله محسومه تماما من الناحيه العقيديه، ثم التقيت بواحد من الاصدقاء القدامى وجدته على هذا الامر، وبدانا فى تدارس بعض الاحكام الفقهيه اللازمه لتصحيح العبادات.
وكنت مشغولا فى هذا الوقت فى انهاء رساله الدكتوراه حتى اننى اقفلت عيادتى للتفرغ للعمل بهذه الرساله، وقبلت فى نيسان /ابريل عام 1986 وبدات اتاهب لدخول امتحانات الدكتوراه فى تخصص (الباطنه العامه).
كنت منكبا على القراءه العلميه وكانت راحتى ومتعتى الوحيده اذا اصابنى الملل من القراءه فى الطب، هى اللجوء الى كتب اهل البيت(ع)، وبدا النبا يتسرب الى الذين تعاهدوا فيما بينهم وقرروا مقاطعه العبد الفقير لا كلام ولا سلام ولا معامله، وبدات حلقات الضيق تتكاثر حول شخصى المتهم بالانحراف الفكرى والخلل العقلى.. لماذا؟.. كنت اتساءل بينى وبين نفسى عن سر هذا العداء والشراسه فى مواجهه كل من ينتمى الى خط آل بيت النبوه، وما هى الجريمه التى ارتكبها اولئك المنتمون؟.. تاره يقولون (انه انحراف عقائدى.. اى عقائدى هذا؟ هل صار الايمان بخلافه ابى بكر وعمر وعثمان جزءا متمما لكلمه لا اله الا اللّه، محمد رسول اللّه، ام ماذا؟).
هل يقصدون ضروره اثبات اليد والرجل والاصابع والصعود والهبوط للذات الالهيه؟ وهو ما يومن به السلفيون ومن يدينون بمذهبهم، تعالى اللّه عما يقول الواصفون والجاحدون علوا كبيرا.
لم يحاول احد منهم ان يقنعنى بركائز هذه العقيده ومعالم الانحراف العقيدى التى حلت بالعبد الفقير، ولم اكن فى حاجه الى من يعرفنى، فكتبهم موجوده فى الساحه توزع من دون مقابل، وهى موجوده لدى ايضا.
اعتقال عام (1408هر1987م)
فى ايار/مايو 1987، انطلقت عده رصاصات على وزير الداخليه المصرى السابق حسن ابو باشا، وعلى الفور بدات حمله اعتقالات على طريقه (عناقيد الغضب الاسرائيليه) فتوجست من هذه الحادثه.
وبعد ثلاثه اسابيع من بدء (حمله عناقيد الغضب) جاء زوار الفجر واخذونى مره اخرى الى سجن الاستقبال ومنه مباشره الى ساحات الاستجواب والتعذيب، جرى تعصيبى وتقييدى من الخلف ويبدو انها تكنولوجيا امريكيه جديده لم ارها فى المره السابقه، القوا بى فى العراء على هذه الطريقه لمده يومين وكعادتهم اللاآدميه اخذوا ملابسى.
ثم اعادونى الى السجن، ورمونى فى زنزانه فى الطابق الرابع، بلا ماء ولا شبابيك ولا فراش، ولم يونس وحدتى الا اسراب البعوض، ثم اعادونى الى ساحه التعذيب والاستجواب بعد اسبوعين، حيث بدات حفله تعذيب بالكهرباء، كان الاستجواب فيها مجرد غطاء لممارسه التعذيب بالكهرباء وتوجيه صدمات كهربائيه للمخ وباقى الاماكن الحساسه ثم اطلقوا سراحى بعد يومين آخرين.
كان الهدف واضحا من حفله التعذيب هذه حيث لا تهمه ولا حتى معلومات يريدون الحصول عليها ومنذ اللحظه الاولى قال لى المحقق السفاح: (سندفعك الى الجنون (ويمكرون ويمكر اللّه واللّه خير الماكرين)«الانفال/30».
خرجت من المعتقل مريضا بالفعل، ومضت على عده شهور حتى استطعت استعاده قدرتى على التركيز الى سابق عهدها، ولكن التامر اخذ شكلا آخر كان الهدف منه اخراجى من عملى بالجامعه بكل ما لديهم من وسائل، وهكذا تم تاخير حصولى على الدكتوراه من عام 1408ه/1987م حتى 1413ه/1992م ست سنوات كامله من الضغوط الوظيفيه والمعاشيه كى يجبرونى على تغيير (عقيدتى الفاسده) حتى جاء الحق وظهر امر اللّه وهم كارهون.
التنظيم الاسلامى الشيعى 1989م
من الواضح ان النفوذ البعثى العراقى قد امتد الى كافه انحاء المنطقه وخاصه مع نهايه الحرب العراقيه الايرانيه التى نصب فيها صدام حسين نفسه زعيما للامه العربيه وحامى البوابه الشرقيه، الى آخر هذه الالقاب التى منحها له الاعلام الماجور والحاقد فى نفسه.
وكان الهجوم على المسلمين الشيعه فى كل مكان احد ملامح هذا التمدد الذى لم تكشف تفاصيله بعد، والدليل على هذا تقلص هذا العداء بتقلص دور المغرور سياسيا صدام حسين.
لم تكن الاصابع البعثيه بعيده عن تمويل الحمله الاعلاميه التى انطلقت لمهاجمه المسلمين الشيعه وتشويه معتقداتهم، ولا كانت بعيده عن تلفيق القضايا للشيعه فى الاعوام 1987، 1988، 1989م ومنها هى القضيه التى زج باسمى فيها.
والغريب فى هذه الامور ان قضيه (مفبركه) من هذا النوع تحتوى قرابه الثلاثين شخصا تم جمعهم من الشرق والغرب تحظى بتغطيه اعلاميه فى الصحف والمجلات القوميه وقد تم اعداد المتهمين من اللحظه الاولى لتصويرهم تماما كافلام السينما، لها منتج يتحمل التكاليف ويجنى المكاسب، ومخرج، ومجموعه من الممثلين كانت هذه هى الطريقه التى يتم التصرف بها فى مصائر المسلمين على مذابح الزعامات الزائفه والانتصارات الموهومه.
وانفض الجمع كما بدا، بل وكانت النتائج عكسيه تماما حيث وجدنا من احرار الامه من يدافع عنا سواء من رجال الجامعه ام من رجال الصحافه.
وفشلت الحمله السوداء التى كانت تتصور انه بمجرد اتهامنا بكلمه (الشيعه والتشيع) سيقف المجتمع ضدنا وقفه رجل واحد، لم يحدث هذا ولن يحدث ان شاء اللّه فى (مصر الازهر الشريف) الذى بناه المسلمون الفاطميون الشيعه، مصر التسامح المذهبى التى وسعت بين ارجائها المسلمين والمسيحيين بل وحتى اليهود، فكيف يتخيل بعضهم ان هذا الشعب العظيم يمكن ان يحقق لهولاء اغراضهم؟ لم تتوقف المضايقات ولكن حدتها قد خفت كثيرا فى الوقت الراهن.
حوارات مع السلفيين
لم يكن احد يعرف من هم المسلمون الشيعه ولا التشيع قبل الثوره الاسلاميه الايرانيه، وربما كان من الممكن التماس العذر لكل من وقفوا من الشيعه موقفا سلبيا، فالحقيقه غائبه ولا سبيل اليها الا بمصادفه كالتى تعرضت لها، فالشيعه مسلمون يومنون باللّه خالقا تجب عبادته واطاعه اوامره وحده لا شريك له، والانتهاء عن معاصيه، ويومنون بمحمد(ص) نبيا مرسلا هاديا، ويومنون بيوم المعاد(القيامه)، ويومنون بالقرآن الموجود بين ايدينا اليوم كتابا منزلا على الرسول(ص)، وان اللّه سبحانه وتعالى قد حفظ هذا الكتاب من اى تحريف او نقص او زياده، والمنصف هو من يعود الى كتبهم العقيديه ليطلع على افكارهم وعقائدهم، لا ان يقرا كتب خصومهم، التى تحتوى على الافتراءات والاكاذيب بما لا يرتضيه دين، ولا يقر به عاقل منصف.
لو قرا اولئك الناس كتب التراث الاسلامى لتغيرت نظرتهم وصارت اكثر عمقا، ولكن هيهات..! لماذا يقروون وقد صاروا زعماء سياسيين ودينيين لمجرد انهم قرووا الصحف والمجلات وبعض قصاصات، ولو ساروا فى الارض كما امرهم اللّه عز وجل لوجدوا المسلمين الشيعه فى طول الارض وعرضها يحملون المصحف نفسه يقروونه ويتعبدون به للّه الواحد الاحد، ولكن الهوى لا دواء له.
اسلام واحد ام اسلامان؟
لم ولن اغير موقعى المدافع عن الاسلام فى مواجهه اعدائه، ولن يصبح هذا الموقع يوما ما موقع المدافع عن طائفه ضد اخرى او مذهب ضد مذهب آخر، وما زال الصراع الحقيقى هو بين الاسلام والكفر وليس بين السنه والشيعه او حتى بين الاسلام والمسيحيه او بين الاسلام واليهوديه، سيبقى الصراع بين الحق والباطل، بين العدل والبغى، بين المستضعفين والمستكبرين، ولكن شيئا من هذا لا ينافى قراءه الاسلام فى العمق، ولا معرفه حقائق التاريخ.
كيف يمكن لامه ان تحلم باقامه دوله اسلاميه، وهى لا تمتلك مشروعا فقهيا او فقهاء مجتهدين؟! الجميع يعلمون ان المسلمين الشيعه وحدهم هم الذين يمتلكون هذا البناء الفقهى وهذه المدرسه المتكامله التى اقاموها على مدى التاريخ عبر العذابات والجراحات، وهى مدرسه تستند الى فهم آل البيت المعصومين للكتاب الكريم والسنه النبويه المطهره، ودائما كان دليلهم الاقوى وكانت فتاواهم هى الاصوب.
مثلا: اجمع فقهاء اهل البيت على ان(حج التمتع) افضل وانه فرض للبعيد عن المسجد الحرام اخذا بقوله تعالى: (واتموا الحج والعمره للّه فان احصرتم فما استيسر من الهدى ولا تحلقوا رووسكم حتى يبلغ الهدى محله فمن كان منكم مريضا او به اذى من راسه ففديه من صيام او صدقه او نسك فاذا امنتم فمن تمتع بالعمره الى الحج فما استيسر من الهدى فمن لم يجد فصيام ثلاثه ايام فى الحج وسبعه اذا رجعتم تلك عشره كامله ذلك لمن لم يكن اهله حاضرى المسجد الحرام واتقوا اللّه واعلموا ان اللّه شديد العقاب) «البقره/196».
اهل البيت يرون ذلك فرضا، اما الشيخ سيد سابق، فيرى ذلك (مجرد مذهب) لابن عباس وابى حنيفه استدل عليه بايه فى كتاب اللّه، وهو بهذا يجعل الدليل القرآنى مساويا لاراء الصحابه والتابعين، هل هذا دين؟! ثم يقولون لنا ان المسائل الفقهيه محسومه وان لا اجتهاد مع النص، اليس هذا استهزاء بالنص القرآنى؟!.
منذ عده سنوات، اقترح الكاتب الصحفى احمد بهاء الدين تعديل قوانين الميراث والاخذ بالمذهب الجعفرى الذى ينص على ان الانثى تحجب كالذكر، وقال ان الاخذ بهذه الماده القانونيه يحل الكثير والكثير من المصائب والمشاكل الاجتماعيه، فقامت الدنيا ولم تقعد، وانهال الهجوم على الرجل والكل يتحدث بمنطق العصبيه البغيض (مذهبنا ومذهبهم) ورحمه اللّه على رجال من نوعيه الشيخ محمد ابو زهره والشيخ محمد شلتوت الذين حاولوا تحريك هذه البرك الراكده، فلم يفلحوا.
يروون عن ائمه المذاهب الاربعه انهم قالوا: (اذا صح الدليل فهو مذهبى) فهل استثنى هولاء وقالوا: (الا ما جاء من ناحيه اهل البيت وشيعتهم فلا تاخذوا به فهو باطل وان صح)؟ اين هى حريه الفكر وحريه العقل؟.
لماذا ضاعت هذه الشعارات وسط بريق النفط الاسود؟ وهل للنفط بريق الا لمن عميت بصائرهم وماتت ضمائرهم فانها لا تعمى الابصار ولكن تعمى القلوب التى فى الصدور.
فى النهايه، اسجل رويتى لقضيه الامامه: اولا، رويه نقديه لمرويات اهل السنه فى هذا الموضوع، ثانيا قراءه عقليه للنص القرآنى والاحاديث الوارده فى مساله الامامه.
على طريق الامامه
فى الصميم:
لم تكن قضيه الامامه تحظى بقدر كبير من الاهتمام فى صفوف الحركات الاسلاميه المعاصره فى العالم الاسلامى، بيد ان قيام الثوره الاسلاميه فى ايران، بقياده آيه اللّه العظمى روح اللّه الموسوى الخمينى(رحمه اللّه)، قد القى عده احجار فى البحيره الراكده، وفرض على الكثيرين من العلماء والمفكرين واصحاب القلم اعاده التفكير والنظر فى مسلمات الامس القريب، فى حين اختار بعضهم موقف المعاداه لكل ما جهلوا، وصدق اللّه العلى العظيم، حيث يقول: (بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه)«يونس /39».
وهناك من قام باعمال فكره وعقله فى النصوص وفى الواقع، بهدف الحصول على الحقيقه بغض النظر عن الاستنتاج النهائى، وبغض النظر عن قوى الواقع التى تمارس بشكل عملى الاسلوب الذى تتحدث عنه الايه القرآنيه المباركه وتذمه (بل قالوا انا وجدنا آباءنا على امه وانا على آثارهم مهتدون) «الزخرف /22».
تمارس تلك القوى ذلك من دون ان تعلنه باللسان.
على ان قضيه(الامامه)، وان تعددت الدراسات حولها وكثرت الا ان غالبيه ما كتب لم يكن ليكتب فى اطار عقلى، بل ان السائد ان كل طرف ياتى بما يويد وجهه نظره من الروايات، ويتحدث عن اسانيدها ورواتها ووثاقتهم، الامر الذى دفعنى لاستخدام المنطق العقلى فى هذه الدراسه لان ما يتناقض مع العقل هو المستحيل بعينه وهو المرفوض درايه ومن ثم روايه، من دون ما حاجه لسرد اسماء الرواه والمحدثين، وما يتفق مع العقل ينبغى قوله والتسليم به، لان احكام الدين وشرائعه تتكامل ولا تتناقض، وما نعنيه بالعقل هنا هو عرض ادله المسائل الفرديه على الادله الكليه، الجامعه.
فاذا كان اللّه تبارك وتعالى: (ان اللّه يامر بالعدل) «النحل /90»، فلا يعقل ان يامر بطاعه (فاقد العقل)، والا لامر سبحانه بالشىء وضده (العدل – الجور).
وهذا محال على اللّه سبحانه وتعالى.
والى جانب ايماننا بذلك، فاننا نومن بالتكامل فى الشريعه الاسلاميه الغراء، بمعنى ان قواعد الاسلام العظيم مرتبه بعضها على بعض، فالقرآن الكريم تحدث عده مرات عن قاعده (الاصطفاء)، وانها محصوره فى الذريه والال (ان اللّه اصطفى آدم ونوحا وآل ابراهيم وآل عمران على العالمين) «آل عمران /33».
ثم نص سبحانه وتعالى على تحميل هولاء المصطفين الابرار مسوولية هداية البشر، وتعريفها بالحق: (والذى اوحينا اليك من الكتاب هو الحق مصدقا لما بين يديه ان اللّه بعباده لخبير بصير ثم اورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا) «فاطر/31 – 32».
وهذه قاعدة عامة لم تشذ عنها امه من الامم، فلماذا تشذ الامه الاسلاميه؟ (قل ما كنت بدعا من الرسل) «الاحقاف /9».
واخيرا: هناك قضيه حجيه السنه؟ فالمعارضون لمدرسه اهل البيت(ع)، حينما تضيق بهم السبل يلجاون الى حجة فى غاية الغرابة ، وهى الدفع بعدم ورود امامه اهل البيت(ع) وخلافتهم للنبى(ص) فى القرآن الكريم، وهو ما لا سبيل الى القبول بمناقشته ونحن نعلم ان حجيه السنة المتواترة تماما كحجية الكتاب، فصاحب السنة هو متلقى الوحى من رب السموات والارض ولعنة اللّه على من كذب على رسول اللّه(ص)، وليموه على الناس دينهم، وهذا الكذب هو الذى ادى الى القاء بعض الظلال على حجية السنة المطهرة ، وهى اوامر اللّه ونواهيه التى جاء بها النبى المعصوم محمد(ص)، والتشكيك فى حجية السنة لا يختلف فى شىء عن التشكيك فى حجية القرآن.
نقول ايضا: ان انتقال النبى محمد(ص) الى الرفيق الاعلى عام (11ه /632م) كان من المفترض ان يصاحبه انتقال السلطة والنظرية الى يد امينة قادرة على التعبير عن الامرين وجعل السلطة والقوة فى خدمة النظرية وليس العكس ان تكون النظرية فى خدمه السلطه فتتشكل النظرية وفقا لقدرات اصحاب السلطه الذهنيه والعقلية ولمدى امانتهم فى التطبيق، ومن هنا كان عهد النبى الاكرم لعلى سلام اللّه عليه يوم غدير خم بقوله: (من كنت مولاه فعلى مولاه)، وقوله يوم سار النبى(ص) الى غزوه تبوك وكانت يومها الدوله قائمة: (انت منى بمنزله هارون من موسى الا انه لا نبى بعدى).
ولكن الذى حدث كان غير ذلك، فالخلافه النبويه انتقلت الى من انتقلت اليه براى بعض المسلمين وليس بالنص، واولئك الخلفاء تفاوتت قدراتهم فى استيعاب النصوص ومعرفتها ومن ثم تعبيرهم عن النظريه، وان امسكوا بالسلطه فى ايديهم، وكانت ثمره الخلفاء الثلاثه الاول ان انتقال السلطه الى الامام على(ع) لم يكن انتقالا هادئا ولا مستقرا الى (امام منصوب من اللّه عز وجل) ما اسهم فى تفلت خيوط القوه من بين يديه ووصولها غنيمه بارده الى بنى اميه بقياده ابن (آكله الاكباد)، وهو انتقال رسخ الوضع الاتى:
1 – سلطه لم تستمد قوتها من شرعيه الهيه، وانما من الغصب والعدوان، وهو ما عبر عنه معاويه فى خطاب تسلم السلطه:
(انى واللّه ما قاتلتكم لتصلوا، ولا لتصوموا، ولا لتحجوا، ولا لتزكوا، انكم تفعلون ذلك، وانما قاتلتكم لاتامر عليكم، وقد اعطانى اللّه ذلك وانتم كارهون).
2 – نظريه يفترض انها (الاسلام)، ولكنه من الناحيه الواقعيه (الاسلام الاسير) فى ايدى اقوام جعلوا احدى شعائر صلاه الجمعه لعن امير المومنين على(ع) على المنابر، وهذه مساله متواتره ناهيك عن باقى موبقاتهم وجرائمهم.
فى ظل هذا الواقع السلطوى، والنظريه الاسلاميه التى تتلقى الطعنات صباح مساء من اصحاب السلطه، صيغت نظريات السلطه، ورويت الروايات ودونت الكتب، فكتب الصحاح التى يتحدثون عنها كتبت بعد قرنين من رحيل النبى الاكرم(ص)، ولذا جاءت مدونات هذه الكتب خليطا من النصوص المبتوره عن مواضعها على الرغم من صحتها، وتلك النصوص المكذوبه على رسول اللّه(ص)، وتلك النصوص المنتقاه لبعض الاشخاص اصحاب المواقف المتمشيه مع اهواء كل النظم الحاكمه الى يومنا هذا.
والاهم من هذا وذاك تلك المساحات البيضاء التى تركت فارغه ولم يدون شىء بشانها فى كتب (الاحاديث) واقتصر تدوينها على كتب التاريخ، ولذا فاننا سنقوم بتجميع بعض هذه النصوص والتعليق عليها، سعيا لايضاح الحقيقه، والانتصار للحق.
حدودالامامه
يقول الامام على(ع): (لا بد للناس من امير بر او فاجر يعمل فى امرته المومن).
يقول ابن ابى الحديد فى شرح النهج: (فاما طريق وجوب الامامه ما هى، فان مشايخنا البصريين رحمهم اللّه يقولون طريق وجوبها الشرع، وقال البغداديون وابو عثمان الجاحظ من البصريين: ان العقل يدل على وجوب الرئاسه، وهو قول الاماميه.
الا ان الوجه الذى منه يوجب اصحابنا الرئاسه غير الوجه الذى توجب منه الاماميه الرئاسه، وذاك ان اصحابنا يوجبون الرئاسه على المكلفين من حيث ان فى الرئاسه مصالح دنيويه ودفع مضار دنيويه، والاماميه يوجبون الرئاسه من حيث كان فى الرئاسه لطف منه وبعد للمكلفين عن مواقعه القبائح العقليه).
وايا كان طريق وجوب الامامه او الامره فالحقيقه انها واجبه ولكن هناك تباين حول الوجه الذى يوجب الامامه، هل هو قاصر او مرتكز على حفظ المصالح الدنيويه، ام ان المساله اعمق واشمل من وانها كما يرى المسلمون الاماميه لطف من اللّه وبعد للمكلفين عن ممارسه القبائح العقليه.
وفى اعتقادنا ان طبيعه الرئاسه او الامره وهل هى معنيه اساسا بحفظ المصالح الدنيويه ام انها ينبغى ان تكون اكثر اعتناء بحفظ المصالح الدينيه، هذه الطبيعه تفاوتت بتفاوت الامه موضع الرئاسه وطبيعه الرساله التى تحملها هذه الامه، وبالتالى فان مهام الرئاسه فى الامه الاسلاميه لا يمكن ان تتشابه مع مهام الرئاسه فى الامه الامريكيه مثلا (ام نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين فى الارض ام نجعل المتقين كالفجار) «ص/28».
ومن هنا فاننا نرى ان طبيعه رئاسه الامه الاسلاميه تكتسى وتعنون بالعناوين المدونه فى كتاب اللّه وفى سنه رسول اللّه(ص) نفسها، وان المواصفات المطلوبه فى امامه الامه الاسلاميه هى القدره على حمل هذه الاعباء، وان اى خلل فى قدرات القياده المسلمه على اداء هذه المهام الجسام تطرح العديد من التساولات حول اهليه هذه القياده واحقيتها لهذا الدور، ودونكم بعض الامثله من كتاب اللّه:
(ان اللّه يامر بالعدل والاحسان وايتاء ذى القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغى يعظكم لعلكم تذكرون) «النحل/90».
(يا داود انا جعلناك خليفه فى الارض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل اللّه ان الذنى يضلون عن سبيل اللّه لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب) «ص/26».
(قاتلوا الذين لا يومنون باللّه ولا باليوم الاخر ولا يحرمون ما حرم اللّه ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين يضلون عن سبيل اللّه لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب) «التوبه/29».
(انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون) «الحجر/9».
ان اقامه العدل، والامر بالمعروف والنهى عن المنكر، والنهى عن الفواحش، وتطهير الارض من الشرك، والظلم، والبغى، ومقاتله دول البغى والشرك، وحفظ حرمات المسلمين، وقبل هذا كله حفظ كيان الدين نصا وروحا، هى مهام من صميم الواجبات الاسلاميه الدينيه، بل وهى، ومن دون ادنى شك، امتداد لمهام النبوه التى لا تزيد عن هذا الا بالتبليغ، وتلقى الوحى من رب السموات… ونضيف الى هذه الواجبات الشرعيه واجبا فى غايه الاهميه، وهو الحفاظ على وحده المسلمين من التفكك ايا كان المسوغ، او المسمى، وذلك قوله تعالى: (شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذى اوحينا اليك وما وصينا به ابراهيم وموسى وعيسى ان اقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم اليه اللّه يجتبى اليه من يشاء ويهدى اليه من ينيب) «الشورى/13».
(وان هذا صراطى مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون) «الانعام/153»، (واعتصموا بحلل اللّه جميعا ولا تفرقوا) «آل عمران/103».
فكيف اذا يقال ان اختلافهم رحمه؟، او انه لا يوجد مذهب صحيح او غير متفق عليه؟ او ان كل المذاهب الفقهيه على تناقضها وتباينها هى مذاهب صحيحه واجبه الاتباع؟ اننا اذا تاملنا فى كلمات الامام على(ع) وهو يذم اختلاف العلماء فى الفتيا فيقول: (ترد على احدهم القضيه فى حكم من الاحكام فيحكم فيها برايه.
ثم ترد تلك القضيه بعينها على غيره فيحكم فيها بخلاف قوله.
ثم يجتمع القضاه بذلك عند الامام الذى استقضاهم فيصوب آراءهم جميعا والههم واحد! ونبيهم واحد! وكتابهم واحد! افامرهم اللّه – سبحانه – بالاختلاف فاطاعوه! ام نهاهم عنه فعصوه، ام انزل اللّه سبحانه دينا ناقصا فاستعان بهم على اتمامه!، ام كانوا شركاء له فلهم ان يقولوا، وعليه ان يرضى؟ ام انزل اللّه دينا تاما فقصر الرسول(ص) عن تبليغه وادائه، واللّه سبحانه يقول: (ما فرطنا فى الكتاب من شىء) «الانعام /38».
وفيه تبيان لكل شىء وذكر ان الكتاب يصدق بعضه بعضا، وانه لا اختلاف فيه فقال سبحانه: (ولو كان من عند غير اللّه لوجدوا فيه اختلافا كثيرا) «النساء/82» وان القرآن ظاهره انيق وباطنه عميق، لا تفنى عجائبه ولا تنقضى غرائبه، ولا تكشف الظلمات الا به).
ان كلمات امير المومنين على(ع) تحصر اسباب تعدد اجتهادات العلماء فى المدارس الفقهيه فى عده افتراضات ليس من بينها ان اختلافهم وتشتتهم رحمه، كما يروى بعض الرواه عن رسول اللّه(ص)، فهذه الاسباب الافتراضيه لا تخرج عن عده احتمالات:
اولها.. ان اللّه تبارك وتعالى امر الناس بالاتفاق فعصوا. وهذا اصح الاحتمالات.
ثانيها.. ان اللّه سبحانه امرهم بالاختلاف فاطاعوه.
وهذا فرض مستحيل.
ثالثها.. ان الدين جاء من عند اللّه ناقصا، وان الناس اكملوه بارائهم.
وهذا ايضا فرض مستحيل.
اما الفرض الرابع والاخير.. ان الرسول الاكرم(ص) قد قصر فى ابلاغ ما اوحى اليه من ربه.
وهذا ايضا فرض مستحيل، فلا يبقى امامنا الا الفرض الاول وهو الصحيح، فاللّه تبارك وتعالى امر المسلمين بالاتفاق، فعصى امر اللّه وشذ بعض الناس عن طاعه ربهم ومولاهم، ولا باس ان نقرر بدايه ان المخالفه لامر اللّه بدات من قضيه الامامه وهى الاصل، وامتدت لتشمل فروع الدين، حتى وصلت الامه الى هذه الحاله المزريه التى نعيشها الان.
الامامه ضروره قرآنيه
جاء الحديث عن الامامه، فى القرآن الكريم، فى غير موضع، ومنها:
(واذ ابتلى ابراهيم ربه بكلمات فاتمهن قال انى جاعلك للناس اماما قال ومن ذريتى قال لا ينال عهدى الظالمين) «البقره/124».
(والذين يقولون ربنا هب لنا من ازواجنا وذرياتنا قره اعين واجعلنا للمتقين اماما) «الفرقان/74».
(يوم ندعو كل اناس بامامهم فمن اوتى كتابه بيمينه فاولئك يقراون كتابهم ولا يظلمون فتيلا) «الاسراء/71».
(فقاتلوا ائمه الكفر انهم لا ايمان لهم لعلهم ينتهون) «التوبه/12».
(وجعلناهم ائمه يهدون بامرنا واوحينا اليهم فعل الخيرات واقام الصلاه وايتاء الزكاه وكانوا لنا عابدين) «الانبياء/73».
(ونريد ان نمن على الذين استضعفوا فى الارض ونجعلهم ائمه ونجعلهم الوارثين) «القصص/5».
(وجعلنا منهم ائمه يهدون بامرنا لما صبروا وكانوا باياتنا يوقنون) «السجده/24».
ان الايات السابقه تدلنا على عده مفاهيم قرآنيه:
اولا.. وجود نوعين من الامامه، امامه الحق وامامه الضلاله.
ثانيا.. ان ائمه الحق مختارون من عند اللّه (وجعلنا منهم ائمه)، (قال انى جاعلك للناس اماما).
ثالثا.. ان ائمه الحق مختارون وفقا لقاعده الاصطفاء الالهى.
رابعا.. ان ائمه الحق يهدون ويحكمون بامر اللّه، لا باهوائهم ولا باجتهادهم ولا بفهم يصيب ويخطىء (يهدون بامرنا).
خامسا.. ان الناس يحشرون يوم القيامه تبعا لائمتهم اما الى الجنه، او الى النار (يوم ندعو كل اناس بامامهم).
قاعده الاصطفاء الالهى
لقد خضعت الرسالات السماويه لعده قوانين ربانيه، سواء فى ما يتعلق بشخصيه الرسل(ص) او فى ما يتعلق بمسار الدعوه وقبول الامم لها او رفضها، او التاريخ الطبيعى للامه بعد الاستجابه لرسل اللّه وصدق اللّه العظيم (قل ما كنت بدعا من الرسل) «الاحقاف/9»، (سنه من قد ارسلنا قبلك من رسلنا ولا تجد لسنتنا تحويلا) «الاسراء/77»، وقوله(ص): (لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع).
واحدى اهم هذه القواعد هى قاعده الاصطفاء او الاجتباء (ان اللّه اصطفى آدم ونوحا وآل ابراهيم وآل عمران على العالمين(ص) × ذريه بعضها من بعض واللّه سميع عليم) «آل عمران/33 – 34»، (وانهم عندنا لمن المصطفين الاخيار) «ص/47»، (ومن آبائهم وذرياتهم واخوانهم واجتبيناهم وهديناهم الى صراط مستقيم) «الانعام /87»، (سلام على ال ياسين) «الصافات/130»، (رحمه اللّه وبركاته عليكم اهل البيت انه حميد مجيد) «هود/73».
ان هذه القاعده تعنى ان شخصيات الرسل او الائمه، كما اسلفنا، انما هى شخصيات معده ومنتقاه سلفا والناس فى عالم الذر، وان هذه النطف الطاهره قد انتقلت من رحم مومنه طاهره الى رحم مومنه طاهره، من دون ان تمر على ارحام المشركين او اصلابهم، ولم يحدث ان اصطفى رب العزه واحدا من عامه الناس للقيام بهذه المهمه.
او انها قد انتقلت من يد نبى الى احد من صحابته، وانما هى تجرى فى اطار الذريه والال، (ولقد ارسلنا نوحا وابراهيم وجعلنا فى ذريتهما النبوه والكتاب فمنهم مهتد وكثير منهم فاسقون) «الحديد/26»، (ام يحسدون الناس على ما آتاهم اللّه من فضله فقد آتينا آل ابراهيم الكتاب والحكمه وآتيناهم ملكا عظيما) «النساء/54».
اننا لسنا فى حاجه الى ان نوكد عموميه القواعد السابقه وانطباقها على محمد وآل محمد.
وحسبنا صيغه الصلاه الابراهيميه التى نقولها فى كل صلاه: (اللهم صل على محمد وآل محمد، كما صليت على ابراهيم وعلى آل ابراهيم، وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على ابراهيم وعلى آل ابراهيم).
اننا نوكد على ثبات حقيقتين تنطلقان من قاعده الاصطفاء..
الحقيقه الاولى: ان اختيار الرسل والائمه عليهم الصلاه والسلام محصور فى ذريه الرسل والانبياء (ذريه بعضها من بعض) «آل عمران/34»، وان مخالفه هذه القاعده بالادعاء بان هذا الاختيار يمتد الى عموم اصحاب اى نبى، او الى عامه امته، هو تعسف لا يقوم عليه اى دليل.
الحقيقه الثانيه: ان هذا الاصطفاء قد انتقل الى النبى محمد وآل بيته عليهم الصلاه واتم السلام تطابقا مع قوله تعالى: (سنه من قد ارسلنا قبلك من رسلنا ولا تجد لسنتنا تحويلا) «الاسراء/77»، فالنبى محمد وآله فى الدرجه الرفيعه من آل ابراهيم، وقد خصهم ربنا عز وجل بالمدح فى غير موضع من القرآن الكريم، ولنضرب بعض الامثله على هذا..
1 – آيه التطهير
قوله تعالى: (انما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا) «الاحزاب/33».
اورد ابن كثير فى تفسيره بروايه الامام احمد عن ام سلمه ذكرت: (ان النبى(ص) كان فى بيتها فاتته فاطمه رضى اللّه عنها ببرمه فيها خزيره فدخلت عليه بها.
فقال(ص) لها: ادعى زوجك وابنيك.
فقالت: فجاء على وحسن وحسين رضى اللّه عنهم فدخلوا عليه فجلسوا ياكلون من الخزيره، وهو على منامه له وكان تحته(ص) كساء خيبرى، قالت: وانا فى الحجره اصلى فانزل اللّه عز وجل هذه الايه: (انما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا)، قالت رضى اللّه عنها: فاخذ(ص) فضل الكساء فغطاهم به ثم اخرج يده فالوى بها الى السماء ثم قال: اللهم هولاء اهل بيتى وخاصتى فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.
قالت: فادخلت راسى البيت فقلت: وانا معكم يا رسول اللّه؟.
فقال(ص) : (انك الى خير انك الى خير)، وقد اورد بن كثير، فى كتابه (تفسير القرآن العظيم)، ست عشره روايه بهذا المعنى او نحوه فى تفسير هذه الايه بما يقطع بصحه هذا التاويل، ونزول الايه فى آل بيت النبوه(ص) خاصه من دون غيرهم، وهذا يقطع بصحه ما نعتقده من ان منزله آل محمد كمنزله آل ابراهيم سواء فى فضلهم ام فى دورهم (فقد آتينا آل ابراهيم الكتاب والحكمه وآتيناهم ملكا عظيما) «النساء/54».
2 – آيه الموده فى القربى
قوله تعالى: (قل لا اسالكم عليه اجرا الا الموده فى القربى) «الشورى/23»، اخرج ابن كثير فى تفسيره عن البخارى وغيره عن سعيد بن جبير ما معناه انه قال: (معنى ذلك ان تودونى فى قرابتى اى تحسنوا اليهم وتبروهم)، وقال السدى عن ابى الديلم قال: (لما جىء بعلى بن الحسين رضى اللّه عنه اسيرا على درج دمشق، قام رجل من اهل الشام فقال: الحمد للّه الذى قتلكم واستاصلكم وقطع قرن الفتنه.
فقال له على بن الحسين رضى اللّه عنه: اقرات القرآن؟.
قال: نعم.
قال: اقرات ال(حم)؟.
قال: قرات القرآن ولم اقرا ال حم.
قال: اما قرات (قل لا اسالكم عليه اجرا الا الموده فى القربى)؟ قال: وانكم لانتم هم؟.
قال: نعم).
اننا، وعند هذه النقطه من البحث بحاجه الى ان نتوقف لمراجعه التصور الاجمالى لقضيه الامامه قبل ان ننتقل الى مرحله التحديد والقطع باستنتاجات محدده..
اولا.. ان قضيه الامامه، على خطورتها القصوى، لم تعالج بصوره متجرده، وانما عولجت فى اطار محاوله اخضاع النصوص للواقع السياسى المفروض على الامه المسلمه، وخاصه وان هذه القضيه تمس شرعيه النظم السياسيه التى حكمت المسلمين فى الصميم، وان اى محاوله لاستنطاق النص بصوره واضحه كانت تمثل جريمه (محاوله قلب نظام الحكم)، وهو ما كان يسمى آنئذ شق عصا الطاعه ومفارقه الجماعه، خاصه وان حكام الامس كانوا احرص ما يكونون على القاء غلاله رقيقه من الانتساب الى الاسلام.
ثانيا.. (الاسقاط العمدى) لبعض النصوص كهذه التى وردت عن الامام الحسين(ع) اثناء مواجهه جبابره بنى اميه، او تلك الوارده عن الامام الحسن(ع) تفتح باب التساول عن المصلحه الكامنه وراء هذا، فلا يمكن ان يتعلل اصحاب السنن بعله ضعف الاسانيد مثلا، فلا يعقل ان حادثا جليلا بهذا الشكل مر على الامه مرور الكرام من دون ان تسجل فيه خطبه من خطب الامام الحسين او استناد منه الى كتاب اللّه وسنه رسوله فى هذه المواقف المصيريه الفارقه بين الحق والباطل.
ثالثا.. الاثبات المنحاز لبعض النصوص، فعلى فرض صحتها فانها لا ترقى الى مستوى النص الشرعى الملزم لجمهور المسلمين، وخير شاهد اثبات بيعه عبداللّه بن عمر لعبد الملك بن مروان او انكاره لخروج اهل المدينه من صحابه رسول اللّه(ص) من المهاجرين والانصار على يزيد السكير، ووصفه لهم بالغدر والخيانه.
رابعا.. افتقاد النصوص المطروحه للتناسق والوضوح، يقطع بان هناك حلقه مفقوده لا بد من البحث عنها واثباتها.
خامسا.. انقطاع العلاقه بين بعض النصوص المطروحه وبين التصور القرآنى لدور الامه الاسلاميه، وخاصه ذلك التناقض الغريب بين محاوله اسباغ الشرعيه على سلاطين الجور الغاصبين للخلافه وبين طبيعه الرساله الاسلاميه وحرصها على اقامه العدل ومحاربه الاستكبار ونصره المستضعفين (ونريد ان نمن على الذين استضعفوا فى الارض ونجعلهم ائمه ونجعلهم الوارثين) «القصص/5».
سادسا.. افتقاد الترابط بين بعض النصوص المطروحه فى كتب السنه وقانون الاصطفاء الالهى كما ذكرنا فى الصفحات السابقه من هذا الكتيب.
قضيه الامامه فى كتب السنه
قلنا، من قبل، اننا سنقدم ما نعتقد انه الصوره الحقيقيه لقضيه الامامه.
ولكى نتمكن من تقديم هذا التصور، كان علينا الا نقيد انفسنا بما اورده اصحاب السنن فى فصل الامامه، والا نتقيد بمصدر واحد، وانما علينا ان نفتش فى مصادر السنه المختلفه المتاحه لدينا.
وقلنا ايضا اننا سنلتزم بالقواعد القرآنيه المحكمه التى لا ياتيها الباطل، وخاصه قاعده الاصطفاء الالهى وان حمل امانه الدين والدنيا محصور فى ذريه الانبياء وآلهم لا غيرهم، الا اذا قام لدينا دليل قاطع يقول غير هذا الكلام، ولا نظن ان روايه مكذوبه منسوبه الى الرسول الاكرم تصلح لان ترد صريح القرآن.
وهناك ايضا ملاحظه هامه، وهى اننا لن نتعرض لاسانيد الاحاديث، ورجالها، ورواتها، فمعظم الاحاديث التى سنوردها قد فرغ فيها القول وحققت واصبحت اسانيدها مقطوع بصحتها.
كما لن نحرص على استقصاء جميع الروايات المتعلقه بالمساله فان هذا الامر يطول، وانما سنركز على عدد قليل من الروايات التى ذكرتها كتب اهل السنه وصحاحهم، تقودنا الى ما نريد.
1 – حديث الغدير
اخرج اصحاب السنن، واللفظه لابن المغازلى عن زيد بن ارقم قال: (اقبل نبى اللّه من مكه فى حجه الوداع حتى نزل بغدير الجحفه بين مكه والمدينه، فامر بالدوحات فقم ما تحتهن من شوك، ثم نادى الصلاه جامعه، فخرجنا الى رسول اللّه(ص) فى يوم شديد الحر وان منا لمن يضع رداءه على راسه وبعضه على قدميه من شده الرمضاء حتى انتهينا الى رسول اللّه(ص)، فصلى بنا الظهر ثم انصرف الينا فقال: الحمد للّه نحمده ونستعينه ونومن به ونتوكل عليه ونعوذ باللّه من شرور انفسنا ومن سيئات اعمالنا، الذى لا هادى لمن اضل ولا مضل لمن هدى، واشهد ان لا اله الا اللّه وان محمدا عبده ورسوله.
اما بعد،
ايها الناس فانه لم يكن لنبى من العمر الا نصف عمر من قبله وان عيسى بن مريم لبث فى قومه اربعين سنه وانى قد اسرعت فى العشرين، الا وانى اوشك ان افارقكم، الا وانى مسوول وانتم مسوولون فهل بلغتكم فماذا انتم قائلون؟ فقام من كل ناحيه من القوم مجيب يقولون: نشهد انك عبداللّه ورسوله قد بلغت رسالته وجاهدت فى سبيله وصدعت بامره وعبدته حتى اتاك اليقين، جزاك اللّه عنا خير ما جازى نبيا عن امته.
فقال: الستم تشهدون ان لا اله الا اللّه لا شريك له وان محمدا عبده ورسوله وان الجنه حق وان النار حق وتومنون بالكتاب كله؟.
قالوا: بلى.
قال: فانى اشهد ان صدقتكم وصدقتمونى الا وانى فرطكم وانكم تبعى توشكون ان تردوا على الحوض فاسالكم حتى تلقونى عن ثقلى كيف خلفتمونى فيهما.
فاعيل علينا ما ندرى ما الثقلان حتى قام رجل من المهاجرين قال: بابى انت وامى يا نبى اللّه ما الثقلان؟.
فقال(ص): الاكبر منهما كتاب اللّه تعالى سبب طرفه بيد اللّه وطرف بايديكم فتمسكوا به ولا تضلوا، والاصغر منهما عترتى من استقبل قبلتى واجاب دعوتى فلا تقتلوهم ولا تقهروهم ولا تقصروا عنهم فانى قد سالت لهم اللطيف الخبير فاعطانى ناصرهما لى ناصر، وخاذلهما لى خاذل، ووليهما لى ولى، وعدوهما لى عدو، الا وانها لم تهلك امه قبلكم حتى تتدين باهوائها تتظاهر على نبوتها وتقتل من قام بالقسط.
ثم اخذ بيد على بن ابى طالب فرفعها ثم قال: من كنت مولاه فهذا مولاه ومن كنت وليه فهذا وليه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه.
قالها ثلاثا).
2 – خطبه حجه الوداع
روى الترمذى، فى الباب(32)، تحت عنوان (مناقب اهل بيت النبى(ص))، حديث رقم (3786)، بسنده عن جابر بن عبداللّه الانصارى: (رايت رسول اللّه(ص) فى حجته يوم عرفه وهو على ناقته القصواء يخطب، فسمعته يقول: ايها الناس انى تركت فيكم ما ان اخذتم به لن تضلوا: كتاب اللّه، وعترتى اهل بيتى).
وفى حديث رقم (3788) للترمذى ايضا عن زيد بن ارقم قال:
(قال رسول اللّه(ص): انى تارك فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا بعدى احدهما اعظم من الاخر: كتاب اللّه حبل ممدود من السماء الى الارض.
وعترتى اهل بيتى ولن يفترقا حتى يردا على الحوض، فانظروا كيف تخلونى فيهما).
3 – حديث المنزله
روى البخارى وغيره من اصحاب السنن عن رسول اللّه(ص)، انه قال لعلى بن ابى طالب: (انت منى بمنزله هارون من موسى غير انه لا نبى بعدى).
4 – حديث انا مدينه العلم وعلى بابها
روى ابن المغازلى الشافعى عن جابر بن عبداللّه قال: (اخذ النبى(ص) بعض على فقال: هذا امير البرره وقاتل الكفره منصور من نصره، مخذول من خذله.
ثم مد بها صوته فقال: انا مدينه العلم وعلى بابها فمن اراد العلم فليات الباب).
واخرجه الحاكم بهذا السند فى مستدركه على الصحيحين: (انا مدينه العلم وعلى بابها فمن اراد العلم فليات الباب).
كما روى ابن المغازلى الشافعى عن جرير عن على قال: (قال رسول اللّه(ص): انا مدينه العلم وعلى بابها ولا توتى البيوت الا من ابوابها).
5 – حديث براءه
روى ابن كثير، فى تفسيره: (تفسير القرآن العظيم)، عن الامام احمد عن انس بن مالك: (ان رسول اللّه(ص) بعثه ببراءه مع ابى بكر فلما بلغ ذا الحليفه قال: لا يبلغها الا انا او رجل من اهل بيتى فبعثها مع على بن ابى طالب).
ورواه الترمذى فى التفسير، وقال عبداللّه بن احمد بن حنبل عن على: (لما نزلت عشر آيات من براءه على النبى(ص)، دعا ابا بكر فبعثه بها ليقراها على اهل مكه ثم دعانى فقال: ادرك ابا بكر فحيثما لحقته فخذ الكتاب منه فاذهب الى اهل مكه فاقراه عليهم.
فلحقته بالجحفه فاخذت الكتاب منه ورجع ابو بكر الى النبى(ص) فقال: يا رسول اللّه نزل فى شىء؟.
فقال: لا، ولكن جبريل جاءنى فقال: لن يودى عنك الا انت او رجل من منك).
وروى عبداللّه ايضا عن على: (ان رسول اللّه(ص) قال لى: لا بد ان اذهب بها انا او تذهب بها انت.
فقال: فان كان ولا بد فساذهب بها انا.
قال: انطلق فان اللّه يثبت لسانك ويهدى قلبك.
قال: ثم وضع يده على فيه).
وروى ابن كثير ايضا عن اسرائيل عن زيد بن يثيغ: (لما رجع ابو بكر قال: نزل فى شى؟.
قال: لا ولكن امرت ان ابلغها انا او رجل من اهل بيتى).
وروى ايضا: (لما نزلت براءه قال رسول اللّه(ص): لا يودى عنى الا رجل من اهل بيتى).
(ان اللّه تعالى عهد الى عهدا فى على فقلت يا رب بينه لى، فقال: اسمع، فقلت: سمعت، فقال: ان عليا رايه الهدى، وامام اوليائى، ونور من اطاعنى، وهو الكلمه التى الزمتها المتقين، من احبه احبنى، ومن ابغضه ابغضنى.
فبشره بذلك.
فجاء على فبشرته.
فقال: يا رسول اللّه انا عبداللّه، وفى قبضته فان يعذبنى فبذنبى، وان يتم لى الذى بشرتنى به فاللّه اولى بى.
قال: قلت:
اللهم اجل قلبه واجعل ربيعه الايمان، فقال اللّه: قد فعلت به ذلك، ثم انه رفع الى انه سيخصه من البلاء بشىء لم يخص به احدا من اصحابى.
فقلت: يا رب اخى وصاحبى.
فقال: ان هذا شىء قد سبق انه مبتلى ومبتلى به).
6 – احاديث اخرى
حديث.. (من سره ان يحيا حياتى ويموت ميتتى ويتمسك بالقضيبه من الياقوته التى خلقها اللّه تعالى بيده، ثم قال لها:
كونى فكانت، فليتمسك بولاء على بن ابى طالب).
رواه الحافظ ابو نعيم الاصفهانى ورواه احمد بن حنبل فى المسند.
حديث.. (والذى نفسى بيده، لولا ان تقول طوائف من امتى فيك ما قالت النصارى فى ابن مريم لقلت فيك مقالا لا تمر بملا من المسلمين الا اخذوا التراب من تحت قدميك للبركه).
رواه احمد فى المسند.
حديث.. قال رسول اللّه(ص): (يا انس اسكب لى وضوءا، ثم قام فصلى ركعتين.
ثم قال: يا انس اول من يدخل عليك من هذا الباب امير المومنين، وسيد المسلمين، وقائد الغر المحجلين، وخاتم الوصيين.
قال انس: قلت: اللهم اجعله رجلا من الانصار وكتمته، اذ جاء على فقال(ص): من هذا يا انس؟.
فقلت: على.
فقام مستبشرا فاعتنقه ثم جعل يمسح عرق وجهه بوجهه ويمسح عرق على بوجهه.
قال على: يا رسول اللّه لقد رايتك تصنع شيئا ما صنعت بى من قبل؟ قال: وما يمنعنى وانت تودى عنى، وتسمعهم صوتى وتبين لهم ما اختلفوا فيه بعدى).
حديث.. (من سره ان يحيا حياتى ويموت ميتتى ويسكن جنه عدن التى غرسها ربى فليوال عليا من بعدى، وليوال وليه وليقتد بالائمه من بعدى فانهم عترتى خلقوا من طينتى ورزقوا فهما وعلما، فويل للمكذبين من امتى القاطعين فيهم صلتى لا انالهم اللّه شفاعتى).
مناقشه الاحاديث السابقه
حديث الغدير.. اشهر من ان يعرف، رواه معظم اصحاب السنن ان لم نقل كلهم وصححوه، ولقد ذكرنا فى الصفحات السابقه موارد ذكر هذا الحديث فى صحاح اهل السنه.
وواقعه (غدير خم) معروفه الزمان والمكان، حدثت اثناء عوده المسلمين من حج بيت اللّه الحرام فيما عرف بحجه الوداع قبيل موت رسول اللّه(ص) بقليل، اى فى العام العاشر للهجره الموافق 631 ميلادى.
فاذا كانت الحجه عرفت بانها حجه الوداع فكلمات رسول اللّه(ص) كانت وصيه الوداع من رسول وصفه القرآن:
(لقد جاءكم رسول من انفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمومنين رووف رحيم) «التوبه/128»، انها كلمات تحمل اقصى درجه من الاهميه والخطوره بالنسبه لمصير الامه ومستقبلها، هذه الوصيه كانت بامر اللّه سبحانه وتعالى وقد جاء فى اسباب النزول للنيسابورى وغيره من المفسرين ان قوله تعالى: (يا ايها الرسول بلغ ما انزل اليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته واللّه يعصمك من الناس) «المائده/67»، انها نزلت يوم غدير خم، وان هذا التبليغ كان امرا حيويا متمما ومكملا للرساله الاسلاميه ككل، والا لما قال القرآن (وان لم تفعل فما بلغت رسالته).
ما هذا الجزء الذى يكمل الكل فيجعله تاما؟.
توضح كلمات الخطبه هذه المعانى فتقول (الا وانى اوشك ان افارقكم وانى مسوول).
اذن فالرساله فى غايه الاهميه، انها المسووليه امام اللّه عن الثقلين كيف خلفتمونى فيهما؟ اول الثقلين او الثقل الاكبر هو كتاب اللّه، اذن القضيه قضيه منهج وليست قضيه عاطفه، انه نبى يوشك ان يفارق امته فيوصيهم لا بالاولاد كما يفعل عوام الناس، ولا بتنميه ماله، ولكن يوصيهم بالحفاظ على المنهج، بل ويحدد لهم وسيله الحفاظ على هذا المنهج، ان هذا لا يكون الا بمتابعه الثقلين: الكتاب والعتره، اتباع منهج، وقياده، لا على سبيل العاطفه او الموده فحسب.
فناصر الكتاب واهل البيت ناصر الرسول، وخاذل الكتاب والعتره خاذل للرسول، انها وصيه مركزه ومحدده تحدد المنهج، وهو الكتاب او النص وتحدد القياده وهى قياده اهل البيت الاقدر على فهم النص وتطبيقه، ومطابقه السلوك مع المنهج، فكيف اذن يمر الناس على هذا الحديث المتواتر مرور الكرام؟! واذا اضطروا لاثبات الفهم لجووا الى تمييع الافهام فيقولون: (ولا ننكر الوصاه بهم) وهل كان رسول اللّه(ص) فى حاجه الى ان يجمع المسلمين فى هذا الموضع ليوصيهم بذريته وحسب؟، لا نظن هذا.
ثم يلجا الرسول الاكرم(ص) الى مزيد من التحديد حينما يطرح ولايه امير المومنين(ع) بصوره واضحه ومحدده فيقول: (من كنت وليه فهذا وليه)
يقول بعض الباحثين: ان هذا الكلام لا يعنى ولايه الامر او قياده الامه وانما يعنى النصره والمحبه، وهذا كلام عجيب، فماذا كانت تعنى ولايه رسول اللّه للامه؟.
الم تكن ولايه التشريع والقياده (من كنت مولاه فهذا مولاه)، انها ولايه من ولايه، انها من نفس الجنس والنوع والمعنى، وليس هناك اى دليل او قرينه لغويه تفصل بين الولايتين، بل على العكس انها قضيه الامتداد تطرح فى وقتها الملائم (انى اوشك ان افارقكم – من كنت مولاه فعلى مولاه).
بقى ان نقول ان هناك معنى عظيما فى هذا الحديث، وهو قوله عليه الصلاه والسلام: (وانهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض)، هذا المعنى هو ان هذه القياده وان غيبت، فانها لا تغيب بل وستبقى حاضره فى دين المسلمين، انها حاضره حضور الكتاب فى دنيا الناس حتى آخر الدنيا، ثم ان هذه القياده تحتفظ بصوابيه الكتاب الكريم نفسها، اذ العتره عدل الكتاب ورفيقته فى طريق الحق، وحاشا لكليهما من الزيغ والضلال.
ومن عجب ان روايه الترمذى عن خطبه رسول اللّه(ص) فى حجه الوداع، وهى روايه تفرد بها تحمل المعنى نفسه بل النص والوصيه نفسيهما (تركت فيكم ما ان اخذتم به لن تضلوا، كتاب اللّه وعترتى اهل بيتى)، لقد كان رسول اللّه(ص) حريصا على ان يكرر الوصيه نفسها فى مسافه زمنيه متقاربه وفى وسط اكبر عدد من جموع المسلمين اجتمعت فى حجه الوداع، ثم كان حديثه فى (غدير الجحفه) تفصيلا وتاكيدا لوصيته يوم عرفه، ثم انها فوق كل هذا وصيه مودع وصيه (رسول من انفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمومنين رووف رحيم) «التوبه/128».
اما (حديث المنزله) وقد قاله رسول اللّه(ص)، قبيل مغادرته المدينه الى غزوه تبوك فى رجب من العام التاسع للهجره، 630 ميلادى، وتبوك موضع فى شمالى جزيره العرب، ولما انطلق النبى(ص) الى الغزو، استخلف عليا(ع) على المدينه فكانت هذه الكلمات: (اما ترضى ان تكون منى بمنزله هارون من موسى غير انه لا نبى بعدى)، فماذا كانت منزله هارون من موسى؟، فلنقرا القرآن: (وواعدنا موسى ثلاثين ليله واتممناها بعشر فتم ميقات ربه اربعين ليله وقال موسى لاخيه هارون اخلفنى فى قومى واصلح ولا تتبع سبيل المفسدين) «الاعراف/142».
اذا لقد كانت منزله هارون من موسى هى منزله الخلافه على الامه (اخلفنى فى قومى).
ثم نص القرآن على واجبات الخلافه (واصلح ولا تتبع سبيل المفسدين).
وهل كان اختيار رسول اللّه(ص) للامام على(ع) لحمل آيات البراءه مجرد مصادفه خاصه، وانه(ص) كان قد ارسل غيره حاملا للرساله ثم نزعها منه واعطاها للامام؟، لقد كانت رساله البراءه كما يلى: (ايها الناس، انه لا يدخل الجنه كافر، ولا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان، ومن كان له عهد عند رسول اللّه(ص) فهو الى مدته).
ان هذه المهمه التى ارسل فيها امير المومنين على(ع) هى من مهام (القياده العليا) بالتعبير السياسى الحديث، مهمه ابرام المعاهدات او نقضها، مهمه وضع سياده الدوله الاسلاميه فى اطارها النهائى، ومن ثم كان اختيار الامام على لهذه المهمه متلائما مع دوره المقبل فى قياده الامه الاسلاميه فى المرحله المقبله، وانه فى هذه اللحظه كان يمثل ما تعارف عليه الناس بمصطلح (النائب الاول)، وهذا المعنى واضح فى كلمات الرسول(ص): (لا يودى عنى الا انا او رجل من اهل بيتى).
اما حديث السفينه فهو يحمل المعنى نفسه الوارد فى حديث الثقلين، انه يربط بين النجاه وبين التمسك بمنهج اهل البيت(ع) وولايتهم: (مثل اهل بيتى فيكم كمثل سفينه نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك)، وهل كان ركوب سفينه نوح متاحا للمومن والكافر ام انه كان متاحا للمومنين من الصابرين دون غيرهم من المعاندين؟.
انها كانت هديه اللّه لمن آمنوا وصدقوا (حتى اذا جاء امرنا وفار التنور قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين واهلك الا من سبق عليه القول ومن آمن وما آمن معه الا قليل× وقال اركبوا فيها بسم اللّه مجراها ومرساها ان ربى لغفور رحيم) «هود/40 – 41»، انها سفينه النجاه تسير بامر اللّه مجراها ومرساها لا باهواء الناس ولا بضحاله علمهم (وهى تجرى بهم فى موج كالجبال) «هود/42»، ثم هى بعد ذلك الوسيله الوحيده للنجاه من مهالك الدنيا والاخره.
ويبقى، بعد هذا، حديث مدينه العلم، هذا الحديث الذى شبه فيه الرسول(ص) علمه بالمدينه التى لا توتى الا من بابها، وبابها هو امير المومنين على(ع)، ولطالما استعصى على فهم قوله تعالى: (وليس البر بان تاتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى واتوا البيوت من ابوابها) «البقره/189»، هل نزلت هذه الايه لتعالج مشكله تسلق اسوار البيوت فحسب؟!، ربما، ولكنى لا اظن ان مثل هذه الظاهره تكفى وحدها لتعطينا مدلولا قاطعا مانعا يمنع انطباق مدلول هذه الايه على ايه قضيه اخرى.
ان المدلول الاخطر والاهم هو تنظيم الهيئه الاجتماعيه، ووضع القياده العلميه للامه فى موضعها الصحيح، وهو موضع الباب، وعلى كل من يريد الدخول ان يمر عبر الطريق الطبيعى وهو الباب، فاذا لم يكن للمدينه اسوار واصبح الدخول مفتوحا لكل من هب ودب، فان هذا عين الفوضى الاجتماعيه والعلميه والاخلاقيه، ثم وجدت ضالتى فى كلمات الامام على(ع):
(نحن الشعار والاصحاب، والخزنه والابواب، ولا توتى البيوت الا من ابوابها، فمن اتاها من غير ابوابها سمى سارقا).
الامامه فى قريش
1 – روى البخارى ومسلم: (الناس تبع لقريش فى هذا الشان مسلمهم لمسلمهم وكافرهم تبع لكافرهم)، (الناس تبع لقريش فى الخير والشر)، (لا يزال هذا الامر فى قريش ما بقى من الناس اثنان).
وروى البخارى عن معاويه بن ابى سفيان، عندما بلغه ان عبداللّه بن عمرو يحدث انه سيكون ملك من قحطان فقال: (بلغنى ان رجالا منكم يحدثون احاديث ليست فى كتاب اللّه ولا توثر عن رسول اللّه، فانى سمعت رسول اللّه(ص) يقول: ان هذا الامر فى قريش لا يعاديهم احد الا كبه اللّه على وجهه ما اقاموا الدين).
2 – الائمه اثنا عشر كلهم من قريش.. روى البخارى ومسلم:
(ان هذا الامر لا ينقضى حتى يمضى فيهم اثنا عشر خليفه كلهم من قريش)، (لا يزال الاسلام عزيزا الى اثنى عشر خليفه كلهم من قريش).
3 – هلاك الامه على يدى ائمه قريشيين.. روى البخارى فى باب الفتن عن عمرو بن سعيد قال: (اخبرنى جدى قال: كنت جالسا مع ابى هريره فى مسجد النبى(ص) بالمدينه ومعنا مروان بن الحكم، قال ابو هريره: سمعت الصادق الصدوق يقول:
هلكت امتى على يدى غلمه من قريش.
فقال مروان: لعنه اللّه عليهم من غلمه.
فقال ابو هريره: لو شئت ان اقول بنى فلان وبنى فلان لفعلت.
فكنت اخرج مع جدى الى بنى مروان حين ملكوا الشام فاذا رآهم غلمانا احداثا قال لنا: عسى هولاء ان يكونوا منهم.
قلنا: انت اعلم).
هذه الروايات وردت فى اهم كتب الحديث المعتمده لدى اهل السنه، بعد كتاب اللّه، ويستفاد منها عده معان:
ا – ان الامامه محصوره فى قريش.. امامه الابرار للابرار وامامه الفجار للفجار.
ب -ان الائمه الابرار عددهم اثنا عشر قرشيا.
ج -ان الامامه الحق ليست مباحه لكل قريش، بل هى محرمه على الظالمين منهم، لانه لا يعقل ان تعطى الامامه لمن يهلكون الامه، والروايه الثالثه تحذر منهم.
ان هذه الروايات تحتاج الى دراسه هادئه واعيه، فليس من المعقول ان تكون معرفه هولاء الائمه الابرار متروكه للتجربه، واحتمال الصواب والخطا مع ما يترتب على ترك هذا الامر غامضا من آثار مدمره وضاره جدا بمجموع المسلمين، فلو كان الناس على يقين من ضلال بعضهم لوجب عليهم عدم توليتهم من الاصل.
الامر الاخر المثير للريبه هو صمت ابى هريره عن تسميه ائمه الضلال فيقول: (لو شئت لفعلت) ويعلق السندى شارح البخارى على هذه العباره بقوله: (كان يعرف اسماءهم، وكان ذلك من الجراب الذى لم يبثه).
ومعلوم ان القوم يقولون: ان ابا هريره حفظ عن رسول اللّه(ص) جرابين من العلم، بث احدهما وكتم الاخر وقال: (لو بحت به لقطع هذا البلعوم)، وهذا اعتراف صريح بان ابا هريره قد كتم لمصلحه يراها، وهذه المصلحه معروفه على اى حال، انها مصلحه بنى اميه الذين استخدموه واعطوه من وظائفهم، ومن اموال المسلمين ما جعله يرى مصلحته هى مصلحه الناس جميعا.
والغريب ان المقريزى روى عن ابى هريره فى كتاب (التنازع والتخاصم) تسميه بنى الحكم: (رايت فى النوم بنى الحكم وبنى العاص ينزون على منبرى كما تنزو القرده فما روى رسول اللّه(ص) مستجمعا ضاحكا حتى توفى)، كما روى المقريزى الروايه نفسها عن سعيد بن المسيب: (راى النبى(ص) بنى اميه على منابرهم فساءه ذلك فاوحى اليه انما هى دنيا اعطوها فقرت عينه وهى تفسير قوله تعالى: (وما جعلنا الرويا التى اريناك الا فتنه للناس والشجره الملعونه فى القرآن ونخوفهم فما يزيدهم الا طغيانا كبيرا) «الاسراء/60» اى بنى اميه، وقد روى ايضا ان: (رجلا قام الى الحسن بن على رضى اللّه عنهما فقال: يا مسود وجه المومنين.
فقال: لا تونبنى رحمك اللّه فان رسول اللّه(ص) قد راى بنى اميه يخطبون على منبره رجلا رجلا فساءه ذلك فنزلت (انا اعطيناك الكوثر) «الكوثر/1» ونزلت (اهنا انزلناه فى ليله القدر× وما ادراك ما ليله القدر× ليله القدر خير من الف شهر) «القدر/1 -3».
يعنى مده ملك بنى اميه فحسب ذلك فاذا هو لا يزيد ولا ينقص).
كما روى ايضا عن ابى هريره وابى سعيد الخدرى: (ان رسول اللّه(ص) قال: اذا بلغ بنو العاص اربعين رجلا اتخذوا دين اللّه دخلا وعباد اللّه خولا ومال اللّه دولا).
وعلى الرغم من هذه الروايات جميعها، نجح بنو اميه فى الاستيلاء على السلطه بعد ثلاثين عاما من وفاه رسول اللّه(ص) ، وضربوا بجميع هذه التحذيرات عرض الحائط وطوله.
وفى الوقت الذى يجهد فيه بعض الكتاب والرواه فى تلميع صوره بنى اميه على الرغم من كل ذلك، فاننا نلاحظ اغفالا متعمدا للكثير من سيره آل البيت(ع)، وهنا نود ان نتوقف امام حدثين من احداث التاريخ الاسلامى المهمه وهما:
الاول.. صلح الامام الحسن بن على(ع)، مع معاويه بن ابى سفيان
الثانى.. حادثه استشهاد الامام الحسين بن على(ع) على يد جنود يزيد بن معاويه فى كربلاء سنه (41ه/661م).
اولا.. صلح الامام الحسن بن على(ع) مع معاويه.
روى ابن ابى الحديد فى كتابه (شرح نهج البلاغه) عن ابى الفرج الاصفهانى عن سفيان بن ابى ليلى قال: (اتيت الحسن بن على حين بايع معاويه، فوجدته بفناء داره، وعنده رهط، فقلت: السلام عليك يا مذل المومنين.
قال: عليك السلام يا سفيان.
انزل فنزلت، فعقلت راحلتى ثم اتيته، فجلست اليه، فقال: كيف قلت يا سفيان؟ قلت: السلام عليك يا مذل المومنين.
فقال: ما جر هذا منك الينا؟.
فقلت: انت واللّه – بابى انت وامى – اذللت رقابنا حين اعطيت هذا الطاغيه البيعه، وسلمت الامر الى اللعين ابن اللعين ابن آكله الاكباد، ومعك مائه الف كلهم يموت دونك.
وقد جمع اللّه عليك امر الناس.
فقال: يا سفيان، انا اهل بيت اذا علمنا الحق تمسكنا به، وانى سمعت عليا يقول: سمعت رسول اللّه(ص) يقول: لا تذهب الليالى والايام حتى يجمع امر هذه الامه على رجل واسع السرم ضخم البلعوم، ياكل ولا يشبع لا ينظر اللّه اليه، ولا يموت حتى لا يكون له فى السماء عاذر، ولا فى الارض ناصر، وانه لمعاويه وانى عرفت ان اللّه بالغ امره.
ثم قال لى: ما جاءنا بك يا سفيان؟.
قلت: حبكم، والذى بعث محمدا للهدى ودين الحق.
قال: فابشر يا سفيان فانى سمعت عليا يقول: سمعت رسول اللّه(ص) يقول: يرد على الحوض اهل بيتى ومن احبهم من امتى كهاتين، يعنى السبابتين.
ولو شئت لقلت هاتين يعنى السبابه والوسطى، احداهما تفضل على الاخرى، ابشر يا سفيان فان الدنيا تسع البر والفاجر حتى يبعث اللّه امام الحق من آل محمد(ص)).
هذه هى رويه الامام الحسن سلام اللّه عليه لتطور الاوضاع فى الامه الاسلاميه، وانه سلام اللّه عليه لم يسلم الخلافه لمعاويه لانه يعده قياده شرعيه واجبه السمع والطاعه، وانما فى مواجهه ضروره قاهره املتها ضغوطات الواقع وتخاذل المتخاذلين كما املتها معرفته بما ستوول اليه الامور، وان القرار الذى اتخذه بايقاف القتال لم يتحول الى اقرار بشرعيه الغصب والعدوان، وها هو يرد على لسان ابن آكله الاكباد حين خطب خطبته الفاجره فى افتتاح دولته قائلا: (انى واللّه ما قاتلتكم لتصلوا ولا لتصوموا، ولا لتحجوا، ولا لتزكوا، انكم تفعلون ذلك وانما قاتلتكم لاتامر عليكم، وقد اعطانى اللّه ذلك وانتم كارهون).
فيرد عليه الامام الحسن(ع): (ان الخليفه من سار بكتاب اللّه وسنه نبيه وليس الخليفه من سار بالجور ذاك رجل ملك ملكا تمتع به قليلا ثم يتنخمه، تنقطع الذمه وتبقى تبعته وان ادرى لعله فتنه لكم ومتاع الى حين).
لقد كانت الامه فى حاجه الى هذا الخطاب الواعى من امام الحق الذى يشخص الواقع لا ان يصبح جزءا منه ومن ادواته، هذه هى مهمه العلماء، فاذا قام الائمه(ع) والعلماء من بعدهم بواجبهم بقيت التبعه على الذين خذلوا الحق، وايدوا الباطل.
لماذا اغفل الشيخ البخارى هذه الحقائق ولم يرو شيئا عنها؟.
لماذا لم يرو هولاء القوم شروط صلح الامام الحسن بن على مع معاويه، وهى شروط تنبه المسلمين انه مهما كانت ضغوط الواقع، وجبروت الفراعنه، فانه لا يمكن اسباغ الشرعيه على حكومات الجور والعدوان.
ونقرا هذه الشروط، كما رواها الشيخ الصدوق، قال: (بايع الحسن بن على، صلوات اللّه عليه، معاويه على ان لا يسميه امير المومنين، ولا يقيم عنده شهاده وعلى ان لا يتعقب على شيعه على شيئا، وعلى ان يفرق فى اولاد من قتل مع ابيه يوم الجمل ويوم صفين الف الف درهم).
انه وضع للقتال وليس تسليما للرقاب من غير قيد ولا شرط، انه رجل تملك ملكا تمتع به قليلا ثم (يتنخمه) تنقطع الذمه وتبقى التبعه.
لم يحدثنا التاريخ ان الحسن بن على(ع) سعى فى تثبيت ملك بنى اميه، وتوعد من خالفهم بالويل والثبور وعظائم الامور، وكيف يعقل ان ينتقل الحال بامام عظيم هو الحسن(ع) من قياده المواجهه ضد المد الاموى ليصبح ذيلا تابعا فى نظام يتخذ من السلطه هدفا لا وسيله لاقامه العدل، اننى اوقن ان الحديث عن السمع والطاعه فى مواجهه هذه الحكومات الجائره هو خلط مريب للاوراق، وكان الاولى بهولاء الرواه ان يتنزهوا عنه.
ثانيا.. حادثه استشهاد الامام الحسين بن على
واقعه اخرى هى خروج الامام الحسين(ع)، طالبا اصلاح احوال الامه المسلمه وآمرا بالمعروف وناهيا عن المنكر، وهو الامر الذى انتهى بشهادته واهل بيته فى كربلاء فى العاشر من شهر محرم الحرام عام (61ه/680م).
كما هو معروف فى جميع كتب التاريخ.
خرج الامام الحسين بن على بن ابى طالب(ع) مدافعا عن قيم الاسلام الحقيقى الذى حاول تيار الحقد الاموى ان يجرفه فى طريقه، لقد عمل الامويون ما فى وسعهم لسلب الامه حقها فى اختيار من يقودها فتصبح الخلافه ملكا وراثيا، وارادوا ان يسلبوا الامه عزها وكرامتها وشرفها الى الابد ليقودها سكير ينادم القرود ويعطل السنن، ويشرب الخمر.
وقد تصدى الامام الحسين(ع) لهذا العبء العظيم قائلا: (مثلى لا يبايع مثله)، وهذه كلمات ترسخ مبدا عظيما من الناحيه الشرعيه والدستوريه، وهو انه لا ينبغى ان يحكم الامه مثل هولاء الفساق، وواللّه ان الدول غير المسلمه ان تسامحت مع سلوكيات الاشخاص العاديين فانها لا تتسامح اطلاقا مع سلوكيات قادتها، ونحن اولى بالحق منهم.
(نحن اهل البيت اولى بولايه هذا الامر عليكم من هولاء المدعين ما ليس لهم والسائرين فيكم بالجور والعدوان)، وهذه قاعده اخرى مكمله لما سبقها ومفادها انه لا يجوز ان يستمر فى حكم الامه من عرف بالجور والعدوان.
ثم هو يسند هذه المره الى رسول اللّه(ص): (ايها الناس، ان رسول اللّه(ص) قال: من راى سلطانا جائرا مستحلا لحرم اللّه ناكثا لعهد اللّه مخالفا لسنه رسول اللّه(ص) يعمل فى عباد اللّه بالاثم والعدوان فلم يغير عليه بفعل ولا قول كان حقا على اللّه ان يدخله مدخله، الا وان هولاء قد لزموا طاعه الشيطان وتركوا طاعه الرحمن واظهروا الفساد وعطلوا الحدود واستاثروا بالفىء واحلوا حرام اللّه، وحرموا حلاله وانا احق من غير)، لماذا لم يرو البخارى ومسلم هذا الحديث عن ابى عبداللّه(ع)؟، هل يشكون فى صدقه؟، اليس هذا الحديث احق بالروايه من قصه بيعه ابن عمر لعبد الملك بن مروان؟، ام ان روايه الحسين(ع) – وان صدق – لا تتوافق مع مذهبه ورويته وليذهب الصدق الى الجحيم.
كما روى ابن جرير الطبرى ان الامام الحسين بن على(ع) خطب فقال: (انه قد نزل من الامر ما قد ترون، وان الدنيا قد تغيرت وتنكرت وادبر معروفها واستمرت جدا فلم يبق منها الا صبابه الاناء وخسيس عيش كالمرعى الوبيل، الا ترون ان الحق لا يعمل به وان الباطل لا يتناهى عنه ليرغب المومن فى لقاء اللّه محقا فانى لا ارى الموت الا شهاده ولا الحياه مع الظالمين الا برما(.
اليست هذه الاموال والاعمال مواقف ودروس فى السياسه والاخلاق كان الاولى بمصنفى الاحاديث ان يعتنوا بها ويرووها، والا يضعوها فوق الرفوف كانهم لا يعلمون.
يروى البخارى ويكثر الروايه عن ابن عمر وابى هريره ولا يروى شيئا عن آل بيت النبوه اصحاب الكساء الذين اذهب اللّه عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.
(انما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا) «الاحزاب/33».
وانه لحرى بالمسلم الواعى ان يكون دقيقا فى ما يقرا من احداث التاريخ، وان يميز بوعى، وبورع، وتقوى بين ائمه الهدى، وبين ائمه الضلال.
1 – ائمه الهدى لهم السمع والطاعه.
2 – ائمه الهدى لا يامرون بمعصيه.
3 – ائمه الهدى لا يكونون عبيدا لا لغيرهم، ولا لشهواتهم.
4 – ائمه الهدى لا ياكلون اموال الناس بالباطل.
5 – ائمه الهدى لا يقتلون الذين يامرون بالقسط والعدل من الناس.
اما ائمه الضلال فلا يتورعون عن ارتكاب الجرائم والمنكرات، ولا حتى عن اختراع ما لم نسمع به من قبل.
هذه الفروق نحن فى امس الحاجه لتمييزها وتبين معالمها، واذا كان استعراض النصوص السابقه قد كشف لنا عن حاله التخبط التى عانى منها بعض كتاب التاريخ واصحاب الفكر قديما وحديثا فى رويتهم لقضيه الامامه والسياسه، وهو ما كان عليهم تجنبه، او الخضوع فيه لاهواء الحاكمين من الطغاه فى تشويه احداث التاريخ وطمس حق آل بيت الرسول فى خلافه الرسول(ص).
خاتمه المطاف
ان نظره واحده الى الساحه الاسلاميه، فى حالتها الراهنه، تكفى للتدليل على صحه ما نقول، فقد اصبحت ساحه العلم بلا اسوار، فهى الان مستباحه لكل ناعق، فكل من اراد الدخول دخل وسمى نفسه عالما واتبعه شراذم من الناس:
وكلهم يدعى وصلا لليلى وليلى لا تقر لهم بذاك ان نظره الى مجموعه الاحاديث السابقه الوارده فى على وآل البيت(ع) وهى – ليست كل ما عندنا فما زال فى جعبتنا الكثير- تكشف عن صوره واضحه خاصه، اذا اضيفت اليها احاديث الائمه الاثنى عشر وهى ان القياده الطبيعيه للامه الاسلاميه تتمثل فى ائمه اهل البيت سفينه النجاه، الثقل الاصغر الذى ان تمسكنا به نجانا اللّه من خزى الدنيا وعذاب الاخره، وان الذين ينكرون هذه الحقيقه لا يملكون تصورا محددا يمكن تقديمه للامه الاسلاميه، بل كل ما يقدرون عليه هو الانكار والتشكيك، تاره يقولون: هذا الحديث ضعيف وتاره اخرى منكر، واعجب اشد العجب من اجماع اهل السنن جميعهم على روايه هذه الاحاديث ثم وقوفهم منها موقف اللاموقف، وفهمهم فيها هو اللافهم.
حتى تلك الاحاديث الواضحه فى دلالتها على حتميه اتباع العتره اتباعا منهجيا وقفوا منها ايضا اللاموقف فقد اثبتوها نصا، ولكنهم لم يخرجوا منها باى نتيجه، واعجب من هولاء اولئك الذين يصرون الى يومنا هذا على ترديد مقوله (عبداللّه بن سبا)، فهل كان عبداللّه بن سبا راوى حديث الثقلين؟، ام انه روى حديث خلفاء الرسول الاثنى عشر؟، ام انه هو الذى روى حديث آيه التطهير؟، ام آيه الموده فى القربى؟، اى منطق هذا يريد ان يسيطر على عقول الناس بارهابهم بان اصل هذا الكلام هو عبداللّه بن سبا اليهودى (ائتونى بكتاب اللّه من قبل هذا او اثاره من علم ان كنتم صادقين) «الاحقاف/4».